تقسيم الدوائر بشكل يرضي الجميع ضرب مستحيل والدول المتقدمة تلجأ لتطبيق مبدأ المرونة
المساواة النسبية التقريبية يسهل تطبيقها ولا تترك هامشاً للتفاوت في تحديد الدوائر
تغيير تقسيم الدوائر الانتخابية يجب أن يكون متطابقاً ومتجاوباً مع التقسيم الإداري للدولة
توزيع الدوائر الانتخابية يتم على أسس إحصائية جوهرية تربط بين التوزيع والتعداد السكاني
ضرورة ثبات التوزيع لمدة تتفق والمعايير الدولية قبل إجراء المراجعة الدورية
المشرع راعى في التوزيع الحالي مبدأ التوازن بين السكان بالدوائر المختلفة من المملكة
الثبات النسبي في توزيع الدوائر يمنحه حماية من أيدي الجمعيات والتكتلات السياسية
> كتب – محرر الشؤون البرلمانية:
تميزت المعايير، التي استند إليها المشرع البحريني، عند تقسيم الدوائر الانتخابية، وفقاً للدقة والتطور، وعبر التطبيقات العملية المستمدة من تجارب تقسيم الدوائر الانتخابية في أعرق الدول الديمقراطية، إلي شمولية التناول، وعدم الأخذ بمعيار واحد، كالمعيار الجغرافي، أو وفقاً لعدد أعضاء البرلمان، أو جعل إقليم الدولة كله دائرة انتخابية واحدة، وذلك بهدف ضمان المشاركة في العملية الانتخابية، واستقرار السلم والأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمملكة.
ورغم المعايير الدولية والعالمية المتعددة، التي يراعى العمل بها لدى أعرق الدول الديمقراطية، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عند تقسيم، أو إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، إلا أنه يعد معيار الكثافة السكانية من أهم تلك المعايير، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وذلك لعدد من الاعتبارات، أبرزها: ضمان استقرار الدوائر الانتخابية واستمرار مبدأ العدالة.
ونظراً لأن، لكل دولة ظروفها الديموغرافية والطبيعية والجغرافية والسياسية، التي تكون هي الموجه في عملية التقسيم، فإن المشرع البحريني، اعتمد علي معيار الكثافة السكانية في تقسيمه للدوائر الانتخابية، إلى جانب عدد من المعايير الأخرى، أهمها: المساواة النسبية في عدد السكان، ومعيار التجانس الاجتماعي، والتوسع العمراني، والمساحة الجغرافية، والأهمية الاقتصادية، والعوامل التاريخية، والمشاركة السياسية، والسيادة والأمن والسلم الوطني، وهو الأمر المعمول به في الكثير من دول العالم الديمقراطية، مثل: فرنسا وإنجلترا، وأمريكا، ومصر.
غير أن، استحالة عامل المساواة المطلقة، التي تقوم على المساواة الحسابية التامة، بما يفرضه تطبيق معيار المساواة النسبية في عدد السكان، الذي أقره المجلس الدستوري الفرنسي، والمحكمة العليا الأمريكية، والمشرع المصري، وهو أحد أهم المعايير التي استند إليها المشرع البحريني في تقسيمه للدوائر الانتخابية، إلى جانب معيار الكثافة السكانية، فقد أخذت البحرين في توزيع الدوائر الانتخابية مساواة نسبية تقريبية يسهل تطبيقها، بحيث لا يكون ثمة تفاوت شديد في تحديد الدوائر الانتخابية، يصل إلى حد إهدار الثقل النسبي لكل صوت.
ووفقاً للمادة «89» من الدستور، فإن الفقرة الأولى تنص، على أن «عضو كل من مجلس الشورى ومجلس النواب، يمثل الشعب بأسره، ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لأية جهة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه....»، وهو ما يعني أن تمثيل عضو مجلس النواب للشعب بأسره وليس لدائرته الانتخابية فقط.
تعديل مطلوب
وقد جاءت تعديلات الدوائر الانتخابية بالبحرين، نظراً لما أسفرت عنه المراجعة الدورية لعدد السكان والدوائر الانتخابية، وذلك بهدف ضمان استقرار الدوائر الانتخابية، واستمرار مبدأ العدالة، وهو ما معمول به في إنجلترا، والتي شكلت لجنة متخصصة، تقوم كل عشر أو خمسة عشر عاماً، بإعادة تقسيم حدود الدوائر الانتخابية، وأيضاً كما هو معمول به في الدستور الإيراني، والذي نص في المادة «64» منه على أن «مجلس النواب يتكون من 260 عضواً، وبعد كل عشر سنين إذا حدثت زيادة سكانية، يتعين إضافة نائب لكل دائرة عدد سكانها 160 ألف نسمة»، وهو ذات المبدأ الذي أقره مجلس الدولة الفرنسي، عام 1912، بأن «تقسيم الدوائر الانتخابية يصبح غير قانوني بسبب تغير الظروف الإحصائية للسكان وعدم مراعاتها في التقسيم، وأنه ينبغي المراجعة الدورية كل مدة معينة لعدد السكان، وتوزيع الدوائر الانتخابية على أساس من العدل والإنصاف»، وأكد المشرع الفرنسي، مبدأ ضرورة المراجعة الدورية لعدد السكان، وتقسيم الدوائر الانتخابية، في قانون الانتخاب الفرنسي الحالي لعام 1986، والذي نص في المادة 12 منه على أن «تجرى مراجعة الدوائر وفقاً للتطور الإحصائي، وبعد ثان تعداد عام للسكان تال لآخر تحديد»، كذلك فإن اللجنة الدولية للقانونيين طالبت في مؤتمر بانكوك عام 1965، بضرورة المراجعة الدورية لتقسيم الدوائر الانتخابية، باعتبارها أحد أولويات العدالة والإنصاف بالدول الديمقراطية، وقد كان لهذه المطالبة أثرها في الكثير من دول العالم مثل فرنسا، وأمريكا، وإنجلترا، وألمانيا.
وينبغي ثبات التوزيع الحالي للدوائر الانتخابية في البحرين لمدة تتفق والمعايير الدولية، وإجراء المراجعة الدورية لهذا التوزيع، وفقاً للتطور الذي ستشهده المملكة في كافة الاتجاهات، لضمان تحقيق الاستقرار المنشود في الحياة الديمقراطية، ووفقاً لما استقر عليه الأمر في الدول الكبرى مثل إنجلترا، حيث توجد هناك لجنة خاصة تقوم بمباشرة مهامها والمتمثلة في مراجعة الدوائر الانتخابية، والخاصة بانتخاب أعضاء مجلس العموم، وذلك لعدم وجود ضرورة توجب إعادة توزيع هذه الدوائر في الوقت الحاضر.
وترك الدستور أمر العملية الانتخابية برمتها، بدءاً من تحديد المناطق والدوائر، وانتهاءً بعملية الترشيح والانتخاب لما بين الأمرين من رابطة متصلة، للمشرع، الذي فوض الملك في ممارسة هذه المهمة.
أسس إحصائية
ومن غير المنطقي، أن يتم تغيير الدوائر كلما تعرضت للتغيير النسبي في عدد السكان، فتغيير تقسيم الدوائر الانتخابية يجب أن يكون متطابقاً أو على الأقل متجاوباً مع التقسيم الإداري للدولة، المتمثل في نظام المحافظات والبلديات والعناوين، وأن يعاد توزيع الدوائر الانتخابية بناءً على أسس إحصائية جوهرية توجب الربط بين التوزيع، وبين عملية إجراء التعداد السكاني للمواطنين.
وقد يرضى البعض، إعادة توزيع الدوائر، فيما لا يلقى هذا الأمر قبولاً، مما يجعل لديهم أمر توزيع الدوائر الانتخابية مرهوناً بإدارة شخصية وليست موضوعية، ومن المعلوم أنه يستحيل تقسيم الدوائر الانتخابية في أي دولة بشكل يرضي الجميع، إذ إن كل طرف يرغب في توزيع الدوائر الانتخابية وفقاً لرغباته وطموحاته الذاتية، وينظر للتوزيع من الزاوية التي ترضيه وتفيده في المستقبل، فلو قسمت الدوائر الانتخابية على المحافظات وفقاً للكثافة السكانية فقط، فسنجد أن نصيب محافظة العاصمة هو سبع مقاعد، وبتطبيق مبدأ المرونة، وهو أن يكون التفاوت في توزيع الدوائر في حدود 20% سنجد أن محافظة العاصمة لم تحظ بأكثر من هذه الزيادة المقترحة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية محافظة العاصمة، وكونها المركز التجاري للمملكة، وتداخل المصالح السكانية والاقتصادية والصناعية فيها بشكل كبير، فضلاً عن الاختلاف الكبير بين طبيعة منطقة وأخرى، مما يجعل من الصعب جداً تجاهل هذه العوامل.
الكثافة السكانية
ونظراً لأن، لكل دولة ظروفها الديموغرافية والطبيعية والجغرافية والسياسية، التي تكون هي الموجه في عملية التقسيم، بحيث لا يصح أن يؤخذ بمعيار الكثافة السكانية، كمعيار أوحد لتقسيم الدوائر الانتخابية - كما يطالب البعض-، فيتم العمل أيضاً بالمعيار الجغرافي، ومدى اتصال وانقطاع المساحات، فلا يمكن أيضاً الركون فقط إلى تقسيم الدوائر من حيث المساحة وإغفال العوامل الأخرى، ويعمل أيضاً بمعيار التطور والامتداد العمراني، والذي يؤخذ في الاعتبار عند تحديد الدوائر الانتخابية بحيث يراعي في التقسيم ما هو مؤمل في المستقبل القريب من زيادة في سكان دائرة ما، بسبب التطور العمراني الذي تشهده هذه المنطقة على خلاف سواها من المناطق، التي تنعدم معها إمكانية أي امتداد عمراني لاكتظاظها من الأصل، كما يعمل أيضاً بمعيار المشاركة الشعبية في العملية الديمقراطية لبعض المناطق المنفصلة، والتي توجد بها كثافة سكانية أقل والتي من شأن إدخالها بسبب كثافتها السكانية المتدنية مع غيرها من الدوائر الانتخابية.
واعتمد المشرع البحريني، في تقسيمه للدوائر الانتخابية على المعايير العالمية في هذا التقسيم، والتي أقرها الفقه الحديث، والكثير من الدساتير العالمية مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، ومصر، والأردن، والتي تقر بأن «لكل منطقة طبيعتها الخاصة التي تفرض عليها المواءمة بين المتغيرات التي تواجه كل منطقة، والتي تتمثل أساساً في النمو السكاني، والعمراني، والنمو التجاري، والاقتصادي، والترابط الاجتماعي، هذا فضلاً عن ضمان المشاركة السياسية، وحدود الأقسام الإدارية، وطرق المواصلات، وغيرها».
وأخذ المشرع البحريني بهذه المعايير جمعاء في تقسيمه للدوائر الانتخابية، ولم يأخذ بمعيار واحد كمعيار الكثافة السكانية، أو المعيار الجغرافي، أو وفقاً لعدد أعضاء البرلمان كما حدده الدستور، أو جعل إقليم الدولة كله دائرة انتخابية واحدة، وذلك لضمان المشاركة في العملية الانتخابية، واستقرار السلم والأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمملكة.
ويوجد في التوزيع الحالي للدوائر، توازن بين السكان في الدوائر المختلفة من المملكة، وفق معيار المساواة النسبية التقريبية، ولكنها ليست مساواة حسابية مطلقة، وبناء عليه فإن ضرورة ثبات التوزيع لمدة تتفق والمعايير الدولية قبل إجراء المراجعة الدورية لهذا التوزيع، وبهذا أخذت بريطانيا وأمريكا، بحيث يعاد التوزيع بناء على أسس إحصائية جوهرية، وهو ما يتطلب على الأقل الربط بين التوزيع، وبين عملية إجراء التعداد السكاني للمواطنين.
تركيبة الدوائر السكانية
ورأى المشرع البحريني، أن الأمر يتطلب ثباتاً نسبياً في توزيع الدوائر الانتخابية، بحيث لا يعتريه تغيير بتعاقب الفصول التشريعية للبرلمان، حتى لا تكون العملية لعبة في أيدي الجمعيات والتكتلات السياسية، فكل جمعية أو كتلة ستحاول تغيير الدوائر وإثبات عدم وجود العدالة في دائرة أو أخرى، من أجل تحقيق مصلحتها، فثبات عدد السكان في جميع الدوائر يعد من الأمور المستحيلة، والمملكة تحظى بقدر كبير من التغييرات بسبب إنشاء مدن ومناطق سكنية جديدة، وتحول بعض المناطق من سكنية إلى تجارية، مما يغير من طبيعة التركيبة السكانية لبعض الدوائر الانتخابية، لذا لا يعقل أن يتم تغيير الدوائر كلما تعرضت للتغيير النسبي في عدد السكان.
كما إن، التقسيم الحالي تم على أسس محددة تشمل بدرجة أساسية على الكثافة السكانية، مع اعتبار التجانس السكاني والمساحة الجغرافية والأهمية الاقتصادية والنمــــو العمرانــي المستقبلـــي وسيـــادة المملكة،
كذلك فإنه من المسلمات، أن أي تقسيم أو توزيع للدوائر الانتخابية، يعتمد بشكل أساسي على ظروف الدولة الديمغرافية والطبيعية والجغرافية والسياسية، ولا يوجد هناك إجماع لدى فقهاء القانون على شكل معين للتوزيع، بقدر ما هنالك إجماع على أن لكل منطقة طبيعتها الخاصة التي تفرض عليها المواءمة بين المتغيرات سالفة الذكر، بمــا يحقق العدل والتوازن، مــع الإقـــرار بأن تقسيم الدوائر لا يمكن أن يرسم بشكل عشوائي، وأن هناك هامشاً من المرونة في كل نظام انتخابي يتم تقديره وفقاً للمتغيرات.