قال رئيس قسم العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية بجامعة «ميتروبوليتان» د.ميشيل بلفر، إن البحرين قرأت الوقائع وتعاملت بحكمة مع المتغيرات في منطقة مضطربة، وتجاوزت التهديدات عبر القيادة السليمة لمجريات الأحداث، بينما دعا رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» د.محمد عبدالغفار، دول التعاون إلى بناء نماذج أمن تحفظ استقرارها.
وأكد بلفر لدى مشاركته في ندوة نظمتها «دراسات» تحت عنوان «الدول الصغيرة.. ديناميكية الأمن في منطقة الشرق الأوسط»، أن ظهور «داعش» تزامن مع بروز أجيال جديدة من ميليشيات شبيهة بحزب الله في العراق وسوريا.
ودعا دول التعاون إلى التخطيط لمواجهة أية تغيرات مستقبلية في اليمن والعراق، لافتاً إلى أن الحياد ليس خياراً متاحاً أمام دول الخليج الصغيرة بل التحالف هو المنطقي، وأن النظام الدولي لن ينتظر دول الخليج حتى تنظم أنشطتها وفقاً للمصالح.
وأضاف أن واشنطن تبدي مرونة أكثر مع قوى تتدخل باستمرار في الخليج، مشيراً إلى أن العالم أخطأ في تجاهل أحداث الدول الصغيرة مقابل التركيز على نمو الصين مثلاً.
بينما أكد محمد عبدالغفار أن الحركات السياسية العابرة للحدود تستدعي مهارات مختلفة للتعامل معها، لافتاً إلى أن الدول الصغيرة تندفع لسياسات تنافسية بدلاً من التكامل بمواجهة التحديات، وأن النظام متعدد الأقطاب يتيح قدراً من المرونة للدول الصغيرة.
من جانبه وضع الأستاذ بقسم الدراسات الدفاعية في كلية كينغز اللندنية د.جين ريكلي، الدول الصغيرة أمام خياري الحياد أو الدخول بتحالفات إقليمية ودولية، مؤكداً أن القوة الناعمة في الدول الصغيرة ليست كافية دون «القوة الذكية».
وأكد محمد عبدالغفار في كلمته، أنه ليس من الصواب التعامل مع المستجدات الأمنية الإقليمية بأساليب تقليدية، وقال «هناك حاجة للمهارة والخبرة والثقافة المختلفة للتعامل مع المتغيرات، خاصة فيما يتعلق بفكر وتنظيم الحركات السياسية غير الوطنية العابرة للحدود، بعد أن أدت ممارساتها إلى تفتيت وحدة النسيج الوطني في عدد من الدول العربية، بعد أن كانت سابقاً تتمتع بترابط النسيج الاجتماعي».
وأضاف أن الاستراتيجية الأمريكية والغربية بدأت تتغير في منطقة الخليج العربي، ومن أبرز سمات التغير التقليل التدريجي من الوجود العسكري في المنطقة ومناطق التوترات في العالم عموماً لأسباب استراتيجية واقتصادية.
ونبه إلى أن هذه الخيارات تدعو الدول الصغيرة ومنها الدول الأعضاء في مجلس التعاون، للتفكير الجاد في بناء نماذج للأمن الداخلي والخارجي، وإمكانية إنشاء مفهوم استراتيجي يتكامل مع الجهود الدولية لحفظ أمن المنطقة.
وذكر أن معضلة الدول الصغيرة تتمثل في عدة إشكاليات، بينها أن هذه الدول ليس لها عمق استراتيجي كبير، ووجود موارد كبيرة فيها مقارنة بجيرانها، ووقوعها ضمن إقليم تتفاوت القدرات العسكرية بين دوله، لافتاً إلى أن صغر حجم الدول يدفعها لانتهاج سياسات خارجية تنافسية بدلاً من التكامل وخاصة تجاه التحديات الإقليمية المشتركة.
ولخص عبدالغفار إشكالية الدول الصغيرة على المستوى الدولين في بنية النظام الدولي ذاته، ما من شأنه التأثير على سياسات الدول الصغيرة، موضحاً «كلما كان النظام الدولي متعدد الأقطاب، كلما أتاح قدراً من المرونة وحرية الحركة للدول الصغيرة، بينما النظام الأحادي القطبية من شأنه أن يضع قيوداً عديدة على السياسات الخارجية للدول الصغيرة». من جانبه وضع ريكلي، الدول الصغيرة أمام خيار الحياد أو الدخول في تحالفات إقليمية ودولية، مشيراً إلى أن الهدف الرئيس للدول الصغيرة بشكل عام هو تعزيز قدرتها على المناورة والبقاء.
وعرّف ريكلي خياري التحالف ومسايرة القوى الإقليمية والدولية أو سياسة «التحوط» على حد وصفه، بمحاولة إنشاء علاقات جيدة مع دول المنطقة كافة، مستعرضاً إيجابيات وسلبيات كل الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام الدول الصغيرة. وأكد أن القوة الناعمة لدى الدول الصغيرة ليست كافية دون «القوة الخشنة» أو «القوة الذكية»، لافتاً إلى أن سياسة الدخول في تحالفات مع الدول الكبرى يجلب التزامات كثيرة للدول المنضوية تحت الحلف.
واستشهد بالتحالف الأمريكي الأوروبي ودخول دول أوروبية في صراعات وحروب لم تكن ترغب فيها مثل حرب الولايات المتحدة في العراق. وضرب ميشيل بلفر، البحرين مثالاً لدولة صغيرة تقع في منطقة خطرة من العالم، وتمثل ما تواجهه أي دولة صغيرة الحجم في العالم، استطاعت أن تتجاوز تهديدات حقيقة وبالغة الخطورة عن طريق القيادة السليمة والتقدير الصائب لمجريات الأحداث وتوجهاتها. وقال إن الدول الصغيرة لا تملك رفاهية البطء في فهم ما يجري من حولها، وعليها دوماً استيعاب المتغيرات الإقليمية والدولية وتحديد اتجاهاتها في العلاقات الدولية، والتصرف بحكمة بناء على تقدير آثار المتغيرات. وأضاف أن البحرين قرأت الوقائع والمتغيرات وتعاملت معها بسرعة وحكمة فائقتين، ما نتج عنه استمرار البحرين وبقائها ونموها في منطقة تشهد اضطرابات عالية، مثنياً على قرار البحرين بالمشاركة في التحالف الدولي لمحاربة الفكر الإرهابي ومنع انتشاره.
ودعا دول الخليج إلى توحيد موقفها تجاه القضايا المصيرية المشتركة، لافتاً إلى أهمية رسم سياسة موحدة تنتهجها دول الخليج لحماية نفسها والتصدي لمحاولات الإضرار بها.