دعا خبراء قانونيون إلى الإسراع بإنشاء محاكم أسرة في البحرين، وتطوير البنية القضائية للتعاطي مع مشكلات الأسر البحرينية، أسوة بدول خليجية قطعت أشواطاً في هذا الاتجاه.
واعتبر الخبراء القانونيون، عدم جاهزية المحاكم الحالية من جهة وتوفيرها المكان الملائم والمنفصل لأمثال هذه القضايا الخاصة، وعدم إيلاء مرحلة التوفيق الأسري الوقت الكافي، أحد أسباب التزايد المضطرد في حالات الطلاق بالسنوات الأخيرة.
وأكدت أمين عام المجلس الأعلى للمرأة هالة الأنصاري، حاجة البحرين لإنشاء محكمة خاصة للأسرة تختص بالقضايا الشرعية، نستكمل بها المنظومة القانونية الأسرية، من شأنها الارتقاء بأسلوب معالجة القضايا الأسرية وحفظ خصوصية الأسرة البحرينية.
وقالت إن هناك جهوداً تبذل لاستكمال التشريعات اللازمة لتحقيق أوجه الاستقرار الأسري، مستدركة «إلا أن المجلس لا يزال يرصد معاناة أسرية غير مبررة».
ودعت الأنصاري إلى استكمال التشريعات اللازمة لدعم جهود المجلس الأعلى للمرأة في تعزيز تماسك الأسرة البحرينية واستقرارها، وقالت إن تأخر إصدار قوانين مهمة مثل الشق الثاني من قانون الأحكام الأسرية أو التعديل على قانون الجنسية ليشمل أبناء البحرينية المتزوجة بأجنبي، يفضي إلى زعزعة الاستقرار الأسري.
وحثت على تعزيز دور المجلس الأعلى للقضاء فيما يتعلق بالتفتيش القضائي على القضاء الشرعي، وتفعيل دور قسم الإرشاد والتوفيق الأسري التابع لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف.
وقالت الأنصاري إن البحرين دولة منفتحة وتعمل في إطار المنظومة الخليجية لدول مجلس التعاون، وتستفيد من التجارب الناجحة في هذه الدول، مشيدة بافتتاح المملكة العربية السعودية لمحاكم تختص بالأسرة والأحوال الشخصية لتسريع النظام القضائي والتوفيق بين التقاليد المحافظة ومطالب جيل الشباب وفق مقتضيات الواقع الحديث. ونوهت بما تحقق في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد إنشاء محكمة أسرة متخصصة أدت لتقليل حالات الطلاق نحو 50%. وأشارت إلى أن المجلس الأعلى للمرأة وبالتعاون مع المجلس الأعلى للقضاء، بادر مؤخراً إلى استحداث مكتب التوفيق الأسري الهادف لتسوية المشكلات الزوجية، ابتداءً بالتوفيق وانتهاءً بالاتفاق فيما بينهما على الصلح واحترام متطلبات العلاقة الزوجية والإلتزامات الأسرية، وسرعة البت في القضايا الزوجية، وتحقيق الحماية النفسية لأطفال المطلقين، لتجنيبهم معاناة الخلافات الزوجية، ومشكلات الحضانة والنفقة وغيرهما، ما ينعكس انعكاساً مباشراً على استقرار الأسرة وتماسك المجتمع والنهوض به.
واعتبرت مكتب التوفيق الأسري خطوة واسعة للوصول إلى هدف أكبر وهو الوصول لنظام قضائي متطور ومدعوم بمحكمة أسرة متخصصة تصون الأسرة البحرينية وتعزز تماسكها.
محكمة أسرة مختصة
ونبه القاضي بمحكمة الأحداث إبراهيم الجفن، إلى الأهمية القصوى لإنشاء محاكم الأسرة بالبحرين، سيما أن المملكة سباقة لكل أمر فيه تيسير للمواطن والمقيم على حد سواء، وقال «لا أعتقد أنه من الصعب تطبيق ذلك في ظل وجود تشريع منظم لتلك المسائل وهو قانون أحكام الأسرة رقم 19 لعام 2009».
وأكد الجفن أن إنشاء محاكم أسرة متخصصة يؤدي إلى سرعة التقاضي، إذ أن تلك المحاكم لا بد أن تشكل من قضاة متفرغين لمسائل واختصاصات محددة بالقانون كالزواج والطلاق والنفقة والحضانة والوصية والوقف والتركات، ويصبح القاضي ذو خبرة واسعة وأسرع بالبت لتخصيص عمله بنوع معين من المسائل، ولاعتياده عليها بسبب محدودية النزاعات العامل بنطاقها.
ولفت إلى الحاجة لتدريب كوادر قضائية في مجال الأسرة، وقال «المطلوب من القاضي الوعي والاطلاع على مختلف القوانين المتجددة من حين لآخر، وهذا ما يقوم به المجلس الأعلى للقضاء عند ابتعاثه للقضاة لاكتساب دورات محلية أو دوليه لزيادة الوعي والإدراك».
وأعرب عن اعتقاده ألا حاجة لتطوير القوانين الأسرية، وقال إن قانون أحكام الأسرة البحريني مميز ومواكب للعصر الحالي، وبه حلول لمختلف النزاعات المعروضة.
وتطرق إلى مسألة الخصوصية «من المعروف أن جميع المحاكم تتسم بالعلانية سواء بجلساتها أو عند نطق الحكم، وفق ما أوجبه القانون لتكون رقابة من المجتمع على عمل القاضي، عدا بعض حالات سمح القانون بالسرية في جلساتها كقانون الأحداث لتخفيف هيبة التقاضي لدى الطفل من جانب، وتشكيل أكبر قدر من الخصوصية له حتى لا يبدأ حياته بسلبيات نفسية تؤثر عليه».
وأضاف «هذا لا يمنع في كل الأحوال القاضي في مختلف المحاكم من تحويل الجلسات إلى سرية، فيما لو كانت المسألة ماسة بالشرف مثلاً، أو بها شيء من الإحراج أو لأي سبب آخر يرجع لتقديره».
محكمــة أســرة تسايـــر تطور المجتمع
بدوره أوضح المحامي سامي سيادي، أن الوضع الحالي للقضاء يؤدي إلى تشتت الأسرة بدل تحصينها كلبنة المجتمع الأساسية، وقال إن حالات الطلاق تنظر الآن أمام المحاكم الشرعية السنية أو الجعفرية غير المختصة بقضايا الحضانة والنفقة وغيرها. وطالب بإصدار قانون أحوال شخصية موحد في البحرين، مع إمكانية احتوائه مواداً تراعي الخصوصية المذهبية، لافتاً إلى أن العادات والسلوكيات المستجدة على الأسرة البحرينية أثرت في تكوينها وهددت تماسكها، ولم يعد بالإمكان مجاراتها ضمن عمل قضائي عام، ما يدفع إلى إنشاء محاكم أسرية متخصصة تتولى التنظيم في قضايا الأسرة، وتسهيل الإجراءات لتمكين جهات الاختصاص من متابعة قضايا الأسرة بين النيابة والمحكمة.
وقال إن إنشاء محكمة أسرية لا يتعارض مع القانون ولا يحتاج لقانون خاص إذا تم بقرار إداري، لافتاً إلى أن إجراءات المحكمة الأسرية تتشابه مع المحكمة العادية، لكنها تعطي الطرفين وقتاً أطول لتسوية الخلاف بينهما على عكس القضايا في المحكمة الجزائية أو غيرها التي تحجز للحكم، لأن الهدف توفير فرصة بين الأطراف لإنهاء الخلاف بينها، ومنع تفكك الأسر وحفظ استقرارها.
وأشار سيادي إلى أن القضايا الأسرية ذات طابع خاص لأنها تتعلق بصميم الأسرة الواحدة، والسعي لحفظ استقرارها، ما يتطلب نوعاً من المرونة في إجراءات المحاكم وعرض الصلح، وإصلاح ذات البين قبل التوجه إلى المحكمة، لتلافي إصدار أحكام قد تؤدي في نهاياتها إلى الطلاق والتفكك الأسري.
تداعيات غياب المحكمة الأسرية
من جانبها حذرت المحامية سهى الخزرجي، من أن استمرار عدم وجود محاكم أسرية مختصة يسهم في ارتفاع حالات الطلاق باضطراد في المجتمع البحريني، لقلة خبرة الكوادر القضائية في الأمور الأسرية، والتساهل في التعاطي مع قضايا الطلاق.
وقالت إن الخاسر الأكبر من عدم وجود هذه المحاكم هو المجتمع البحريني برمته، حيث إن أضرار الطلاق تصيب الجميع، فالأطفال لأبوين مطلقين يعيشون غالباً عالة على المجتمع، وربما يلحق بهم ضرر نفسي كبير ويصبحون حقودين ناقمين على المجتمع.
وأشارت الخزرجي إلى أن عدم وجود محاكم أسرية يترك الأمور على كواهلها لدى قضاة المحاكم الشرعية، ما يؤدي إلى صدور أحكام متضاربة في القضايا المتشابهة وربما في القضية ذاتها.
وأضافت أن من بين أولئك القضاة من هو متكمن من المادة الشرعية بين يديه، ويستطيع تقدير النفقة مثلاً بشكل عادل، لكن قضاة آخرين يأخذهم التعصب للرجل.
وأوضحت أن إحدى المطلقات ولديها ابنة حكم لها القاضي بنفقة 40 دينار شهرياً، مضيفة «عندما طلبت الأم حضانة الابنة ردت المحكمة بعدم الاختصاص، ووجود محاكم أسرية مختصة من شأنه إحقاق الحق وإنهاء معاناة كثير من العائلات البحرينية».
حماية ضحايا العنف
مــن جانبها أكدت الباحثة الاجتماعيــة السابقة في مركز «بتلكو» لرعاية حالات العنف الأسري د.شريفة سوار، الحاجة إلى حماية ضحايا العنف الأسري من النساء والأطفال، عبر تطوير من أقرب الناس إليهم نظراً لتكرار حالات العنف بمسمى التأديب.
وقالت «الآن تحسن الوضع قليلاً حيث يستمع وكيل النيابة للطفل من خلف ستارة، لكن في المحاكم الجعفرية تحديداً، لا زالت المعاناة موجودة، نتيجة تأخر إصدار الشق الثاني من قانون الأسرة».
وطالبت سوار بدعم الكادر القضائي في المحاكم الأسرية باختصاصي استشارات نفسية لمعالجة أزواج أو زوجات يعانون من الشذوذ أو الاكتئاب أو الوسواس القهري، وغيرها من حالات تكون هي السبب الأساس للخصام. وأوضحت أن المحكمة الأسرية يمكن أن تنظر في عدد واسع من القضايا بينها التحرش الجنسي والعنف والضرب المبرح والمتاجرة بالأطفال، إضافة إلى سجون خاصة يتوفر فيها علاج نفسي وإرشادي للعنيف مع أهله، وفرز ممتلكات الزوجة من قبضة الزوج، ومراعاة سن تزويج البنت القاصر، والتعرض لسمعة المرأة في حال الطلاق والتشهير بها، والتعرض للمرأة في حال اقتسام منزل الزوجية. وطالبت بالإسراع في إنشاء محاكم أسرية خاصة أسوة بباقي الدول المجاورة، معتبرة أن تجارب الدول المجاورة غنية ويحتذى بها في إنقاذ بيوت متصدعة وأسر آيلــة للسقــوط.