قالت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة «نمتلك في الثقافة خطة شمولية لإدارة مدينة المحرق، لكننا نعول على أهالي المدينة لتحقيق الحلم وحفظ هذا التراث الإنساني العميق»، مضيفة أن «كل شبرٍ في البحرين له أهميته بالنسبة لنا، والمحرق تعنينا جميعاً دون استثناء كون معالمها مسجلة على قائمة التراث الإنساني العالمي، والتي تتطلب منا جميعاً العمل وفق اشتراطاتٍ ومعايير كي تحافظ على ما أنجزته». فيما أيد أهالي المحرق تشكيل لجنةٍ من الأهالي للمتابعة والمشاركة في المشروع.
وأردفت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، خلال لقاء مفتوح مع أهالي المحرق في متحف البحرين الوطني أمس، «يدٌ وحيدةٌ لن تصنع شيئاً، لا يمكن إنجاز عملٍ ما ما لم نعمل مع بعضنا البعض، مشيرةً إلى أن الحلم الذي تخطط له الثقافة من أجل المحرق تتمنى أن يكون مشتركاً مع جميع الأهالي والبحرينيين، وبينت أن المشاريع لا تتحقق إلا بشراكةٍ فعلية، وأن ما تصنعه الثقافة من برامج يجب أن تكون معروفةً لدى الجميع لأنهم أساس نجاحها وهي تنتمي إليهم.
وأشارت إلى مشروع طريق اللؤلؤ والذي يتضمن 19 مساحةً مفتوحةً تعيد للمدينة حيويتها ونسجها الاجتماعي الحميمي، قائلةً: «هذه المحطات جسرُ تواصلٍ لكل الطريق، نصنع فيها تفاصيلنا الصغيرة لجذب الناس إليها، بدءاً من العنصر البيئي المائي والخضرة، مروراً بتجهيز بيئات اجتماعية ومقاعد تستقبل الزوار، إضافة إلى أرضيات مبردة وغيرها».
وأفصحت: «نريد أن نرتقي بالأحياء، ونرسخ ما نحلم به: المحرق وجهة لكل الناس»، مشيرةً إلى أن العمل على تحقيق المنجزات الخاصة بمدينة المحرق من شأنه إعادة الأهالي للمنطقة، وإحياء المكان سياحياً، إضافة إلى تشكيل مردودٍ اقتصادي واجتماعي وسياحي.
وأكدت أن كل من يسهم في مشاريع مدينة المحرق سيشارك في الاحتفاظ بمكانة المدينة القديمة وتوثيق أسماء ناسها وصنيعهم الإنساني، وأوضحت: «هذا الحلم كبيرٌ جدًا ونحتاج فيه لكل الجهود، وبالفعل فقد آمنت بنا العديد من الجهات التي دعمت مشاريع الثقافة في مدينة المحرق، وكانت البداية عبر مركز معلومات قلعة بو ماهر الذي تحقق بدعمٍ من شركة البحرين للملاحة والتجارة الدولية وشركة تسهيلات البحرين الذين نمتن لهم ونعتز بدعمهم لمشاريع الثقافة».
وحضر اللقاء الوكيل المساعد للثقافة الشيخة عزة بنت عبدالرحمن آل خليفة، الوكيل المساعد للسياحة الشيخ خالد بن حمود آل خليفة، نائب محافظ المحرق العميد سلطان السليطي، مدير عام شرطة المحرق العميد زهير العبسي، عدد من أصحاب المجالس، عدد من العوائل المعروفة بالمحرق إلى جانب مجموعة من أهالي المدينة.
الخطة الشمولية
واستعرض مستشار الترميم بوزارة الثقافة د.علاء حبشي الخطة الشمولية لإدارة مدينة المحرق، وقال في بداية حديثه: «كل المشاريع التي نخطط لها لن تتحقق إلا بالتعاون الجماعي مع الجهات الحكومية والخاصة وحتى الأفراد، فنحن نحاول تفعيل منظومة شاملة للمدينة القديمة»، مؤكداً «في حديثنا عن مدينة المحرق، فإننا نتحدث عن مجتمع وتراث وتاريخ، لا يمكننا في الثقافة أن ننزوي بالعمران التاريخي والتراث، وليس النسيج المدني هو وحده ما نشتغل عليه، فالمجتمع هو القيمة الإنسانية الأهم، وهو رهاننا».
واستعرض د. علاء في تقديمه المشاريع والمرئيات التي وضعتها وزارة الثقافة لإنجاز مخططاتها الحفاظية في مدينة المحرق، وذلك عبر محاور عديدة، هي: مسار اللؤلؤ، شرايين الحركة ومواقف السيارات، إدارة العمران وبرنامج إحياء وتنمية الأنشطة.
وأشار في المحور الأول المتعلق بمسار اللؤلؤ إلى أن هذا المشروع يتضمن ترميم وإعادة تأهيل 17 مبنى أثرياً بحكايات وتفاصيل تاريخية وتراثية وإنسانية مختلفة، مبينًا أن ما تم إنجازه من المشروع حتى الآن يشمل المرحلة الأولى من ترميم سوق القيصرية - فيما لا تزال المرحلة الثانية في إطار التنفيذ -، وترميم بعض العمارات التاريخية منها كانت عمارة علي راشد فخرو الذي تم استكمال المرحلة الأولى منه.
أوضح أن المشروع يتضمن بيت الغوص الذي دُشن في أبريل الماضي، إضافة إلى ترميم مجلس سيادي في الفترة الحالية، وبيت العلوي الذي سيستكمل ترميمه خلال الشهرين المقبلين، مبينًا أن البيت الأخير سيكون مكتبةً متخصصة في الدراسات القائمة حول اللؤلؤ والمهن المتصلة به.
وأشار د. علاء أيضًا إلى المنجَز من مشروع مسار اللؤلؤ: مركز معلومات قلعة بو ماهر الذي افتُتِح نوفمبر العام الماضي، إلى جانب ترميم أنقاض القلعة، إذ تم إظهار البرج الجنوبي الشرقي من آثارها.
وبين أن وزارة الثقافة استطاعت إتمام 2 من أصل 19 فراغًا مكانيًا، وأن كل واحدٍ منها ينفرد بخصوصيته وقد تم تزويدها بخدماتٍ متعددة وروعي في تصميمها احتياجات المنطقة، إذ أُجرِيَت العديد من الدراسات المجتمعية في محيط تلك المساحات العامة. وأكد أن من المساحات المنتَظَرة ما يفرد مكانًا لملاعب، ساحات تفاعلية مع الزوار، مسارح مصغرة لإقامة الأنشطة والفعاليات وغيرها.
وأوضح أن الارتقاء بواجهات المباني هو أيضًا جزءٌ من خطة العمل في مسار اللؤلؤ، مشيراً إلى أن العمل على ذلك يتضمن إضافة بعض العناصر، استعادة بعضها الآخر، استبدال الألوان لتنسجم مع المكان وتاريخه، إزالة بعض الإضافات الخارجة عن الواجهات مثل أنابيب الصرف وأجزاء التكييف.
وأشار إلى أن خطة وزارة الثقافة للعمل على المواقف تتضمن عدة مستويات، تبدأ في الأولى منها بإنشاء 4 مواقف في المحيط الغربي للمدينة، وستكون مواقف سيارات منسجمة مع طبيعة المدينة حيث تم انتقاء تصاميم ملائمة.
وأوضح أن المستوى الثاني لحل هذه المشكلة يتضمن مواقف صغيرة في أماكن محدودة تنسجم وتتوافق مع شرايين الحركة للمخطط الحفاظي، مبيناً أن الثقافة قد أجرت العديد من الدراسات في حرصٍ على ألا تتعدى السيارات على حركة المشاة.
بعدها، انتقل د.علاء حبشي إلى ثالث محاور اللقاء حول إدارة العمران، والذي يشمل: تراخيص البناء، مخطط الحفاظ والبيوت الآيلة للسقوط.
وفيما يتعلق بالبند الأول أوضح د. حبشي أن وزارة الثقافة تتابع التراخيص كونها معنية بالحفاظ على المدينة الأمر الذي يستلزم إدارة العمران ككل، وأشار إلى أن الثقافة يوميًا تسمح بإصدار ما يزيد عن 30 ترخيصًا، وقال: «نخشى من الإضافات والهدم مما يسيء إلى تاريخ المدينة ومعالمها، لذا فنحن نتبع رؤية واضحة، وتمر التراخيص عبر الوزارة من أجل القيام بتقييم دقيق لقيمة المبنى والعمران المحيط به، العناصر الزخرفية والمسار المطل عليه وغيرها».
وتابع: «لا نريد خسارة عمرانٍ ما، وما لا يصلح إنشائيًا يمكن إصلاحه وتجميله، وفي تراخيصنا دائمًا ما نبعث بالتوصيات التي توجه للحفاظ على قيمة المكان وعلاقته بالنسج المدني»، مبينًا أن الثقافة تسمح بإجراء تعديلاتٍ داخلية لا تلغي القيمة الأثرية.
وصرح: «خلال العمل على المدينة اكتشفنا العديد من المناطق التي تحمل قيمة أركيولوجية، وبعض الآثار التي وجدناها تعود إلى العصر الأموي». أما عن مخطط الحفاظ فقد أوضح أن الثقافة كونت فريق عملٍ اشتغل في الفترة الماضية على عمل مخططٍ لجميع العقارات من أجل استيعاب جميع مكونات المدينة. وفيما يتعلق بالبيوت الآيلة للسقوط، قال: «لا نريد صفة الآيلة للسقوط، فهذه بيوت تاريخية بحكايات إنسانية ويؤسفنا عدم الالتفات إليها لذا نحاول إنقاذها».
المحرق حلمٌ خام
وقالت الإعلامية سوسن الشاعر، في مداخلة لها، «جميعنا نتحدث عن المحرق وخصوصيتها، هذه المدينة الجميلة تمثل حلمنا المشترك ونشعر بفرادة تفاصيلها ومعالمها ومحبتها أيضًا في قلوبنا، لكن الوقت الآن حان للفعل وليس للكلام فقط»، مشيرة إلى مخططات وزارة الثقافة لمدينة المحرق باعتبارها فرصةً لتفعيل المحبة والاشتغال الحفاظي على هوية هذه المدينة العريقة.
وأوضحت أن وزارة الثقافة لم تبدأ بحلمها منذ الآن، بل كانت فعليًا تشتغل على ذلك منذ سنواتٍ سبعٍ، واستطاعت ترجمة الحلم على ورقٍ من خلال مخططات ومراسلاتٍ وتصاميم وهي اليوم تشرع بتنفيذها على أرض الواقع، مبينةً أن المشروع قد خضع لدراساتٍ متعمقة، وساهمت فيه جهات مختصة ومنظمات دولية وجهودٍ حكومية وخاصة وأهلية.
وقالت: «في الدول الأوروبية نرى كل دولة تحتفظ بمدينتها القديمة، فهي تعبر عن أصالتها، ذاكرتها، تاريخها وحضاراتها، وهذا المشروع مثل إعادة اكتشاف بئرٍ للنفط نحتاج جميعاً أن نعمل عليه».
وأردفت: «المحرق حلمٌ خام، مادة خام بين أيدينا. ثمة دولٍ تصنع ما نملكه نحن تاريخياً، فيما نحن نملك الحقيقة والمادة الخام ويجب أن نعرف كيف نفعلها ونستخدمها».
وأضافت أن مشروع مسار اللؤلؤ قد حصد دعماً استثنائياً من البنك الإسلامي للتنمية عبر التمويل الميسر والذي سيبدأ تطبيقه الشهر القادم.
وأردفت الشاعر: «لدينا ميزانية ومشروع مكان، لكنها الآن مسؤوليتنا للعمل. يجب أن يكون للمشروع أصدقاء يعملون عليه ويساندونه، فكل بيتٍ في المحرق هو جزءٌ من مشروع أكبر».
وأوضحت في حديثها إلى أن العمل على هذا المشروع سيشكل مصدرَ دخلٍ للمدينة وسيساهم في إرساء تنويع اقتصادي تطمح إليه مملكة البحرين. وأشارت إلى أن الميزانية المرصودة للمشروع تمثل قاعدةُ فحسب، وقد حان الآن الوقت لتذليل العقبات والصعوبات.
لجنة أهلية
من جهة أخرى، أعربت الشخصيات المشاركة وأهالي المنطقة عن سعادتهم بهذا المشروع، مؤكدين رغبتهم في تحقيقه واستعدادهم للمساندة، وقد شكلت الجلسة المفتوحة فرصةً للإصغاء إلى الاقتراحات والإجابة عن الاستفسارات، إذ أيدت وزيرة الثقافة والحضور من أهالي المحرق فرصة تشكيل لجنةٍ من الأهالي للمتابعة والمشاركة في المشروع.
واقترح الحضور انتهاج سياسة التسويق للمشروع، مؤكدين استعدادهم لفتح المجالس الاجتماعية من أجل إيصال الحلم للآخرين، ومشجعين على تشكيل هجرة عكسية - حسب وصفهم - يدعون فيها أهالي المدينة للعودة إلى بيوتهم وتعميرها بما يليق للسكن.
واختُتِم اللقاء بوقوف أهالي المحرق على أول مبنى في مشروع مسار اللؤلؤ، وهو مركز معلومات قلعة بو ماهر والبقايا التي تم ترميمها، وذلك في رحلةٍ بحرية انطلقت من متحف البحرين الوطني وصولاً إلى مركز المعلومات، الذي قدم خارطة مفتاحية ونبذةً عن كل مشروع يقع على مسار اللؤلؤ، في خطوةٍ لتعريف الأهالي بالمشروع والاطلاع على تفاصيله.