كتب - عبدالرحمن محمد أمين:
في حالة بوماهر، كانت إطلالة ابن المحرق يحيى خليفة المهيزع للحياة، العام 1958، وذلك عن طريق أشهر قابلة في تلك الفترة «أم جان». كان منزل عائلته يقع بالقرب من منازل المرحوم محمد عيسى فليفل والشيخ سيف بن أحمد آل ثاني وعيسى الكويتي وعبدالله هلال، وكانت منطقة حالة أبو ماهر سابقاً محاطة بالبحر، وكانت من أهم سواحل المحرق البحرية حيث كانت تنطلق منها سفن صيد الأسماك.
ذلك ما يذكره المهيزع لـ«الوطن»، خلال حديثه عن محطات في حياته منذ مولده وحتى انضمامه اليوم لجمعية الكلمة الطيبة..
لنبدأ الحديث معك من بداية تلقيك التعليم؟
- بحسب التقاليد السائدة أدخلتني عائلتي لدراسة القرآن الكريم عند المطوعة (لطيفة) أثناء العطلات الصيفية لكني لم أختم القرآن، وفي السابعة من عمري 1965، كانت بداية حياتي الدراسية بمدرسة الحالة الابتدائية، وكان يطلق عليها (بيت الشوملي). وأتذكر أن مديرها كان المرحوم محمد سالم، استمررت فيها حتى الصف السادس الابتدائي ثم نقلت بعدها إلى مدرسة عبدالرحمن الناصر، وكان مديرها أحمد المالود ومن المدرسين أتذكر علي مريد ومبارك حسن.
شغف بالنجارة
بعد إكمال دراستك الإعدادية؛ التحقت بأي مدرسة؟
- التحقت بمدرسة الصناعة بالمنامة لقرب مبنى قلعة الشرطة (وزارة الداخلية حالياً)، نظراً لولعي الشديد بأعمال النجارة التي كان يمارسها عمي، فكنت أشاركه أعماله ما أكسبني خبرة في صناعة السفن الصغيرة، ووافق ذلك هوى والدي رحمه الله بممارسة تلك المهنة التي كان يعمل بها كثير من الأهل والأقارب.
كنت أيضاً أساعد والدي في عمله وهو تسليك أنابيب المياه، وبدأت دراستي في مدرسة الصناعة بدراسة عامة ثم تخصص ميكانيكا سيارات في السنة الثانية، فكنت أقطع المسافة من منزلي إلى دكان «ما شاء الله»، مشياً على الأقدام لركوب الباص الخشبي الذي ينقلنا إلى مدرسة الصناعة على حساب وزارة التربية والتعليم.
توظفت في اليوم الثاني
متى كان تخرجك إذاً؟
- بعد 3 سنوات من الدراسة تخرجت العام 1977، بدبلوم صناعة، ونظراً لوفرة الأعمال في تلك الفترة ولحاجة الوزارات والمؤسسات لأصحاب المهن، خصوصاً تصليح السيارات، تقدمت للعمل لدى وزارة المواصلات، وفي أول من يوم من تقديم طلبي، طلبوا مني الحضور في اليوم الثاني باللباس الرسمي للوزارة، بعد أن نجحت في الامتحان، فعملت 3 شهور تجربة بدون راتب، بعدها تم توظيفي بصورة رسمية، واستلمت راتب 3 شهور دفعة واحدة، وكان راتبي الشهري 93 ديناراً فقمت بشراء أول سيارة، فكنت أدفع 60 ديناراً كقسط شهري، والباقي كنت أعطي والدي جزءاً منه لمساعدته في تحمل مصاريف العائلة، وفي العام 1971 حصلت على ترقية للدرجة الرابعة وزيادة في راتبي قدرها 25 ديناراً ليصبح راتبي 118 ديناراً.
كان وزير المواصلات عند التحاقي بها هو المرحوم إبراهيم محمد حسن حميدان، ومن بعده نائب رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، أما مدير الإدارة فكان عبدالرحيم جمال ومن بعده راشد جنيد. وبدأت عملي بالوزارة ميكانيك سيارات، ونظراً لمعرفتي باللغة الإنجليزية كنت أنوب عن المسؤول في إجازته. وفي 1981م تمت ترقيتي بمسمى ملاحظ بالدرجة الخامسة، إلى أن تقاعدت عن العمل العام 2003، بالدرجة التاسعة بعد تحويل أعمال الوزارة إلى القطاع الخاص، وحصلت على مكافأة خدمة 10 سنوات، إضافة إلى 26 سنة التي عملت بها إضافةً إلى درجة بأثر رجعي لمدة عام، وآخر راتب حصلت عليه قبل التقاعد كان 630 ديناراً.
تجارة وعمل تطوعي
ماذا صنعت بعد التقاعد؟
- بعد تقاعدي مارست بعض الأعمال التجارية البسيطة، ومؤخراً بعد وفاة الأخ المرحوم خالد العامر المشرف على الأعمال في جمعية الكلمة الطيبة، وأنا أحد منتسبيها؛ طلب مني الأخ حسن بوهزاع رئيس مجلس إدارة الجمعية؛ تولي مسؤوليات المرحوم خالد، ونظراً لاحترامي وتقديري للأخ حسن بوهزاع، وما يقوم به من أعمال جليلة نحو الجمعية وأعضائها؛ قبلت العرض خدمة لإخواني وزملائي المتقاعدين من أعضاء الدار. وأنا اعتبر مقر الدار بيتي الثاني نظراً لما توفره الإدارة، وأخص بالذكر الأخ حسن بوهزاع من وسائل الراحة والترفيه لنا، فنقوم بعدة زيارات لمعالم البحرين ودول الخليج المجاورة، وقريباً سنقوم بزيارة إلى سلطنة عمان. ومن الأمور الحسنة عدم تدخل الإدارة في أعمالنا وإعطائنا كامل الصلاحيات في العمل، وتقبل أي اقتراحات تصب في مصلحة الجمعية للعمل بها فوراً.
أنا أقضي أيضاً أوقاتي الآن، بتوصيل أولادي إلى مدارسهم، وذلك إثر عودتي من صلاة الفجر، وأخذ قسطاً من الراحة وتناول الفطور، بعد ذلك أقوم بشراء حاجيات المنزل وإنجاز أعمالي التجارية الخاصة. وأفضل إشغال وقت فراغي بالتواجد في إحدى مقاهي السوق المركزي بالمحرق للالتقاء بالزملاء والأصدقاء من المتقاعدين، وأتواجد، 3 أيام أسبوعياً في مقر دار الكلمة الطيبة بصفتي مشرفاً على أعمالها، أما في الليل فلا أخرج من المنزل وأفضل الجلوس مع أهلي ومشاهدة برامج التلفزيون، عدا مساء الجمعة أزور مجلس الأخ خالد المريخي في قلالي.
شهر العسل في قبرص
لم تحدثنا عن قصة زواجك؟
- تزوجت العام 1983، وأقمت حفلة الزواج في نادي الخليج بالمحرق، وأحيته فرقة (الأخوة) بقيادة أخي عبدالعزيز، ولي من الأبناء 3 أولاد، و3 بنات، واحدة تزوجت والأخرى تعمل والأخيرة مازالت طالبة، أما الأولاد فأكبرهم يعمل والباقيان أحدهما متخرج حديثاً والآخر مازال طالباً، وأحمد الله أن جميع أبنائي مازالوا معي في بيتي.
بعد زواجي تقدمت لوزارة الإسكان طالباً وحدة سكنية وذلك العام 1983، فحصلت على بيت بمدينة حمد العام 1985، بعد سنتين فقط من تقديم الطلب، وذلك نظراً لقلة الطلبات في تلك الفترة. وكانت مدينة حمد قد أشرفت على الانتهاء فانتقلت لها وسكنت هناك 4 سنوات، إلا أن الابتعاد عن أهلي وأصدقائي ودواعيس المحرق، أجبرتني على بيع البيت لأحد المستفيدين بمبلغ 2200 دينار نظير التعديلات والإضافات التي عملتها ورجعت إلى بيت الوالد بعراد، وفي العام 1990 أخذت قرضاً من صندوق التقاعد بمقدار راتب 12 شهراً، واشتريت قطعة أرض بمبلغ 8000 دينار، وكان سعر القدم 1.750 دينار، وتقدمت بطلب قرض بناء من وزارة الإسكان إلا أن المشاريع الإسكانية كانت قد توقفت مدة 4 سنوات بعد الغزو العراقي للكويت، وفي العام 1994، حصلت على القرض، وباشرت ببناء منزلي الحالي المكون من طابقين بمبلغ 40000 دينار فقط.
وأتذكر موقفاً طريفاً لي، عند وصولي إلى قبرص لقضاء شهر العسل، كنت حاجزاً الفندق مع وجبة الإفطار والغداء، وفي أول يوم لوصولي فاتت علي وجبة الغداء فنزلت أنا وزوجتي للسير في شوارع قبرص حيث شاهدت مطعماً تنبعث منه الأدخنة وروائح الطبخ، فتوقفت وسألت أحد العاملين عن نوعية اللحم المستخدم لديهم وهل هو حلال فأكد لي أنها لحوم أغنام فطلبت عدد 2 سندويتش قمت أنا وزوجتي بأكلهما وكانت لذيذة الطعم، لكن المفاجأة المؤلمة أننا عند عودتنا للفندق شاهدت بعض العوائل البحرينية وأخبرتهم بأمر ذلك المطعم فكانت الصدمة عندما أخبرونا بأن صاحب المطعم كذاب ومخادع وأنه يستخدم لحم الخنزير، فذهبت اليوم الثاني للمطعم، لكنه أنكر قوله إنه يستخدم لحم أغنام!
صنع السفن والصيد
هل استمرت هواياتك نفسها؟
- كنت في صباي أقوم بصناعة هياكل السفن من علب الدهون المعدنية التي كنت أجمعها من على سواحل البحر، وكنت أهوى دخول البحر لصيد السمك مع أخي المرحوم محمد في طراده، وكانت أفضل الأماكن لصيد السمك منطقة الديبل وفشت اليارم واشتيه، وكان الصيد وفيراً، وكان الروبيان متوفراً بكثرة، فكنا نصطاد منه كميات كبيرة في «كوفة الروبيان» في خور الحالة، ومن كثرته كنا نوزع كميات منه على الأهل والأقارب، نبيع الفائض بسعر دينار واحد لكل 4 كيلو.
تعلقت أيضاً بالسفر وأفضل سفرة وأطولها كانت لليابان، مبتعثاً من وزارة المواصلات عن طريق مؤسسة يوسف خليل المؤيد وأولاده العام 1995، وذلك للاطلاع على طريقة تصنيع السيارات في مصانع نيسان، واستفدت كثيراً من تلك الدورة خصوصاً مع بداية إدخال نظام الكمبيوتر في صناعة السيارات، ورأيت عنواناً للنظام والأمان واحترام القانون والانضباط في العمل.
كنا «أهل وأحباب»
ماذا تذكر من أيام زمان؟
- لقد كانت الفرجان عامرة والبيوت مفتوحة والناس كالأهل، فالبيوت مفتوحة وكان لكل بيت بابان ندخل من باب ونخرج من الآخر للعب خصوصاً في شهر رمضان دون أن يمنعنا أو يعترضنا أحد.
كنا نأكل ونشرب من كل البيوت، وأتذكر أن والدي اشترى جهاز تلفزيون حيث يجتمع كل أطفال الفريج لمشاهدة برامج تلفزيون أرامكو وهي المحطة الوحيدة الموجودة في تلك الفترة حتى أن بعض الصبية كانوا ينامون في منازل جيرانهم.
من الألعاب الشعبية السائدة في تلك الفترة؛ الدوامة والسعكير والبلبول والشعرور، وكانت الوجبة المفضلة عند الناس خلال شهر رمضان الثريد والهريس، وكان خبز الرقاق يصنع في البيوت وأحياناً يوضع عليه بيض الدجاج خصوصاً لوجبة السحور، وكان (المحمر والشيلاني) أفضل وجبات الناس خصوصاً مع سمك الصافي والكنعد لأن سعرهما أرخص من سعر اللحم ومتوفر بكثرة. ومن أجمل الذكريات أننا كنا نذهب أيام العيد لبيوت الجيران للحصول على العيدية حيث نحصل على 10 فلوس فقط، إلا أنني أتذكر أننا نذهب أولاً لمنزل الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، ويعطونا 25 فلساً لكل واحد منا وطوال أيام العيد نحصل على 3 روبيات فقط حيث نفرح بها كثيراً.