جاءت زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، إلى المملكة العربية السعودية، ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وما تمخضت عنه من نتائج هامة للبلدين، جاءت لتؤكد من جديد عمق العلاقات البحرينية السعودية ومدى ما وصلت له من تطور وتقدم في جميع المجالات جعلها متفردة من نوعها، وعلى ما يربط بين القيادتين والشعبين الشقيقين من روابط ووشائج القربى والأخوة ووحدة المصير. وقال تقرير لوكالة الأنباء بنا إن العلاقات القائمة بين البلدين في مجالاتها المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. إلخ، تشهد حالة من الزخم، ربما لا تتوافر في علاقات أي بلدين آخرين، فهذه العلاقات لم تقتصر على كونها علاقات جوار تاريخية امتدت لقرون طويلة، بل تم وصل الماضي بالحاضر، حيث تشهد تطورًا ونموا باستمرار على كافة المستويات.
عمق لا غنى عنه
وعلى المستوى السياسي والاستراتيجي تنظر البحرين إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها الشقيقة الكبرى، وبمثابة العمق الذي لا غنى ولا بديل عنه في مختلف الظروف، ليس ذلك فحسب، بل تعدها العمود الفقري والأساسي للأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وهو ما أثبتته مختلف التطورات والتحديات التي مرت بها المنطقة.
وتنظر البحرين، ومن منطلق استراتيجي، إلى السعودية من منطلق دورها ومكانتها المؤثرة في العالم، وكذلك من زاوية ما تلعبه عربيًا ودوليًا في السياسات الإقليمية والدولية، حيث تسهم بما عرفت به سياساتها من رجاحة في حل العديد من الإشكالات بين الأقطار العربية والإسلامية.
على الجانب الآخر تنظر المملكة العربية السعودية إلى البحرين باعتبارها بوابة الخليج العربي الشرقية والسياج الشرقي للمملكة لذا تحرص القيادتان في كلا البلدين على دوام التواصل والتشاور والتنسيق المشترك ويتضح ذلك من تعدد الزيارات بين المسؤولين في كلا البلدين على مختلف المستويات ومن وحدة المواقف تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
على المستوى الاقتصادي فإن العلاقات متشعبة ومترابطة فالعلاقات الاقتصادية تعد أحد أبرز المجالات التي تعكس عمق وقوة العلاقة الخاصة بين البحرين والمملكة العربية السعودية، حتى إنه يمكن القول بأن التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما يعد نموذجًا يحتذى به في العلاقات بين الدول. فالمملكة العربية السعودية تأتي في مقدمة الشركاء التجاريين للبحرين من بين الدول العربية والخليجية، وعلى مدى الـ 80 عامًا الماضية منذ اكتشاف النفط في المنطقة في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي لم يتوقف ضخ النفط من السعودية إلى البحرين ليوم واحد، حيث تقوم المنامة بتحويله إلى منتجات نهائية مثل البنزين، والكيروسين، والديزل، وبيعه في السوق العالمية، كما أن المملكة العربية السعودية تأتي في المرتبة الأولى من حيث التدفقات والاستثمارات المباشرة في البحرين.
الجسر أقوى الروابط
ويعد جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية، أقوى هذه الروابط الاقتصادية على الإطلاق، وقد جاء تجسيدا لنظرة الملك فيصل الصائبة وبعيدة المدى عندما اعتبر مشروع إنشاء الجسر من المشاريع ذات الطابع القومي الاستراتيجي.
ولا شك أن المجالين الاجتماعي والثقافي من المجالات التي شهدت - ولا تزال - تعاونًا وترابطًا ملحوظًا بين البلدين، نظراً لروابط الأخوة والمصاهرة والنسب التي تجمع بين شعبيهما، فبخلاف العلاقات الأسرية القديمة والترابط الأخوي، زادت بينهما علاقات التقارب والزواج، عزز منها ورسخها الدور الذي يضطلع جسر الملك «فهد» والمعروف باسم «جسر المحبة»، فهو لم يسهم في الربط بين الطرفين من الجانب الجغرافي فقط، بل قام بتقوية العلاقات التاريخية، وزاد من ترابط المصالح بين شعبيهما، وحقق مزيدًا من التقارب الاجتماعي والثقافي.
تشعب علاقات التعاون
لقد زادت علاقات التعاون وتشعبت لتشمل جميع المجالات الفنية والتراثية والإعلامية والأدبية، وما حرص جلالة الملك على المشاركة في فعاليات حفل افتتاح مهرجان «الجنادرية» لهذا العام والذي وصفه بأنه «حدث فكري شامل يستقطب كبار المثقفين، وتقليد حضاري وملتقى عربي وإنساني تتلاقى في رحابه كافة أوجه التعاون والمحبة والإخاء» - إلا أنه يعد دليلاً دامغًا على صدق تلك العلاقات، والتي تجلت في أزهى صورها عندما استضافت مملكة البحرين بحفاوة وترحاب شديدين معرض الملك «سعود» (رحمه الله)، والذي أقيم في متحف البحرين الوطني، ولاقى نجاحًا باهرًا وإقبالاً كبيرًا من مختلف شرائح مجتمعها، والذي ضم أيضًا جناحًا خاصًا للعلاقات الأخوية التاريخية والمتميزة القائمة بين الأسرتين الكريمتين «آل خليفة وآل سعود» منذ عصور قديمة موثقة بالزيارات المتبادلة والصور التاريخية القديمة.
على مستوى المجال الإعلامي، نجده شهد تعاونًا ملحوظًا من خلال دعم برامج ومشروعات التعاون الإعلامي المشترك، وتفعيل وتنشيط برامج الأيام الثقافية المتبادلة، وتنظيم ورش عمل وندوات يشارك فيها كتاب ومفكرو ومثقفو المملكتين، وكذلك تنشيط مجالات تدريب الإعلاميين في مختلف الأجهزة.
وجاءت هذه الزيارة لجلالة الملك لتفتح آفاقًا جديدة للعلاقات الوطيدة بين المملكتين الشقيقتين، فتعددت المكاسب التي جنتها المملكتان من هذه الزيارة والتي تعد دلالات على أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيشهد مزيدًا من الزخم والتعاون المشترك على كافة الأصعدة لما فيه خير البلدين.
ضد الإرهاب
ولعل من أبرز نتائج الزيارة على الجانبين السياسي والأمني إظهار الدعم والتأييد للمملكة العربية السعودية في حربها ضد الإرهاب، فأكد جلالة الملك على دعم المملكة لكل الخطوات التي تقوم بها السعودية في مكافحة العمليات الإرهابية بكافة صورها وأشكالها، والتي يسعى مرتكبوها إلى تشويه صورة ديننا الإسلامي الحنيف، دين العدالة والسلام. وتناولت المباحثات بين العاهلين توحيد الرؤى والمواقف تجاه ما تمر به المنطقة من تحديات وتطورات متسارعة، والعمل والتعاون المشترك من أجل التوصل إلى الحلول المناسبة والسبل الكفيلة للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
إن هذا الدعم الملكي يأتي في وقته المناسب، خصوصًا بعد الكشف عن العديد من المخططات الإرهابية التي استهدفت المملكة العربية السعودية مؤخرًا والتي تهدف إلى النيل من الدور السعودي القيادي في المنطقة عن طريق العبث بأمنها واستقراها، فكان هذا الدعم البحريني دليل جديد على قوة العلاقات بين البلدين ووحدة المصير المشترك، كما كان لتوقيت الزيارة أهميته لضرورة التنسيق الأمني المشترك بين البلدين في مواجهة التحديات الأمنية الأخيرة.
وكان لافتتاح جلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز مشروع «خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لأمن الحدود - المرحلة الأولى»، بحضور العاهل، دلالة هامة على مكانة البحرين لدى المملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا واعتبار أمن السعودية هو أمن البحرين، فهذا الحضور الملكي إلى جانب كونه تشريفًا للبحرين وتأكيدًا لقوة الأواصر والعلاقات هو دليل على قوة التنسيق الأمني بين البلدين وأهميته في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ المنطقة وإزاء ما يتهدد المنطقة من مخاطر الإرهاب والتطرف.
أهمية التنسيق المشترك
ولعل استشعار جلالة الملك للمخاطر الأمنية التي تحيق بالخليج العربي والمنطقة العربية بدا واضحًا خلال الزيارة، فكانت رؤية جلالته واضحة حول أهمية التنسيق المشترك بين البحرين والسعودية وكذلك ضرورة التلاحم الخليجي في مواجهة هذا الخطر المحدق، فأكد جلالته مباركته للجهود السعودية في المحافظة على اللحمة والترابط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بهدف دفع المسيرة المباركة للعمل الخليجي المشترك إلى الأمام، لتقوم الدول الخليجية بدورها في التصدي لكل ما يحيط بها من مخاطر وتدخلات خارجية.
إن الاهتمام بالجوانب السياسية والأمنية في العلاقات البحرينية السعودية لم يغط على الجوانب الأخرى للعلاقات بين البلدين والتي لا تقل متانة عن سابقاتها، كالعلاقات الاقتصادية والإنسانية، فجاءت مباركة خادم الحرمين الشريفين مشروع إنشاء الجسر الثاني الذي سيربط مملكة البحرين مع المملكة العربية السعودية الشقيقة ضمن منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كواحدة من أهم النتائج للزيارة الميمونة لجلالة الملك، فإنشاء الجسر الجديد بين البلدين والذي سيربط شمال مملكة البحرين بشقيقتها المملكة العربية السعودية هو حلم كبير لكلا الشعبين في ظل تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مختلف المجالات، كما أنه حلم خليجي وخطوة في سبيل تدعيم التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي وصولا إلى الاتحاد الخليجي المنشود وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين والتي كانت البحرين هي أول دولة خليجية أعلنت الترحيب والتأييد لها.
مجد تاريخي للعاهل
وكان إطلاق خادم الحرمين الشريفين على الجسر الجديد اسم الملك «حمد بن عيسى» برهان جديد لما يتمتع به جلالة الملك من مكانة لدى المملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا وهو مجد تاريخي يستحقه جلالته حيث سيحفر اسمه بحروف من نور على أحد أهم المشروعات التي تربط المملكتين ودول مجلس التعاون الخليجي كما أنه برهان أيضًا على الطبيعة الخاصة للعلاقات البحرينية السعودية التي تتخطى العلاقات التقليدية بين الدول.
ولاشك أن الاهتمام المتزايد من قبل قيادتي البلدين على تطوير مجالات التعاون الثنائي يشكل حافزا كبيرا على الارتقاء بشكل العلاقات وتعدد مجالاته في المستقبل بما يعود بالنفع والخير على الشعبين الشقيقين، كما أنه يشكل نموذجًا يمكن البناء عليه في تحقيق حلم الاتحاد الخليجي والذي تتطلع إليه الشعوب الخليجية جميعها.