كتب - إبراهيم الزياني:
أنهى إعلان صاحب السمو الملكي ولي العهد عن إطار واضح لما وصل إليه المشاركون في المحور السياسي باستكمال حوار التوافق يمثل قاسماً مشتركاً بين جميع الأطراف، حواراً وطنياً بدأته البحرين منذ أربعة أعوام بعد الأحداث التي مرت بها في 2011، تسببت بخسائر فادحة في الأرواح والبنية التحتية والاقتصاد الوطني.
ومن المؤمل أن تسهم التوافقات الأخيرة، ووضع النقطة الأخيرة للحوار الوطني، في تجاوز مرحلة عصيبة مرت بها المملكة، وإعادة اللحمة الوطنية بين كافة أطياف وأفراد المجتمع، والدفع بعجلة التقدم والنماء، في ظل المشروع الإصلاحي الذي دشنه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.
فصول الحوار الوطني
بدأت فصول الحوار الوطني في 2011 بعد أن وجه جلالة الملك في 31 مايو السلطتين التنفيذية والتشريعية لبدء حوار دون شروط، وانطلق حوار التوافق الوطني في 2 يوليو 2011 برئاسة خليفة الظهراني حتى 24 يوليو من العام ذاته، بمشاركة ما يربو على 300 شخصية من مختلف أطياف المجتمع البحريني، توافق خلالها المشاركون على 291 مرئية، توزعت على أربعة محاور، بواقع 25 مرئية في المحور السياسي، و85 مرئية في الاجتماعي، و85 في الاقتصادي، و96 مرئية في المحور الحقوقي، فيما لم يتوافق المشاركون على 40 مرئية، منها 28 في المحور السياسي، و3 في الاقتصادي، و9 مرئيات في المحور الحقوقي.
وشكل مجلس الوزراء في 31 يوليو 2011 لجنة حكومية تتولى متابعة تنفيذ مرئيات ومقررات حوار التوافق الوطني برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وكلف المجلس جميع الوزارات والهيئات الحكومية بتشكيل فرق عمل فيها لتفعيل المرئيات التي المتوافق عليها الواقعة في دائرة اختصاصها.
وأثمر تنفيذ تلك المرئيات على صدور التعديلات الدستورية في 2012، التي أتت لزيادة مظاهر النظام البرلماني في نظام الحكم، وإعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان) بما يضمن مزيداً من التوازن فيما بينهما، وإعادة تنظيم كل من مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر للمجلس النيابي ويضمن الاختيار الأنسب لأعضاء المجلسين.
وأعطت التعديلات الدستورية الحق لمجلس النواب في إقرار برنامج الحكومة أو رفضه، وأصبح حل مجلس النواب يستوجب أخذ رأي رئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية، فعد أن كان حق الحل مقصوراً على ما يتفق فيه جلالة الملك مع رئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى تقليل القيود على النواب في تقرير عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، فبعد أن كان يشترط في الطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أصبح الحق في تقديم الطلب لعشرة من الأعضاء.
ومنحت التعديلات الحق للمجلس المنتخب في طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه، وتبادل الرأي بصدده، وقصر توجيه الأسئلة للوزراء على أعضاء المجلس النيابي دون الشوري.
كما صدرت عديد التشريعات والقوانين والقرارات التي أتت تنفيذاً لمرئيات حوار التوافق الوطني، منها تعديل قانون الجمعيات السياسية، الذي نص على فصل المنبر الديني عن الجمعيات السياسية في ممارستها لنشاطها بحيث لا يستخدم كأداة أو كمرجعية، وضع معايير لتنظيم ومراقبة تمويل الجمعيات، وتطبيق قوانين الكشف عن الذمة المالية على أعضاء إدارات الجمعيات، ووجوب نشر ميزانيات الجمعيات والحسابات الختامية لها في الصحف، إضافة إلى صدور قانون الإيجارات والعقارات وتحديد مكافأة ممثلي الحكومة في القطاع الخاص، وإحالة قانون بشأن الصحافة والطباعة والنشر إلى السلطة التشريعية تمهيداً لصدوره.
استكمال الحوار
ووجه جلالة الملك في 21 يناير 2013، وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة، بدعوة ممثلي الجمعيات السياسية والمستقلين لاستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي، حول الأمور التي يتوافق عليها في جدول الأعمال من الأمور العالقة، للبناء على ما تم التوافق عليه من أجل الوصول إلى مزيد من التوافق الوطني في ذلك المحور.
وانطلقت أولى جلسات حوار التوافق في العاشر من فبراير، بمشاركة أربعة أطراف، هي: الجمعيات السياسية الخمس وائتلاف الجمعيات السياسية الوطنية «الفاتح» و8 ممثلين عن السلطة التشريعية إضافة إلى 3 ممثلين من الحكومة.
ولم يتمكن المشاركون في الحوار من الدخول في جدول الأعمال بعد 28 جلسة عقدت على مدار أشهر، إذ ظل النقاش عالقاً عند النقطة المتعلقة بالثوابت والمبادئ والقيم، قبل أن تعلن الجمعيات السياسية الخمس في 18 سبتمبر 2013 تعليق مشاركتها بالحوار، أرجعتها إلى عدة أسباب، في مقدمتها حبس مساعد أمين عام الوفاق خليل المرزوق لمدة 30 يوماً احتياطياً على ذمّة التحقيق، ولما أسمته «عدم الاستجابة للمبادرة التي طرحتها بشأن تهيئة الأجواء السياسية للحوار والمكونة من 6 نقاط».
وأمهل بعدها الأطراف الثلاث الباقية الجمعيات الخمس حتى 3 ديسمبر من العام ذاته لبيان موقفها النهائي من المشاركة في استكمال الحوار، إلا أن «الخمس» لم تغير موقفها، ما دعا ائتلاف الجمعيات «الفاتح» في الثامن من يناير الماضي إلى تعليق مشاركته في جلسات الحوار بسبب «استمرار غياب (الجمعيات الخمس) عن الحوار، وعدم رغبة الحكومة بالدخول في (جدول أعمال الحوار) إثر تغيّب تلك الجمعيات»، قبل أن تقرر باقي الأطراف تعليق الجلسات العامة للحوار في اليوم ذاته.
ظلت الأجواء بعدها ضبابية حول ما يتعلق بالحوار، قبل صدور تصريح من الديوان الملكي في 22 يناير الماضي، كشف بأنه تم الالتقاء بجميع الأطراف المعنية باستكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي، وطُلب منهم تقديم مرئياتهم حول النقاط الخمس المتمثلة بالسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، والدوائر الانتخابية والأمن للجميع، في أقرب وقت يناسبهم ليتم تقريب وجهات النظر بين الجهات المعنية حول جدول الأعمال للبدء في مرحلة جديدة لاستكمال حوار التوافق الوطني.
ويمثل إعلان ديوان سمو ولي العهد الثلاثاء الماضي عن إطلاع سموه أعيان وشخصيات مجتمعية على إطار واضح لما وصل إليه المشاركون في المحور السياسي باستكمال حوار التوافق يمثل قاسماً مشتركاً بين جميع الأطراف، النقطة الأخيرة لحوار وطني استمر 4 سنوات.
وأعلن ديوان سمو ولي العهد أمس أنه بعد عقد الاجتماعات الثنائية مع جميع الأطراف السياسية لاستكمال حوار التوافق الوطني حول المحور السياسي، واستلام المرئيات من قبل جميع الأطراف وتحليلها ومناقشتها، تبين أن ما يمكن التوافق عليه من قبل جميع الأطراف لاستكمال هذا الحوار وإمكانية تطبيقه من خلال القنوات الدستورية، أبرزها دوائر انتخابية أكثر توازناً وتمثيلاً، وإمكانية توجيه السؤال البرلماني لرئيس الوزراء ونوابه، واشتراط موافقة أغلبية النواب على برنامج الحكومة لتمريره، على أن يتم حل «النواب» حال رفضه البرنامج 3 مرات بعد تعديله من الحكومة.