^ نظمت جمعية الوسط العربي الإسلامي مؤخراً ندوة تحت عنوان (عروبة وأمن الخليج العربي بين الواقع والتحديات) تداعت إليها نخبة مُتميزة من المثقفين والأكاديميين والمفكرين والكتاب العرب، وقد تناول المشاركون مجموعة من الأوراق ذات العلاقة بعروبة الخليج العربي وأمنه والتحديات التي تواجهه محلياً وإقليمياً ودولياً. اليوم سنتناول موضوع (الخليج العربي.. الاسم والهوية) ومواضيع ذات علاقة في مقالات قادمة أخرى. الخليج العربي محيط النفط العالمي، وأحد مرافئ التجارة العالمية قديماً وحديثاً، ومَعبراً مُهماً للمواصلات العالمية، كان مَسرحاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لمغامرات المُستعمرين من فرس وبرتغاليين، هولنديين وفرنسيين وبريطانيين، وقبلهم كان الإسكندر الأكبر وابن ماجد وأبناء وأحفاد السندباد الذين ملؤوا الخليج العربي بأشرعتهم البيضاء، واليوم تسكنه مجموعة من القواعد العسكرية الأمريكية. أطلق المؤرخون أسماءً عِدة عليه، سماه قديماً أحد اليونانيين بخليج العجم، وتطلق عليه إيران “الخليج الفارسي”، وذلك بسبب الدور الفارسي استعمارياً للمنطقة وليس جغرافياً، حيث حقائق التاريخ والجغرافيا تؤكد أن لا علاقة لإيران بهذا الخليج لكون أراضيها لا تطل عليه بسبب أن جميع البلدان المُطلة على الخليج العربي بضفتيه الشرقية والغربية هي عربية الاسم والهوية والأصل. هذا ما أكده الرحالة الدانمركي كارستن نيبور الذي جاب الجزيرة العربية في عام 1762م وأصدر في عام 1772م مؤلفه (رحلات في الجزيرة العربية وبلدان أخرى في الشرق)، ومما جاء في هذا المؤَلف أن (هذه القبائل التي استقرت على الخليج هي قبائل عربية قبل فتوحات الخلفاء الراشدين، وأن ملوك فارس لم يتمكنوا قط أن يكونوا أسياد البحر)، مُضيفاً (لقد أخطأ جغرافيونا حين صوروا لنا جزءاً من الجزيرة العربية خاضعاً لحُكم فارس، لأن العرب هم الذين يمتلكون جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية من مَصب الفرات إلى مصب الإندوس). وهذا ما أكد صحة تسميته بالخليج العربي المؤرخ الإنجليزي من القرن العشرين روجريك أوين الذي زار الخليج العربي وأصدر عنه كتاباً بعنوان (الفقاعة الذهبية.. وثائق الخليج العربي). ويذكر التاريخ أن أبناء فارس لم يكونوا يركبون البحر يوماً وكانوا يخافونه، وحتى عندما أنشؤوا أساطيلهم البحرية كان بحارته من غيرهم، وهذا ما يقوله د. صلاح العقاد بأن (الساحل الشمالي الشرقي “الساحل الإيراني” يَمتد على طوله سلسلة عالية من الجبال الصعبة المنافذ إلى الداخل مما عزل سكان فارس وسلطتها عن حياة البحر). جغرافياً ينقسم الخليج العربي إلى ثلاثة أقسام؛ المنطقة الشرقية التي تتألف من ساحل ضيق تليه سلاسل جبلية عالية نسبياً تابعة لجبال زاغروس، والمنطقة الغربية تشمل شبه الجزيرة العربية وباقي أقطار الخليج العربي، والمنطقة الشمالية تشمل وادي الرافدين وإقليم الأحواز. لقد استطاعت الإمبراطورية الساسانية الفارسية قبل الإسلام أن تبسط نفوذها على الأقطار العربية في الخليج العربي لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على شعبها. وأن حلمها الإمبراطوري الذي يراودها دائماً بأن يكون الخليج العربي خليجاً فارسياً خاصاً بها هو حُلم لا يَنسجم مع روح العصر وحقائق التاريخ والجغرافيا. وهذا يعني بأن الصراع على تسمية الخليج عربياً أو فارسياً ليس صراعاً تاريخياً أو جغرافياً بل هو صراع وجود وهوية وسيادة بالنسبة لعرب الخليج العربي هدفه فرض الهيمنة والسيطرة على الخليج العربي وأقطاره و”تفريس” هذه الجغرافية مثلما فعلت عند احتلالها لإقليم الأحواز العربي حيث محت من خارطته كل اسم عربي ومنعت تسمية أبنائه ومدنه ومياهه بالأسماء العربية. ولم يكن تعامل العرب مع الإيرانيين بعد الفتح المبين هكذا، فقد التزم العرب بقيم الرجولة والعدالة والإنسانية في التعامل مع البلدان التي فتحوها، إلا أنهم لاقوا من الإيرانيين الجفاء والعداء وطموحاً مستمراً في احتلال الأراضي العربية، والادعاء تالياً بعائدية هذه الأراضي إليها كالبحرين واحتلال الأحواز والجزر العربية الثلاث، وقد شهد القرن العشرين أخطر مراحل هذا الطموح بعد تحالف الحُكم الإيراني مع الإمبريالية العالمية والحركة الصهيونية باحتلال العراق عام 2003م. إن عروبة الخليج العربي وأقطاره لا تحتاج إلى أدلة وبراهين للتأكد من هذه الهوية التاريخية والجغرافية والإنسانية، بقدر ما تحتاج إلى إرادة سياسية ورغبة صادقة في مواجهة التحديات التي تهدف إلى طمس هذه الهوية وتفريسها، وتحويل انسياب مياه الخليج العربي نحو أفرع آسنة بعيدة عن الضفاف الشرعية لهذه المياه. فالتراب المحاذي لمياه الخليج العربي تراب عربي، والناس الذين عاشوا عليه خلال أزمنة التاريخ المتعاقبة وما زالوا عرباً أقحاحاً، وأن الغزوات الأجنبية واحتلاله والعيش فيه من قبل الكثير من الوافدين من جهات الأرض الأربع لا يُغير شيئاً من هذه الهوية ولن يفعل ذلك، فالغيوم السوداء لا تحجب أشعة الشمس مهما كان عددها. هذه الهوية التي هي أساس وجودنا، وأصل صراعنا مع الفرس، فنحن نتمسك بهويتنا العربية أرضاً ولغة، وإيران تريد طمسها، ونحن نريد التمسك بسيادتنا وهي تتشبث بعائدية هذه المنطقة لها. إن سيطرة الحُكم الفارسي يوماً على البحرين وبعض مناطق الخليج العربي لا يعني أن البحرين أصبحت مُلكاً لها، وإلا لكانت فرنسا طالبت بعائدية مصر ولبنان وسوريا والمغرب وباقي الأقطار الإفريقية التي احتلتها، وكذلك بريطانيا وإيطاليا وهولندا والبرتغال وغيرها من الدول التي قامت باحتلال الكثير من الدول ثم خرجت منها واعترفت باستقلالها. فالاحتلال هو حقبة تاريخية لابد وأن تنتهي يوماً ما، فجميع هذه الدول الاستعمارية خرجت ولم تدعِ بعائدية هذه الدول لها، إلا أن الحُكم الإيراني وعلى مدار تاريخه يجعل منطقة الخليج العربي دائماً على طاولة المساومة مع شركائه الاستعماريين من غربيين وأمريكيين وصهاينة، فعلى سبيل المثال التهديد بغلق مضيق هرمز. ونحن نعلم أن القوة العسكرية الإيرانية أكثر عدداً وعدة وأن غياب القدرة العسكرية العراقية زاد من غطرسة وجبروت القوة العسكرية الإيرانية. وسيبقى هذا الخليج عربياً إلى أبد الآبدين.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90