من أكثر الجوانب مدعاة للقلق في عملية جز العنق التي راح ضحيتها الصحافيان الأمريكيان جيمس فولي وستيفن سوتلوف، أن رجلاً طليق اللسان يتحدث بلكنة بريطانية هو القاتل فيما يبدو.
وقد كان قيام رجل غربي متعلم بذبح غربيين متعلمين آخرين ثم رفع الشرائط التي تصور عملية القتل على الإنترنت سبباً كافياً ليهيمن ذلك على ما عداه من أخبار.
لكن هذا الغربي ذا النهج العنيف الذي يرتدي السواد ليس وحده. فقد انضم حوالي 500 مواطن بريطاني للقتال في سوريا والعراق ومناطق أخرى من الشرق الأوسط إلى جانب آلاف غيرهم من الأجانب. وعاد نحو 250 منهم إلى بريطانيا.
وقد انضم أغلبهم إلى صفوف جماعات جهادية متشددة مثل «داعش» «التي أعيدت تسميتها الدولة الإسلامية» وكذلك جبهة النصرة فرع القاعدة. وشارك كثيرون في القتل كما قتل كثيرون. وفي وقت سابق هذا الصيف هاجم أمريكي هو منير محمد أبو صالحة الذي كان يعيش في فلوريدا مطعماً بشاحنة محملة بالمتفجرات كان يقودها.
وفي الأسابيع الأخيرة لقي أمريكيون آخرون يشتبه أنهم قاتلوا في صفوف «داعش» حتفهم.
وكثيرون ممن قاموا بهذه الرحلة يحفزهم الخطاب الموجه لهم وخلاصته؛ الرئيس الأسد وحزب الله وإيران يقمعون المسلمين السنة وبلادكم لا تعير الأمر التفاتاً ونحن فقط -داعش أو أي جماعة جهادية أخرى- سنحمي هؤلاء الأبرياء من الذئاب. فهل ستنضمون إلى القضية؟
وهذا الخطاب له إغراؤه لأنه يمس شغاف القلب ويخاطب العقل، إذ يمس وتراً حساساً لدى كثيرين فيما يتعلق بهويتهم الدينية وبالإحساس بالظلم ويستغل حس المغامرة ويطرح دعوة ملموسة للعمل. ويتعاظم هذا الخطاب بلغات متعددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب الصحافة العادية. كذلك فإنه يحظى بمباركة من رجال دين معروفين من المحافظين أمثال يوسف القرضاوي الذي قال في العام الماضي إن على كل مسلم مدرب على القتال وقادر عليه أن يتقدم للقتال في سوريا.
لا يوجد سوى طريقة واحدة لهزيمة هذا الخطاب وهي صياغة خطاب مضاد أفضل منه. فقد خاض الغرب حرب الأفكار طويلة النفس ضد الاتحاد السوفيتي. وعليه أن يحشد هذه الجهود مرة أخرى للصراعات العقائدية اليوم.
ومع ذلك فالدول كثيراً ما لا تصلح لتوجيه مثل هذا الخطاب لمن يكون لديهم الميل أن يصبحوا جهاديين. فحامل الرسالة في هذه الحالة هو الرسالة نفسها. وعلى سبيل المثال تدير وزارة الخارجية الأمريكية حسابا على تويتر يفتقر للبراعة باسم (???@ThinkAgain_DOS???) يحاول أن يقنع الجهاديين بلغة تويتر ولم يحقق سوى نجاح محدود.???
وفي العادة يستلزم الأمر شخصا تربطه صلة حميمة بالمجند المحتمل أكبر كثيراً من المسؤول الحكومي أو الناطق الرسمي لكسر شوكة الخطاب المتطرف. وفي الوقت الراهن تتفوق القوى الجهادية على الجانب الذي يريد أن يبقي أبناءه وبناته بعيداً عن سوريا في سلاح الخطاب والقدرة على المناورة. وهذا الجانب يحتاج للعون.
فما الذي يجب أن يقوله إذا شخص -سواء فرد في أسرة أو مدرس أوصديق- إذا اشتبه أن أحداً ما يفكر في القتال في سوريا؟ السطور البسيطة المؤلمة هي الأفضل. وإليكم بعض الاقتراحات:
لا يذهب إلى سوريا سوى الحمقى
وهذا يقودنا مباشرة إلى فكرة أن القتال في سوريا سيمنح هؤلاء الناس ما يتوقون إليه من احترام. فالتصرف مثل المحاربين المجاهدين الأقوياء هو ما يريده كثيرون مثلما توضح حساباتهم على تويتر وأنستغرام وفيسبوك.
ومن المفهوم لماذا قد يرغب بعض الناس في أن يكونوا جزءاً من هذه القوة الجهادية الأكبر لأنه يضفي معنى على حياتهم الرتيبة. وقالت الطبيبة النفسية سامانثا رودمان «الانتماء احتياج إنساني أساسي والناس سيخاطرون في كثير من الأحيان لكي يكونوا جزءاً من مجموعة مترابطة تتقبلهم».
فهل يستحق التطابق الذي يشعر هؤلاء أنه يجمع بينهم وبين هذه المجموعة ذلك الجهد؟ لنكن صرحاء. لا توجد نهاية لطابور الشبان والشابات الذين ينتهي بهم الحال إلى القتال في سبيل قضايا مشكوك فيها أو أسوأ من ذلك. مثل المجموعة التي ذبحت مقاتلاً أمام الكاميرات ثم اضطرت للاعتذار عندما اتضح أنهم قتلوا جهادياً من زملائهم. أو المدرب في العراق الذي نسف 21 شخصاً يطمحون أن يكونوا مفجرين انتحاريين لأنه أطلق متفجراته بطريق الخطأ. أو الشخص الذي لم يكن «منبوذاً اجتماعياً» بل مجرد «شخص عادي». أو الشخص الذي اضطر والداه لتدبير خطفه لإبعاده عن الجهاد. ولا نهاية للقائمة.
ستقتل أناساً مثلك
وهذا لا يفترق عن السطر الأول لأنه يضعف بدرجة أكبر دواعي رغبتهم في الذهاب إلى سوريا في المقام الأول. ومنذ بداية العام تخوض «داعش» حرب الكل على الكل بما في ذلك على رفاق الجهاد والجماعات المتمردة «المعتدلة». إذ يستمر ضبط أجانب وهم يخوضون معركة لا تنجز شيئاً يذكر لتحرير السنة فعلياً.
ولـ «داعش» سجل مريع بصفة خاصة في قتل السنة. فقد قتلت الجماعة الكثير من المقاتلين بما في ذلك رئيس جماعة أحرار الشام الجهادية بالإضافة إلى مبعوث القاعدة في سوريا أبو خالد السوري. فأي صنف من الجماعات الجهادية يقتل -عن طريق تفجير انتحاري- متطرفين بارزين لا غبار عليهم؟
تتجولون والبنادق مصوبة إليكم
فالسكان المحليون يستخفون بالغرباء لأن الأجانب هم المقاتلون الأعنف من غيرهم. والجماعات الأخرى تكرهكم بالفعل لأنكم تعملون لحساب «داعش». كما إن قادة «داعش» يعتبرونكم حشو مدفع يمكن استخدامه للهجمات الانتحارية وسيعدمونكم إذا حاولتم الهرب. وكل هذا في جانب السنة فحسب. فهو وضع خاسر لكل أجنبي وهو ما يقودنا إلى النقطة الأولى: لا يذهب إلى سوريا سوى الحمقى.
وبالطبع لا تكفي «نقاط التحاور» هذه في حد ذاتها لوقف تيار الذاهبين إلى القتال. فهذه الحرب على الجهاديين -حرب الأفكار هذه- لن تخوضها الطائرات دون طيار أو قوات العمليات الخاصة بل الآباء والمدرسون والأصدقاء وكبار المجتمع. وستكون ساحة المعركة هي الإنترنت ووسائل الإعلام وكذلك حول موائد العشاء وفي المقاهي وداخل ساحات السجون وأفنية المدارس.
حرب الأفكار هذه ستكون طويلة ومضنية. وأقل ما يجب أن نفعله هو أن نبدأ تزويد جانب المدنية بأسلحة بلاغية مفيدة في الحرب على الإرهابيين.
«اكي بيريتز - رويترز»