نشر في الصحف المحلية قبل أيام قليلة خبر هام يتعلق بمستقبل الاقتصاد لمملكة البحرين والجهود المبذولة من قبل الحكومة الموقرة من أجل تطوير البنية التحتية للاستثمار في المملكة إلى جانب إيجاد فرص عمل نوعية تتناسب مع الكفاءات البحرينية في مختلف القطاعات. كما إن صاحب السمو الملكي ولي العهد وأثناء ترؤسه اجتماع مجلس إدارة مجلس التنمية الاقتصادية قد كشف عن قيمة الاستثمار في المشاريع التنموية الكبرى والتي تفوق 22 مليار دولار، حيث إن هذه الاستثمارات ستصب لصالح بعض القطاعات الحيوية وعلى رأسها القطاع السياحي والصناعي والمالي.
اللافت للنظر أن القطاع الذي لا يقل في أهميته الاقتصادية عن بقية القطاعات لم ينل نصيبه كما يجب، وأقصد هنا قطاع الطيران. فإن العطاءات الاستثمارية لم تحظَ بها أي من المؤسسات التابعة لقطاع الطيران المحلي ماعدا مطار البحرين الدولي والذي من الممكن اعتباره الحاضن الرئيس لأنشطة الطيران في أي بلد.
ومن هنا فإن الحديث عن شركات الطيران سيكون في محله لما لهذه الشركات من دور هام في النهوض بمستوى قطاع الطيران وبالقطاعات المرتبطة به بصورة مباشرة أو غير مباشرة كالسياحة والفندقة والتجارة وغيرها لا سيما في دولة مثل البحرين.
إن من ضمن ما تطرق إليه اجتماع مجلس التنمية مؤخراً برئاسة سمو ولي العهد هو كيفية تحقيق معدلات أعلى للتنمية الاقتصادية، كما شدد على ضرورة تطوير الوضع المالي للأجيال القادمة. وعليه، فإن الخيارات المتاحة للدولة لتحقيق هذه الأهداف عديدة ومن إحداها -من وجهة نظري- النظر في إحياء الاستثمارات الضائعة أو المهملة سواء كانت هذه الاستثمارات عقارية أو مصرفية أو سياحية. وبما إنني هنا أتكلم عن قطاع الطيران المحلي وتحديداً عن شركات الطيران فإن النظر في إحياء الناقلة الوطنية الثانية «طيران البحرين» كاستثمار ضائع يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار، خصوصاً إذا علمنا أن هذه الناقلة كانت ضحية الأزمات السياسية التي اجتاحت المنطقة آنذاك. فبالرغم من امتلاكها قاعدة جماهيرية واسعة وخدمات تضاهي في جودتها أعرق الناقلات في المنطقة، أنها أعلنت تصفيتها وإنهاء مسيرتها القصيرة الحافلة بالإنجازات والنجاحات.
وبالتزامن مع اجتماع مجلس التنمية الاقتصادية فقد صدر عن جلالة الملك حفظه الله قانون لتعديل الشركات، مما سيتيح تأسيس شركات بحرينية مساهمة بمشاركة رأس مال أجنبي من دون الحاجة لقرار من الوزير المختص. كما إن القانون قد نص أيضاً على إدخال تعديلات في قانون الشركات التجارية التي من شأنها تسهيل عملية تأسيس الشركات، حيث إن هذه التعديلات أضافت مرونة كبيرة في بعض بنود القانون منها على سبيل المثال إنزال السقف الأعلى للاكتتاب من 40% إلى 10% من رأس مال الشركة.
فلو تم استغلال هذه التعديلات القانونية بصورة مدروسة وصحيحة فإن تطبيقها لصالح مشروع إعادة طيران البحرين يجب أن ينال دعم ومساندة المسؤولين والمعنيين بقطاع الطيران في الدولة تحقيقاً لتطلعات القيادة الرشيدة لخلق وظائف ذات جودة عالية لأبناء البحرين والتنوع في الاستثمار وخلق فرص عمل متنوعة لأبناء البلد تكون لها انعكاسات إيجابية على صافي الناتج المحلي والذي بدوره ينعكس على مؤشر ما يسمى بـ Macroeconomics للدولة. وهذا الأخير (ماكرو اكونومكس) هو ما تستند عليه نتائج تقرير التنافسية العالمية أو Global Competitiveness Report. فإن تقرير التنافسية العالمية الذي صدر مؤخراً سجل تراجعاً في ترتيب البحرين الدولي إلى المركز 44 بعد أن كانت تحتل مركز 37. وهذا التراجع لم يكن ليحدث لولا ضعف أداء بعض القطاعات وهجران الاستثمارات إلى الخارج أو إغلاقها.
لو سلطنا الضوء على الاضطرابات في قطاع الطيران المحلي والحدث المؤسف الذي تعرضت له شركة طيران البحرين فإن نتائج هذا التقرير لن تكون أمراً مفاجئاً أو غير متوقع. وبالمقابل فقد شهد نفس التقرير صعود دولة خليجية أخرى وهي الإمارات العربية المتحدة في ترتيبها الدولي من المركز 19 إلى المركز 12. وهذا الصعود القوي كان وراؤه عدة عوامل منها تنوع اقتصاد دولة الإمارات ناهيك عن قوة قطاع الطيران الإماراتي الذي أصبح ظاهراً للعيان.
يعلم الجميع مدى صلابة البنية التحتية لقطاع الطيران الإماراتي الذي لايزال مستمراً في التوسع والنمو، حيث إن جميع شركات الطيران الوطنية العاملة على أرض الإمارات تنال دعماً معنوياً ومساندة سخية من حكومتها إلى جانب توفير البيئة الحرة للعمل لهذه الشركات.
فبالرجوع إلى العرض الذي تم تقديمه أثناء اجتماع الأخير لمجلس إدارة مجلس التنمية الاقتصادية فقد لوحظ تخصيص 5 مليارات دولار لمشاريع القطاع الخاص. فحبذا لو كان هناك توجه إلى تخصيص مبلغ من أجل إعادة الاستثمار الضائع التابع لقطاع الطيران ألا وهو طيران البحرين.
فلو تم العمل بالقانون المستحدث المتعلق بالشركات التجارية لتأسيس شركات بحرينية مساهمة فإن الناقلة الوطنية الثانية طيران البحرين من الممكن أن ترجع إلى الساحة مجدداً كشركة تعرف في التصنيف التجاري بـ Phoenix Company. ومن هنا يبرز دور مجلس الوزراء بقيادة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر في طرح هذا المشروع للاستثمار وتشجيع المستثمرين للمبادرة في تبني هذا المشروع الذي يمس الاقتصاد الوطني مع وضع دراسة تفصيلية وفسح مجال لتفاوض الأطراف المعنية من أجل التغلب على العراقيل والتعقيدات القانونية المحتملة. فبمجرد النظر إلى ما امتازت به طيران البحرين من شعبية وقاعدة جماهيرية واسعة في السوق المحلي والإقليمي إلى جانب الأصوات التي مازالت تطالب بإعادة إحياء هذه الناقلة البحرينية، فلن يكون من الصعب تخمين مدى النجاح الذي من الممكن حصده في مدة زمنية غير طويلة إذا ما قررت الحكومة السماح بإعادة تدشين هذه الشركة الوطنية التي شاهدها الجميع العام الماضي وللمرة الأخيرة وهي تحلق بشعار طيران البحرين.
فهد مسلم