ولي الأمر مسؤول بمقتضى الشرع والقانون والعرف عن تقويم الأبناء، فالوالد أو الأخ الأكبر أو الأم حسب الظروف العائلية يثبت له أو لها هذا الحق، حيث إن له عدة ألوان، فقد تأخذ طرق التربية هيئة الحرمان من المصروف أو المنع من الخروج للهو مع رفاقه أو مخاصمته بمعنى عدم التحدث معه وأخيراً التأديب عن طريق الضرب؛ أي أن يكون الضرب هو السبيل الأخير لتأديب الابن، وإن كان هذا الحق متعارفاً عليه ويثبت لولي الأمر في معظم المجتمعات، إلا أن شريعتنا وقانوننا وعرفنا قد وضعت ضوابط عند استعمال حق التأديب شأنه شأن حق الزوج في تأديب زوجته، فقد يخال من لا يعرف تفاصيل هذا الحق بأنه حق مطلق بينما هو يصطدم بديننا قبل حقوق الإنسان، فالإسلام هو الدين الشامل المفصل في الوقت ذاته أي لم يترك أمراً إلا وحدده فقد وضع مجموعة قيود عند استعمال أي حق.
في الواقع ما جعلنا نتطرق إلى هذا الموضوع هو حدوث واقعة في أحد مراكز الشرطة استوجبت مني أن أقوم بتوضيحها حتى لا يتجاوز المستعمل لحق التأديب السياج المحدد الذي رسمه العرف العام، فقد حضر أحد الأبناء إلى مركز الشرطة ليقدم شكوى ضد والده، فحواها بأنه قام بضربه حتى كسر يده، وكان السبب وراء ذلك هو الدرجات الدراسية المتدنية للابن، مما أثار بركان الأب وقرر تقويمه بهذا الجزاء المجرم قانوناً، عند حضور الأب إلى مركز الشرطة كان منزعجاً مستغرباً ومتعجباً من سبب استدعائه مردداً تكراراً ومراراً بأنه سيقاضي مركز الشرطة، لأن سبب إحضاره غير قانوني، وهو ليس مخالفاً للقانون فقط وإنما أيضاً للشرع والعرف لكونه من حقه حتى قتل ابنه في سبيل تأديبه، وتم إدخال الأب على الضابط الذي طلب منه الهدوء لأن هذا الحق الذي تتذرع به له حدود وأنت تجاوزت هذه الحدود.
فقد نصت المادة (16) من قانون العقوبات «بأنه لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون أو العرف»، ولأن هذا الحق ثابت لولي الأمر استناداً إلى الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع»، كما إن سلطة التأديب لولي الأمر متعارف عليها في أغلب المجتمعات ولكن الشرع والقانون والعرف لم يتركها من دون ضوابط عملاً بالقاعدة الشرعية التي تقول (السلطة المطلقة مفسدة مطلقة) وعليها فقد سنت عدة ضوابط عند ممارسة هذا الحق والتي منها:
1. صاحب الحق في التأديب هو الأب الذي له الحق في إنابة غيره في حال غيابه لاستعمال هذا الحق كولي النفس وهم الجد والعم والأخ الأكبر.
2. يجب ألا يتعدى فعل الضرب ما استقر عليه العرف العام وهو الضرب البسيط الذي لا يترك أثراً ولا يحدث كسراً أو جرحاً ولا ينشأ عنه مرض، كما إن الضرب البسيط له شروط محددة شرعاً وعرفاً كأن لا يكون بغير اليد ولا يجوز استخدام أداة كالسوط أو العصا، وألا يكون في مواطن الجسم التي تنذر بالخطر.
3. حسن النية وغاية التأديب أي أن يكون الغرض من التأديب والتهذيب أو التربية والتعليم، فإذا ابتغيت به غاية أخرى كالانتقام أو الحمل على مسلك سيئ كالحث على السرقة أو التسول فلا مجال للتبرير ويكون القائم بهذا الحق مستحقاً للعقوبة المقررة قانوناً.
في الختام وبالعودة إلى الواقعة فإن الابن تنازل عن الشكوى التي تقدم بها ضد أبيه لكون الدم في نهاية المطاف لا يتحول إلى ماء.