كتب - وليد صبري:
تحتفل المملكة العربية السعودية اليوم بالعيد الوطني الـ 84، وسط إنجازات محلية وإقليمية وعالمية، حيث يشكل الأول من «الميزان» الموافق 23 سبتمبر من كل عام يوماً فارقاً في تاريخ الجزيرة العربية. ففي مثل هذا اليوم عام 1932، أعلن (المغفور له بإذن الله) جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود قيام المملكة العربية السعودية، وتوحيد الأراضي السعودية تحت علم واحد وقيادة واحدة. وشكل هذا اليوم المجيد في وجدان كل عربي ومسلم نقطة تحول كبيرة، حيث استبدلت الفرقة والعصبية القبلية إلى نماذج متميزة من الوحدة والتعاضد، فانتشر العدل والمساواة مكان الظلم والتميز، وحلت القوة بدل الضعف، والوحدة -تحت راية لا إله إلا الله- مكان التشتت والتشرذم، وتحقق كل ذلك بتضحيات وجهد كبير من جلالة الملك المؤسس الذي قيض الله له رجالاً مخلصين آمنوا بفكره، فأخذوا على عاتقهم نشر الأمن والسلام وضحوا لأجل ذلك بأرواحهم، من أجل رفع راية الوحدة والبناء والعدل والمساواة. واستمرت الفكرة عقوداً حمل خلالها الرجال الشعلة، فلم يهنوا ولم يستكينوا إيماناً بمبادئ المؤسس الراحل، فأصبحت المملكة قبلة العالم، وتبوأت مكانها الطبيعي منارة يتطلع لها العالم كنموذج للتقدم والحضارة الإنسانية، ولم يكن ذلك ليتم إلا بما تمتعت به القيادة من حسن خصوصاً في قدرتها على استثمار الفرص على مختلف الأصعدة، فكانت مواقف المملكة تستند إلى فكر إنساني مستنير فاستحقت بحق احترام القاصي والداني.
ولأن عظمة الأمم تقاس بمدى ما تحققه من إنجازات ملموسة على أرض الواقع وليس بالشعارات وأدبيات التنظير، تعد المملكة العربية السعودية متفردة في هذا الشأن بين نظيراتها من الدول الحديثة. فقد قيض الله سبحانه وتعالى لها قادة مخلصين من أبنائها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والذين تم على أيديهم ما يلمسه المواطن السعودي ويعيشه وينعم به من استقرار ورخاء وأمان ونهضة شاملة، حتى الوصول إلى العالمية في عهد خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
ويشعر المواطن السعودي بالجوانب التنموية الملموسة التي تمثل النهضة الحديثة للمملكة العربية السعودية، فقد أولت الدولة القطاع الصناعي أهمية كبيرة أسهمت إسهاماً أساسياً بشكل واضح خلال خطط التنمية الخمس الماضية، وأكبر دليل على تطور القطاع تضاعف نسبة إسهامه في الناتج المحلي، كما يلاحظ نمو الصادرات بشكل مطرد في الـ 25 سنة الماضية أي منذ بداية خطة التنمية الأولى. وحظيت الزراعة بنصيب وافر من رعاية واهتمام السعودية، وما تحقق في هذا المجال أحد العلامات البارزة التي تميزت بها التجربة التنموية السعودية، فقد استطاعت الدولة بتخطيطها السليم واستقرائها الناضج لمتطلبات العصر الحديث وبدعمها السخي لهذا القطاع وبما يشبه المعجزة تحويل الصحاري القاحلة المقفرة في قلب جزيرة العرب إلى جنة وارفة الظلال وفيرة الغلال وفي زمن قياسي لا يتجاوز ربع القرن.
وتسعى السعودية جاهدة إلى توفير الرعاية الصحية مجاناً للمواطنين من خلال مستشفيات الدولة، وقد تطورت الخدمات والتجهيزات الصحية بالمملكة، وظهرت بشكل متميز في منطقة الشرق الأوسط، كما إن هذه الخدمات أصبحت تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، وقد حظي القطاع الصحي برعاية الدولة واهتمامها.
وظل التعليم هدفاً رئيساً من الأهداف التي سعى الملك عبدالعزيز «رحمه الله» وأبناؤه من بعده على تحقيقها لأبناء المملكة ومحاولة تعميمه مجاناً لأهل هذه البلاد، وأدرك قادة المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز «رحمه الله» حتى الوقت الحاضر أن تعليم أبناء المملكة هو الثروة الحقيقية والدعامة الأساسية لبناء دولة قوية مسلمة عصرية.
وتطور التعليم تدريجياً حسب إمكانات البلاد الاقتصادية والبشرية، ولكنه خطا خطوته الواعدة منذ تولي الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز أول وزارة للمعارف في المملكة، وقتها بدأت تظهر ملامح السياسة التعليمية وأسسها التي كانت النواة للنهضة التعليمية المذهلة التي نعيشها في هذا الوقت. ويقوم التعليم في المملكة على العديد من الأسس العامة أهمها توكيد التوجه الإسلامي الصحيح للتعليم، وإبراز القيم الإسلامية، وتوكيد التعليم على الإيمان بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، إضافة إلى التطور الإسلامي للكون والإنسان والحياة وأن الكون كله خاضع لمشيئة الله تعالى، والحياة الدنيا مرحلة إنتاج وعمل يستثمر فيها المسلم طاقاته عن إيمان وهدى للحياة الأبدية الخالدة في الدار الآخرة، والرسالة المحمدية هي المنهاج الأقوم للحياة الفاضلة، والعمل بالقيم العليا التي جاء بها الإسلام لقيام حضارة إنسانية راشدة، الإيمان بالكرامة الإنسانية التي قررها القرآن الكريم.
ومن الحقائق البديهية أن الأمن والتنمية صنوان لا يفترقان، فكما يقال لا تنمية بدون استقرار ولا استقرار بدون أمن، وقد تنبهت السعودية لهذه الحقيقة منذ بدايات إنشائها، وأولت هذه المسألة جل اهتمامها ممثلة في وزارة الداخلية التي تضطلع بالدور الأساسي والرئيس في حفظ الأمن والعمل على تعميمه والمحافظة على راحة وطمأنينة المواطنين. وقد أولت الدولة اهتماماً خاصاً لقطاع الاتصالات ونفذت وزارة البريد والبرق والهاتف مشروعات ضخمة فارتبطت المملكة بالعالم عن طريق الأقمار الصناعية أو الكوابل البحرية والمحورية. كما أنشأت مركزاً للمعلومات الهاتفية يعمل بواسطة الحاسب الآلي مقره الرياض، وتطورت خدمة الاتصالات خاصة في المدن الكبيرة، وأولت الدولة الخدمة الهاتفية اهتماماً واضحاً في مكة المكرمة، حيث مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين الذين يفدون إلى المدينة المقدسة فعممت بها الخدمة الهاتفية وأنشأت مئات من هواتف العملة في المدينة.
وكان توفير المياه الصالحة للشرب يشكل معضلة رئيسة في جزيرة العرب قبل العهد السعودي الزاهر، وتحسنت خدمات المياه في عهد الملك عبدالعزيز وابنه الملك سعود، حيث تمكنت الدولة من مواجهة المشكلة بعدة وسائل كحفر الآبار الارتوازية، وتجميع مياه العيون في بعض الأودية ونقلها إلى المدن، ولكن مع زيادة النمو السكاني والعمراني بدأت المملكة الأخذ بأحدث أساليب تنقية المياه المالحة، وهو تحويل مياه البحر إلى مياه عذبة، فأنشأت محطتين لذلك في الوجه وضبا على ساحل البحر الأحمر. وفي المجال الفني والثقافي حققت الرئاسة العامة لرعاية الشباب نجاحاً ملموساً، فقد أنشأت الأندية الأدبية، كما أنشأت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون. وتحرص الدولة على تشجيع الحركة الثقافية حيث تقيم معظم المناطق الآن جائزة للتفوق العلمي.