كتب - حسن عدوان:
بفعل تجربة شخصية، انتقلت أخصائية اليوغا العلاجية وإدارة وتنظيم نمط الحياة فاطمة المنصوري، من التداوي باليوغا إلى المعالجة بها، حتى تمكنت من تصميم جلسات علاج لحساسية والتهاب الجيوب الأنفية ومشاكل التنفس أسمتها «علاج التجويف الأنفي بالأعشاب». المنصوري في هذا اللقاء مع «الوطن» تطول في الحديث عن تاريخ اليوغا، وأهميته، وفوائده على الجسم..
* هلا عرفتنا بداية بعلاج التجويف الأنفي بالأعشاب؟
- صممت هذه الجلسات العلاجية خصيصاً لمشاكل التنفس وحصلت على ردود فعل ممتازة من المتعالجين. العلاج يشمل التدريب على التنفس العميق وتقنيات التنفس، والبخار، والضغط على نقاط محددة وتقطير زيوت الأعشاب.
إن هذه الجلسات العلاجية فريدة من نوعها صممتها بعد إنهاء دراستي في الهند وهي تجمع عدة تقنيات تعلمتها في المقررات الدراسية لليوغا العلاجية والأعشاب والطب الهندي البديل، وجمعتها لتكون علاجاً شاملاً متخصصاً بمشاكل التنفس وحالات الربو والجيوب والكحة والصداع المزمن. والحمد لله لقيت ردة فعل ممتازة من المرضى ومنهم من تخلص من البخاخ واستغنى عن إجراء عملية الجيوب وهذا من فضل الله.
* وما فوائد هذا العلاج؟
- يفيد تنظيف وترطيب التجويف الأنفي في تخفيف حالات الربو والجيوب الحادة والمزمنة والحساسية، والبلغم، وجفاف الأنف، والكحة والشخير، وتخفيف حالات الصداع النصفي وآلام الرأس وتقوية الأوعية الدموية، وعضلات ومفاصل الرأس والرقبة، ويفيد في حالات الضغط النفسي، والأرق والقلق والاكتئاب، فهو يقوم بتحفيز الجهاز العصبي ويريح الأعصاب الدماغية، كذلك للوقاية من الشيخوخة المبكرة.
* هل له آثار جانبية؟
- لا يوجد.. فهو علاج آمن جداً وطبيعي من غير أي مواد ضارة. فهو يعمل على إزالة المرض من جذوره وليس فقط إخماد الأعراض. يحدث انسداد لفتحات الجيوب بالأنف بسبب امتلائها بالمخاط والجراثيم وكذلك بسبب احتباس الهواء مع تلك الإفرازات، مما يؤدي إلى الشعور بألم مشابه بالصداع. يتعلم المريض أثناء الجلسة تقنيات التنفس العميق التي تساعد على تهدئة اضطرابات الجهاز التنفسي وتعمل الأعشاب ذات خواص المعقمة على إزالة الشوائب والجراثيم والبلغم والمخاط خلال هذه الجلسات.
* بشكل عام.. ما العوامل التي تؤدي إلى حدوث الانسداد والالتهاب في الجيوب الأنفية.. وما نصائحك بهذا الخصوص؟
- هي كالتالي: التدخين والغبار والأبخرة الصناعية، تكرار في الإصابة بالإنفلونزا والزكام بسبب سوء التغذية، وجود حساسية لبعض أنواع الأغذية، والتنفس الخاطئ من الفم يؤدي إلى احتقان اللوز والالتهاب وتراكم الجراثيم. وأنصح بالابتعاد عن المهيجات كالبخور والغبار، والإكثار من تناول الخضراوات والفواكه، والتنفس بشكل صحي من الأنف؛ تنفس ببطء، عندما تستنشق ادفع بطنك للخارج للسماح للصدر بالتوسع، وفي الزفير اسحب بطنك على داخل ورخي الصدر، مع بطء العملية قدر المستطاع.
5 آلاف عام على «اليوغا»
* يبدو أن العلاج بـ»اليوغا» جديد على المجتمع.. هل من إضاءة بشأنه؟
- تمارس اليوغا منذ ما يزيد عن 5000 سنة في جميع أنحاء العالم، وتعتبر من أكثر الاتجاهات الصحية تطوراً واستخداماً، وتستخدم كعلاج طبيعي مكمل معترف به في المستشفيات والمراكز الصحية في الهند والصين والعديد من دول أوروبا. وقد صممت وضعيات اليوغا لتحسين أداء الدورة الدموية ولتعزيز الطاقة وتطهير الجسم من السموم.
تشمل اليوغا عدة نواحٍ منها الجانب الفكري: يتمثل بالإيمان والتأمل والتحرر الروحي الذي يحصل حين تتحرر النفس من ارتباطها بالمادة كونها الوهم. وتستدعي التدريب النفسي والتحليل والتفكير والتطوير. والجانب العملي: المتمثل بالوضعيات البدنية وتقنيات التحكم بالتنفس وممارسات أخرى مثل أساليب التطهير الجسدي.
ويعتبر معظم الناس أن وضعيات اليوغا هي تمارين رياضية بدنية. هذا مفهوم خاطئ إذ إنها ليست مخصصة لتبديد القوى الجسدية أو بذل مجهود جسدي، بل تشكل مرحلة تحضيرية لممارسة الجانب الفكري من اليوغا. فهي تمنح الثبات والمرونة للجسد وتجعله في توافق وتوازن. والهدف النهائي من ممارسة هذه الوضعيات هو تنمية قدرة المريض على الجلوس في وضعية واحدة لمدة طويلة بثبات وراحة ومن دون انزعاج، وهذا الأمر ضروري خلال ممارسة التركيز والتأمل وللحفاظ على صحة الجسد. ويمكن أيضاً ممارستها لأهداف شفائية خلال ممارسة الوضعيات نقوم بتمديد وشد العضلات بلطف وتدليك الأعضاء الداخلية وتنمية التناغم العصبي في الجسم بأكمله فتتحسن الصحة ويصبح من الممكن شفاء الأمراض المستعصية أو التخفيف من حدتها.
أحياناً تنشر معلومات خاطئة عن كون اليوغا ذات أصول هندوسية أو أنها طقوس بوذية، وهذه مفاهيم خاطئة جداً فاليوغا تعود إلى نصوص تاريخية، وذكرت أيضاً في نصوص الطب الهندي البديل لتوثيق استخداماتها العلاجية التكميلية لطب الأعشاب لما تعود به من فوائد جسدية ونفسية. ومن الجهل أن تنسب اليوغا للهندوس، فالهندوس والبوذيون يحاولون طرحها كجزء من ديانتهم لجذب الأوروبيين وللترويج لدياناتهم، كونهم أول من تبناها واهتم بتوثيقها لا يجعلها تنسب لهم ولا يغير تاريخها.
* ما فائدة تمارين اليوغا.. وما طرق علاجها؟
- إن معظم الأمراض سببها الإجهاد النفسي أو البدني، والتدريب على التنفس العميق وتقنيات الاسترخاء يساعد الجسم على تعزيز المناعة، فتتحسن الصحة.
ويتم التشخيص وأخذ التاريخ الصحي للمريض ثم ينصح بعدد الجلسات اللازمة ليتعلم الوضعيات العلاجية وكيفية التنفس العميق وتقنيات التأمل والاسترخاء. مثلاً بعض الوضعيات تساعد على خفض ضغط الدم أو رفعه، وهناك وضعيات خاصة لمرضى السمنة والسكر والاكتئاب والعديد من الأمراض المنتشرة التي لا يجد لها الطب الحديث علاجاً، يتم تحديد الوضعيات اللازمة وتسلسلها على حسب الحالة.
ومع الممارسة يتعلم الشخص الصبر والانضباط والرحمة ويتعلم الاختيارات الصحية. مما يساعد على إيجاد التوازن والاستقرار، وتشجع اليوغا على التخلص من العادات غير الصحية، إضافة إلى أن لها تأثيراً كبيراً على المزاج لأنها تساعد على استرخاء الذهن والبدن. وتعتبر حركات اليوغا واستدارات العمود الفقري مهمة لأنها إحدى الوسائل الأساسية للتخلص من التوتر واسترخاء العقل والتي تظهر من خلالها عملية ترابط الذهن والبدن. وإن ممارستها غالباً ما تشعر بتدفق خفيف أو عميق للمشاعر الداخلية، وذلك نتيجة التخلص من التوترات التي ظلت مخزنة ضمن الشبكة العصبية للظهر، وهي توترات غالباً ما يكون مصدرها تجارب سلبية أو أوضاع سيئة أو مرض من الأمراض. وشخصياً أحرص على توظيف الجانب الفكري والروحاني وليس فقط التدريب العملي على الوضعيات الجسدية خصوصاً في حالات الأمراض النفسية والقلق.
التأمل جزء من الممارسات
* نسمع عن أهمية التأمل عند ممارسة اليوغا؟
- التأمل جزء مهم من ممارسات اليوغا فهي طريقة لتلقي السلام، وهي أيضاً علم روحاني فريد، بحيث تتيح لممارسيها خلق عالم يكون فيه كل إنسان سعيداً ويعيش في سلام. وهذا ليس مجرد كلام حالم بل هو خطوات وتقنيات دقيقة ذكرت في نصوص الطب الهندي البديل التاريخية لتوثيق استخداماتها العلاجية التكميلية لطب الأعشاب لما تعود به من فوائد جسدية ونفسية. يمكن لأي شخص أن يتعلمها ويطبقها للحصول على الراحة النفسية والاسترخاء وعدم الاكتراث بالدنيا والماديات والمناصب.
* ما مبادئ ومتطلبات ممارسة اليوغا؟
- هناك 8 أطراف يجب اتباعها لمن يريد التطور في ممارسة اليوغا بجدية وهي كالتالي: ياما: السلوكيات (ضبط النفس، اللاعنف، لا سرقة.. إلخ)، نياما: الالتزامات (الاستسلام للخالق وعدم عبادة غيره تعالى)، آسانا: الوضعيات (التكامل بين العقل والجسم من خلال الوضعيات الجسدية)، براناياما: تقنيات التنفس (التقنيات التي تنظم التنفس مما يؤدي إلى تكامل العقل والجسم)، براتياهرا: التجرد من الحواس (التحكم بالحواس، باختصار لا تتبع حواسك، بل درب حواسك لمتابعة كيانك النقي)، دارانا: التركيز (تقنيات تركيز العقل على نقطة واحدة)، التأمل: التدريب على السكون والهدوء، السامادي: مرحلة الوعي وقمة الهدوء الفائق.
أما للمهتمين بالجانب الجسدي فينصح بالتالي: عدم ممارسة اليوغا بعد الأكل مباشرة، ارتداء شيء مريح لا يقيد حركتك، إبلاغ المدرب إذا كنت تعاني من أي أمراض أو إذا كانت لديك أي إصابات، أو إذا كنتي حاملاً فهناك تمارين خاصة لفترة الحمل.
أهمية الغذاء
* هل للغذاء علاقة بالتمارين والنفسية والروح؟
- نعم.. ما نأكله قد يؤثر بشكل مباشر على عواطفنا ويمكن أن يسبب الاضطرابات النفسية والجسدية. وعلى عكس الاعتقاد السائد، لا يفرض اليوغا نظاماً غذائياً نباتياً في بادئ الأمر، مع أنه ينصح باتباع الحمية النباتية للنمو الروحي. لكن ما من نظام حمية معين أو قواعد غذائية «إلزامية» لممارسي وضعيات اليوغا، مع ذلك يستحسن تناول الطعام الطبيعي بكميات معتدلة.
وفي علوم اليوغا هناك 3 أقسام للغذاء تساعد الشخص على انتقاء الطعام الصحي: تاماسك: الأطعمة التي تخنق الطاقة الحيوية وتسبب الخمول والأمراض، وهي الأطعمة ذات الرائحة القوية مثل اللحوم والأطعمة المخمرة. راجاسك: الأطعمة التي تعطي الطاقة والنشاط ولكن قد تؤدي إلى اختلال التوازن بين العقل والجسم، وهي الأطعمة ذات النكهات القوية مثل التوابل والبهارات. ساتفك: الأطعمة النقية الصحية التي تحافظ على توازن العقل والجسد مثل الفواكه والخضراوات. لا قيود لكن مع الممارسة يتوضح للشخص أن الأطعمة النقية هي الأفضل ويبدأ باتباع نظام نباتي أقرب للزهد، على غرار كل لتعيش ولا تعش لتأكل.
* كم تستغرق مدة علاج اليوغا؟
- العلاج باليوغا يتطلب الاستمرار. رغم بطء النتائج ولكنه آمن وفعال، أؤكد هذا من تجربتي الشخصية. فقبل أن أدخل مجال العلاج باليوغا كنت مصممة جرافيكس مليئة بالنشاط، كنت أعمل بجهد ونجاح، ثم مررت بمضاعفات صحية منعتني من مزاولة العمل مما أدى إلى تغيير مجرى حياتي. فعندما تم تشخيصي بمرض الناركولبسي والإرهاق المزمن والفيبروميالجيا، أبلغني الطبيب أنه لا يوجد علاج، فقط أدوية لتحمل الأعراض! عندما فشلت جميع محاولاتي للعودة للعمل قررت أن أتوقف عن المحاولة وأن أرضى بقدر الله.. وعندها، كان الله خير مرشد لي للذهاب للهند لدراسة علوم اليوغا العلاجية والايورفيدا، فأصبحت رحلة دراسة وعلاج ساعدتني في التخلص من المرض وغيرت وصقلت جوانب عديدة في حياتي وشخصيتي. فخلال 3 أشهر شعرت بتحسن ملحوظ، وبعد 6 أشهر بدأت بالتشافي واستغرق الأمر 8 أشهر للعودة للنشاط الطبيعي. وبعد هذه التجربة شعرت بمسؤولية تقع على عاتقي لنشر الوعي بأهمية هذه العلوم ومساعدة الناس، فهناك كثير من الأشخاص يعانون من الأمراض المزمنة التي لا يجد لها الطب التقليدي علاج. وبعد هذه التجربة لم تعد لدي رغبة للعودة للعمل في المجال السابق فلا قيمة للمادة كونها وهماً.
* هل لليوغا قدرات؟
- في مراحل متطورة جداً قد يبدو ممارس اليوغا خارقاً، ولكن الأمر الخارق هو خلق الله سبحانه تعالى للإنسان. مع ممارسة اليوغا والالتزام يستطيع الشخص التحكم والسيطرة على حواسه الخمس مما يجرده من التمسك بالجسد والأمور الدنيوية ويجعله يصل لمرحلة التحرر الروحي.
*هل هناك حالات تم معالجتها باليوغا؟
- هناك ردة فعل ممتازة وتفاعل من مرضى الجيوب والذين يعانون من انسداد في الأنف وصعوبة في التنفس وكذلك في حالات ضغوط العمل وآلام الظهر والصداع المزمن وأمراض الجهاز العصبي، وقد أفادني أحد المرضى المتعالجين عندي في عيادة اليوغا بمركز العاصمة للعلاج الطبيعي والعلاج الصيني بردود فعل ممتازة عن وقف تطور حالة ضمور العضلات التي يعاني منها بعد شهر من ممارسة برنامج اليوغا العلاجية الذي أعددته له، وهذا بحد ذاته إنجاز أفتخر به والحمد لله. يمكن ممارسة تمارين بسيطة والضغط على قنوات في اليد والقدمين لبث الطاقة في نظام الأعصاب. وعند تكرار ممارسها، ولو أنه سيستغرق بعض الوقت ولكن سيكون هناك تحسن بإذن الله.
كذلك أستخدمها بنجاح مع حالات القلق والاكتئاب، فاليوغا تعتبر من أفضل الوسائل للهدوء النفسي وتقليل حالات التوتر والقلق والاكتئاب، وهي مرتبطة بالتنفس السريع والمتقطع. عند التمكن من التحكم بالتنفس يستطيع الشخص تنظيم دقات القلب. وخلال نظام مكون من سلسلة من الأوضاع الجسدية يتم القيام بها على نحو متتابع، مع اتباع أنماط تنفس ثابتة وتدريب عملي على كيفية التنفس الصحيح تخفف الضغط النفسي وتكون علاجاً جيداً للقلق والاكتئاب، كما إن التوجه الروحي يبعث الراحة والاستقرار.