يعد التزام البحرين في المشاركة بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بكل أشكاله ومسمياته وإعلانها استضافة المؤتمر الدولي لمكافحة تمويله في الأسبوع الأول من نوفمبر المقبل، جزءاً من جهود المملكة الطويلة والمثمرة في محاربة هذه الجريمة الخطيرة التي انتشرت وأصبحت تشكل تهديداً عالمياً.
ولعل تاريخ البحرين في مواجهة الظاهرة بأبعادها الداخلية والخارجية والنجاحات التي حققتها في إطارها، يؤكد هذا المعنى ويوضحه، سيما بالنظر إلى العديد من المؤشرات، أولها: التنسيق الدائم مع دول العالم للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب وعمليات تمويله عبر اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات كثيرة ومتعددة، ويشار هنا إلى تأييد البحرين ودعمها لجهود المجتمع الدولي في محاربة تنظيم «القاعدة» وغيره، وعضويتها في «مبادرة إسطنبول للتعاون» منذ إنشائها عام 2005 وحتى الآن، فضلاً عن دورها بالتعاون مع القوات الجوية بدول مجلس التعاون والقوات الحليفة والصديقة في محاصرة الجماعات والتنظيمات الإرهابية أواخر سبتمبر 2014 ضمن الجهد المتعلق بحماية الأمن الإقليمي والسلام الدولي.
ثانيها: المشاركة الفعلية في جهود مكافحة الإرهاب، حيث أرسلت المملكة عام 2008 عدداً من قطعها البحرية إلى خليج عدن تنفيذاً لأربعة قرارات تبناها مجلس الأمن الدولي تدعو جميع الدول إلى القيام بدوريات في الخليج والمياه قبالة الصومال لمواجهة القرصنة المتزايدة لخطوط النقل والشحن الدولي، وشاركت قطعة أخرى في مهمة دولية مطلع أكتوبر 2009 في إطار التعاون الدولي لجهود عمليات حفظ السلام ومكافحة القرصنة والإرهاب البحري ضمن قوة الواجب المشتركة 151 والتي تنضوي تحت مظلة الأمم المتحدة، كما شاركت بقوة شرطة لتثبيت الأمن ومحاربة التطرف في أفغانستان.
ثالثها: الإسهام البارز في المؤتمرات الإقليمية والدولية المخصصة لمكافحة الإرهاب وعمليات تمويله، والملاحظ هنا أن الدور البحريني لا يقتصر على المشاركة فحسب، بل يسعى إلى تقديم المقترحات والحلول التي دائماً ما تنال الموافقة والتأييد الدوليين، ومنها مقترحها عام 2009 لدى مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإنشاء مركز لمكافحة الإرهاب على مستوى الخليج، وإيجاد نهج أمني متطور في مواجهة الإرهاب، ناهيك عن دورها في مؤتمرات واجتماعات مجموعة العمل المالي الدولية «فاتف» التي تهتم بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، وعضويتها واستضافتها لمقر مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «مينافاتف».
رابعها: التدريب المستمر ورفع الكفاءة القتالية للأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب كالتمرين المشترك للحرس الملكي البحريني وقوة من الحرس الرئاسي لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في سبتمبر 2014، والذي أكد جلالة عاهل البلاد المفدى خلال حفل ختام هذا التمرين على أهمية الاستعداد الدائم للتصدي للإرهاب بمختلف أشكاله، وكذلك التدريب المشترك «خالد بن الوليد» الذي استضافته المملكة في مايو 2014، ونفذت خلاله عناصر من القوات الخاصة الملكية ووحدات الصاعقة المصرية العديد من الأنشطة والفعاليات التي تشمل أعمال مقاومة الإرهاب وتحرير الرهائن، علاوة على تمرينات أخرى سابقة كالتمرين المنفذ بين القوة الخاصة الملكية والقوات الخاصة الأمريكية في أبريل 2012 واستمر شهراً لرفع درجة الاستعداد القتالي وتحقيق التكامل والتخطيط المشترك في مكافحة الإرهاب.
وهذه المؤشرات التي تعكس الجهود البحرينية المميزة في مكافحة الإرهاب وعمليات تمويله تنطلق من رؤية وطنية خاصة وموقف مبدئي ثابت، حيث ترى المملكة الإرهاب باعتباره جريمة دولية ليس بمقدور أية دولة من دول العالم أن تواجهه بمفردها، وأنه لا يمكن لأي دولة أن تعزل نفسها عن التهديدات والتحديات الإرهابية التي تجرى في محيطها الخارجي، والتي تشكل مصدراً لعدم الاستقرار الداخلي، وأن التحديات التي يشـكلها الإرهاب المنظم تمثل مشكلة كبرى للعديد من دول العالم، ومنها البحرين، وهو ما يحتم ضرورة الاهتمام بآليات التعاون الدولي فيما بين الدول لاتخاذ خطوات وإجراءات عملية وفعالة تتناسب مع الأبعاد الجديدة والانتشار السريع لهذا الإجرام المنظم.
وواقع الأمر، أن البحرين أدركت خطورة ظاهرة الإرهاب منذ أمد، وقامت بإصدار قانون رقم 58 لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، وكان تعريف الإرهاب في القانون متسقاً مع مجمل ما نص عليه من تعريفات في الاتفاقيات الدولية المتعددة، كما قامت ومنذ العام 2001 بتأسيس لجنة حكومية مكونة من ممثلين عن الوزارات والهيئات المختصة كي تتولى مسؤولية وضع السياسات الخاصة بحظر ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
يضاف إلى ذلك أن البحرين أدرجت العديد من المنظمات على لائحة المنظمات الإرهابية، وتعد من البلدان المتقدمة في مجال الانضمام إلى الاتفاقات الدولية لمكافحة الإرهاب، وهناك عدة اتفاقات انضمت إليها، أبرزها: اتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، واتفاقية قمع أعمال الإرهاب النووي، وغيرها. إن هذه الجهود العظيمة للبحرين في مجال مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، والذي يعد غيضاً من فيض، تعبير عن إيمان المملكة بدورها في مشاركة دول العالم في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، والتزامها الراسخ بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترامها للقانون الدولي.