كتب - وليد صبري:
تبذل السعودية جهوداً كبيراً في التصدي لظاهرة الإرهاب، حيث تقود العالم لاستئصال شأفته، وتُعد تجربة المملكة في التصدي لظاهرة الإرهاب تجربة رائدة تحظى بتقدير محلي ودولي حيث تتمتع المملكة بخبرة أمنية عالية مكنتها من دحر تنظيم القاعدة بين عامي 2003 و2006. وعزا خبراء ومحللون الدور الرائد للمملكة بسبب خبرتها التراكمية التي باتت أنموذجاً يحتذى به، ونظراً لمعالجتها الناجحة عبر جهود كبيرة مبنية على أسس علمية عميقة، بعد أن طالتها هذه الظاهرة وعانت من هجمات إرهابية في الماضي.
ومن أبرز الجهود التي تبذلها السعودية لمحاربة تلك الآفة، تحصين الحدود، وإحكام الرقابة عليها لمنع التسلل والتهريب. كما قامت وزارة الداخلية بنشر قوائم للمطلوبين أمنياً في قضايا إرهابية لتكثيف عمليات البحث عنهم وملاحقتهم مع إشراك المواطنين في محاربة الإرهاب الذي يهدد أرواحهم ومقدراتهم وأمنهم.
كما أدركت المملكة في وقت مبكر أهمية تثقيف المجتمع أمنياً وفكرياً تجاه الظاهرة وخطورتها لذلك عمدت إلى تقديم برامج توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة وتدريس مادة مكافحة الإرهاب في بعض المناهج الدراسية في الجامعات والكليات. كما دعا الإدراك المبكر بخطورة ظاهرة الإرهاب وأهمية توعية المواطنين بالفئة الضالة التي تعتنق فكره المنحرف إلى انتهاج سياسة إعلامية مبنية على الشفافية وذلك بالكشف عن هوية المطلوبين أمنياً والفئات الضالة عبر بيانات لوسائل الإعلام المختلفة.
ويمثل تأسيس مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية الذي حظيت فكرته بدعم وتأييد كبير من الراحل صاحب السمو الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله أحد النماذج الفريدة التي تعكس نوعية الرعاية والاهتمام التي تقدمها وزارة الداخلية السعودية للموقوفين والتي حظيت باهتمام لافت من قبل أجهزة الأمن في دول العالم ومسؤوليها الذين زار الكثير منهم المركز وطلبوا الاستفادة من هذا النموذج المميز. وبدأ المركز عمله عام 2006 في استيعاب المتورّطين في الفكر الضال وإعادة دمجهم في المجتمع وتصحيح مفاهيمهم عن طريق الاستفادة من برامج المركز المختلفة والوصول بالمستفيدين منه لمستوى فكري آمن ومتوازن لهم ولمجتمعهم، كما تساعد برامج المركز من غرر بهم لإدراك أخطائهم والعودة لجادة الصواب، والاندماج بالمجتمع مواطنين صالحين ومنتجين لصالحهم وأسرهم ووطنهم. ويضم مركز محمد بن نايف للمناصحة مجموعة من الخبراء والمستشارين النفسيين والاجتماعيين، إضافة إلى علماء دين وشريعة، حيث يمثل برنامج المناصحة المرحلة الإجرائية الأخيرة لإطلاق سراح الموقوفين لدى الجهات الأمنية.
وعلى المستوى الخارجي، أكد خبراء أمنيون واستراتيجيون أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب ودعمه مادياً جاءت في وقتها المناسب، لتسلط الضوء على العنف الإرهابي المتكرر الذي تعاني منه دول المنطقة والعديد من دول العالم، وتنبه لحجم التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجه المنطقة، لا سيما بعد تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في عدد من دول المنطقة، مما أدى إلى تصاعد منحنى الإرهاب من ناحية، وصعوبة مواجهته من ناحية أخرى.
من جانبه، قال رئيس مركز الجمهورية للدراسات والأبحاث السياسية والأمنية اللواء سامح سيف اليزل في تصريحات نقلتها صحيفة «الجزيرة» السعودية إن الدعوة الكريمة لخادم الحرمين الشريفين لتأسيس مركز دولي لمحاربة الإرهاب ويكون مقره مدينة نيويورك وتشرف عليه الأمم المتحدة ودعمه بـ 100 مليون دولار أمريكي، تأتي في الوقت الصحيح وبالطريقة الصحيحة لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد المنطقة العربية والعالم كله ولن يستثني أحد من شروره.
من جانبه، قال مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء فاروق المقرحي إن تركيز خادم الحرمين الشريفين على مواجهة الأخطار والتهديدات الإرهابية في المنطقة يتطلب تحركاً إقليمياً لمواجهة التحديات والتصدي للمخاطر الإرهابية، محذراً قادة المنطقة من الوقوف مكتوفي الأيدي وسط تحركات التنظيمات الإرهابية في المنطقة بصورة منظمة. من جهته، قال الباحث سامح عيد إن خادم الحرمين وجه رسالة للعالم أجمع تنبه لخطورة تفاقم الإرهاب في المنطقة ودول العالم، مشيراً إلى أن أكبر خطر يواجه الإسلام حالياً هو تصدير العنف باعتباره واجهة إسلامية وضرورة تاريخية وجهاداً ما بعده جهاد. وقد دعا الأزهر لتفعيل مبادرة خادم الحرمين لإنشاء المركز، معرباً عن تقديره البالغ لدعوة خادم الحرمين لقادة وعلماء الأمة الإسلامية لتحمل مسؤولياتهم في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية لمواجهة من يحاولون اختطاف الإسلام وتحريف رسالته السامية وأهدافه النبيلة.
وفي هذا الصدد، رأى الكاتب والمحلل د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب أنه بحكم مكانة السعودية الدينية والاستراتيجية والاقتصادية دشنت السعودية مبادرتين باسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الأولى مبادرة الملك عبد الله للحوار بين الأديان تم تدشينها بعد أحداث 11 سبتمبر، والمبادرة الثانية مبادرة الملك عبدالله للتقريب بين المذاهب الإسلامية تم تدشينها بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق، لنزع فتيل الصراعات العالمية مع المسلمين من جهة والصراع بين المسلمين من جهة أخرى.
ونظراً لاستشعارها الخطر من فكر جماعات متشددة، أعلنت السعودية في مارس الماضي، رسمياً جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً ضمن أول قائمة من نوعها تضم عدداً من المنظمات داخل وخارج المملكة. وشملت القائمة، التي أعلنتها وزارة الداخلية السعودية، تنظيم القاعدة وفروعه جزيرة العرب، واليمن، والعراق، والدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، وجبهة النصرة في سوريا، و«حزب الله» في السعودية، وجماعة الحوثي.
كما أصدر خادم الحرمين أمراً ملكياً يقضي بإنزال عقوبة السجن بين 3 و20 عاماً بحق من يقوم بالقتال خارج البلاد.
وقبل شهر ونصف تقريباً دعا العاهل السعودي المجتمع الدولي إلى ضرب المتطرفين «بالقوة وبالعقل»، وبسرعة، لأنهم سيتمددون قريباً إلى أوروبا والولايات المتحدة على حد قوله.
وتحركت السعودية لتقود العالم ضد ظاهرة الإرهاب حينما احتضنت جدة قبل أسبوعين، اجتماعياً دولياً، شاركت فيه دول مجلس التعاون و4 دول عربية، هي الأردن ومصر ولبنان والعراق، إضافة إلى تركيا، والولايات المتحدة، حيث تضمن البيان الختامي للاجتماع تعهد 10 دول عربية إضافة إلى الولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب في المنطقة، والتنظيمات المتطرفة التي تقف وراءه، وسبل الحد من نشاطها.