لا يمكن الصمت أكثر عن سياسة تهجير البحرينيين التي تنتهجها الحكومة القطرية لأنها باتت معضلة في العلاقات الخليجية ـ الخليجية، ومساساً صريحاً بالأمن الخليجي المشترك.
المنامة لم تنظر يوماً إلى البحرينيين والقطريين على أنهما شعبان، بل هما شعب واحد وفق مفهوم المواطنة الخليجية مع وجود قواسم مشتركة لا مثيل لها بين بلدين في الشرق الأوسط. ولذلك قدمت البحرين نواياها الحسنة ومبادراتها المختلفة كثيراً لتكون العلاقات مع الشقيقة قطر نموذجاً للعلاقات البينية الخليجية، ولكن هناك من لا يقدر هذه النوايا، وهذا ليس من خصال العرب.
نبدأ من التاريخ الذي قد تكون معطياته مؤلمة للبعض، فالبحرين التي حكمها آل خليفة الكرام لقرون تم فتحها من قطر التي كانوا يحكمونها قبل فتح البحرين على يد المؤسس الراحل أحمد الفاتح رحمه الله. وحكام كثيرون من آل خليفة تعاقبوا على حكم البحرين وهم يقيمون على أراضي قطر، وعدد من حكموا البحرين من العائلة المالكة الكريمة ممن أقاموا في قطر أكثر ممن حكموها وهم مقيمون على أراضيها، ولذلك نجد مكتوباً في جوازات الأجداد إلى عقود قريبة «البحرين وتوابعها» وتوابعها يقصد بها قطر طبعاً وجزر الأرخبيل الحالي.
طوال هذه القرون لم تظهر أي مشكلة في الانتقال والعمل بين المواطنين البحرينيين من وإلى قطر، بل يذكر التاريخ تهجير البحرينيين من قبل الاستعمار البريطاني من شمال قطر إلى مناطق أخرى في قطر من أجل حرمانهم من أملاكهم وأراضيهم وثروات مناطقهم من غاز ونفط.
ويذكر التاريخ أيضاً أن قطر طردت البحرينيين من أراضيها أوقاتاً عدة، إضافة إلى عائلات قطرية أصيلة، واليوم نخشى أن يتكرر ذلك في مشهد لا يليق بالعلاقات التاريخية القائمة.
لماذا التجنيس يا قطر؟
سؤال لا يتبادر في أذهان البحرينيين اليوم، بل في أذهان كثير من الأشقاء الخليجيين الذين باتوا لا يفهمون مغزى حملة التهجير المنظم عبر الإغراءات المادية التي تنتهجها الحكومة القطرية.
حكومة الشقيقة قطر استغلت انشغال البحرين بأوضاعها الداخلية خلال الفترة الماضية ولم تقف مع البحرين ألبتة، بل دشنت حملة منظمة للتهجير المنظم لبعض العائلات، ولا يمكننا أن نفسّر هذه الحملة بأنها تهدف للم شمل هذه القبائل والعائلات، لأن امتداد العائلات يشمل جميع دول مجلس التعاون الخليجي دون استثناء، والتهجير لم يستهدف إلا البحرينيين فقط.
كلنا يعرف أن من حمى البحرين من المحاولة الانقلابية في 2011 هي المؤسسة العسكرية، وحملة التهجير المنظم القطرية تستهدف الآن أسر منسوبي هذه المؤسسة بهدف تقويض القدرات الأمنية وضرب مكونات المجتمع البحريني والمساس بالهوية العربية الأصيلة للبحرين، ومثل هذا الهدف لا يمكن القبول به جملة وتفصيلاً. ولا يمكن تفسير الحملة بأنها في إطار التعاون الثنائي بين البلدين لأنه ليس مقبولاً أن تقوم دولة شقيقة بمطالبة دولة شقيقة أخرى بالتنازل عن أبنائها.
البحرين لم ولن تتنازل عن أبنائها، والتاريخ أثبت ذلك، ومن نال الجنسية القطرية من البحرينيين سيظل بحرينياً أصيلاً وهو ليس في حاجة للتسول والاستجداء للحصول على جنسية أخرى من أجل حفنة أموال لأن انتماءنا أعمق من ذلك بكثير.
وإذا كانت النظرة في الشقيقة قطر بأن تخلو البحرين من شعبها للأجانب، فإنها نظرة مهينة وغير مقبولة إطلاقاً للبحرين وأهلها، في وقت كنا نتمنى من الشقيقة أن تنعم بخيرها أكثر، وتلتفت لشعبها وازدهاره بدلاً من التدخل في شؤوننا وشؤون الآخرين، كفى قطر.
يوسف البنخليل