هذه الشريحة الواسعة والفضة الطرية في عالمنا، هي الحجر الأساس لبناء الأسرة وبالتالي الأمة والمجتمع ولكي نبتدئ من الأسرة يجب أن ننشئ أسرة متعلمة ومؤمنة تحترم الحياة، ولكي تكون لدينا أسرة بهذه الصورة العالية من الثقافة الروحية والوطنية في ذات الاتجاه الواحد، يجب علينا العودة لمعرفة الشخصين اللذين يكوّنانها وهما الأب والأم اللذين كانا يوماً من قبل شاب وشابة، وهذا يعني العودة إلى مؤسس الأسرة الصالحة ونبدأ من هناك العمل الجاد لحياة أفضل.فإن تمكنا من بناء شباباً وشابات صالحين يحملون ثقافة مبادئ روحية، نكون قد توصلنا إلى إعداد إنسان في أعلى مستويات الوعي والإدراك الكاملين لفهم الإنسان لذاته، وكيف عليه أن يعمل مع أخيه الإنسان، وما هو مطلوب منه أن يعمل ليقدم للآخرين مهما كانوا مختلفين عنه في الجنس أو اللون أو الدين... الخ.
ونحنُ نعدُّ هذا الإنسان روحانياً نكون قد أعددنا شخصاً صالحاً ووطنياً، يكون أميناً لوطنة مدافعاً عنه لا يتركهُ للمجهول، كما نرى شباب اليوم، فهم يتشبثون بالظروف والأحداث الحالية والمشاكل المادية ويجيرونها ذريعة لترك الأرض والوطن والحضارة واللّغة. وما يجري الآن أو كان من قبل أو سيكون مستقبلاً وهم بذلك لا يعلمون أنهم يهربون من تحمّل المسؤوليات التي تقع عليهم لتغيير الواقع المرير إلى الأفضل حتى لو كان الثمن دماء الشهداء من أجل إصلاح وتثقيف العقول لبناء الإنسان إلى الأحسن والعيش معاً بسلام.
من هنا أعتقد أنه يجب أن نهتم بجانبين أساسيين من حياة كل إنسان، الأول الجانب الروحي والثاني الوطني وبالتحديد الشباب منهم فهم لبنة الأولى لبناء الأسرة والمجتمع على السواء، ويقيناً أن هذين الجانبين متلازمان ومتطابقان ومتّحدان ولا ينفصلان إن كنّا بالحقيقة نحب بناء الأرض والوطن، علينا أن نبني الإنسان الروحاني أولاً، وحتى لو أراد البعض أن يفصل هذين الجانبين عن بعضهما، فهم بذلك يجعلون الحياة الروحية ناقصة ويبعدونها عن الحياة الوطنية ومسؤوليتها وينتهي الجانب الوطني ويستمر مبتوراً يتوكأ على عكاز مكسور حتى يسقط، وخيرُ شاهد على هذا، هي الأحداث المؤلمة التي نراها تحدث في العراق اليوم، وكذلك في مناطق كثيرة من العالم هذه هي نتاج حقيقي للتربية الروحانية السلبية الخاطئة التي أنشئ عليها كثيراً من هؤلاء الشباب المغفلين والمغلوب على أمرهم بطريقة أو بأخرى، لكن المهم فيه لهذا الشباب أنه قد توصلت تربيته بأن هذا الطريق هو الصحيح في الوقت الذي هو يمشي في طريق الظلام والضلالة ليس بإزهاق الأرواح البريئة فقط، بل سلب خيرات البلد وتدميرها لأنه أنشئ هكذا وتربى وبنيَ على أسس ومبادئ روحانية خاطئة لا ترضي الله ولا يقبلها ضمير الإنسان العاقل، وبالتالي يبقى يعيش في حياة الوهم بلا هدف بعيداً عن المسؤولية وعمل الصلاح لإسعاد البشرية.
أتوجه لكل شاب وشابة لكي يعي وأن يعلم الجميع أن للحياة اليومية الروحية أهمية ترابط متين لاستمرار حياتهم الوطنية ولا يمكن فصلهما، بل إن الأولى تبني الثانية وتعطي ثمارها الحياة الأفضل للجميع. إذاً علينا أن لا ننهزم أمام الصعاب والمشاكل التي تواجهنا نحن الشباب المؤمن ونواجه عالم الشرّ كما نراه اليوم، بل من الواجب على كل منّا أن نقف بكل ثقة بالنفس لتغيير هذا الواقع المفروض على الجميع سواء على فاعلي الشر أو على الذين هم ضحايا هذا الشر وهذا الطريق المظلم. وللفهم السليم الحقيقي لعلاقة الجانب الروحي «التربية الدينية» وسمو ثقافتها ونكران الذات، والجانب الوطني «التربية على حب الأرض والوطن» وثقافة الإخلاص والصدق والأمانة والحياة من أجل البقاء لإسعاد الآخرين، يجب وضع وإعداد مناهج مخطط لها ومدروسة مسبقاً من قبل الآباء الروحانيين «رجال الدين» لجميع الأديان على السواء ورجال الدولة «السياسيين» كلّ في فلكه الخاص أي في مجال واجب عمله جنباً إلى جنب ويداً بيد لنحصد عملنا الذي هو الهدف الواحد وبناء الشباب الواعي الأمين وبالتالي الإنسان المثقف الذي يحمل بذرة الإيمان ومحبة الوطن ومحبة الآخرين وقبول باقي الأمم والعيش معهم بسلام دائم، فالإنسان الصالح بالتأكيد سوف يكون مدرسة صالحة وطريقاً سليماً لجلب الآخرين لعمل الخير وبالتالي آلة نظيفة لبناء حياتهم الذاتية في هذه الدنيا وفي الدهر الآتي، وقد لا يوافقني الكثيرين بقولهم إن هناك أمماً وشعوباً لا دين لهم ولا يعرفون الله ولا يؤمنون بوجوده، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن أنا أقول حتى هؤلاء قد وضعوا لأنفسهم شرائع أرضية من خلالها يؤمنون أنهم وبها يستطيعون بناء الإنسان الصالح والمنتج يحب نفسهُ أولاً ويحب الآخرين ويحب أرضهُ ووطنهُ ويخلصُ ويتفانى من أجلها وهم سعداء ويسعدون أمم وشعوب أخرى، وهذا ما نراه في اليابان والصين، على سبيل المثال لا الحصر. لذلك أعود وأؤكد على تربية الشباب وبالأحرى الأطفال والفتوى الذين سوف يكونون شباب المستقبل يؤمنون ويعترفون بشراكة الجميع في هذه الأرض وبالمساواة والعدالة والأخاء والحق للجميع للعيش بحرية وسلام، وعلى رأس كل هذه الصفات الحسنة اللائقة بالإنسان هي المحبة لأن المحبة لا تعرف الشرّ بل تعمل الخير في كل حين.
ربما يتوهم الكثيرون أن هذه المسؤولية تبدأ من الأسرة أي الأب والأم، ولكن أقول وبكل يقين رغم أن للأسرة دورها الرائد في التربية، ولكن متى يكون ذلك ومن أين تبدأ هذه المسؤولية...!؟ أقول متأكداً أن الآباء الروحانيين وجنباً إلى جنب رجال الدولة هم المسؤولون عن تنشئة الشباب قبل الأسرة لسبب واحد ووجيه هو أن هؤلاء الشباب هم آباء وأمهات الأسرة المستقبلة، وعند ذلك يأتي دور الأسرة والبيت. وما نراه اليوم من ترك الأوطان وهجرها وما يصنعه العنف وآثاره على الآخرين، ما هو إلاّ حصاد مرير لتنشئة خاطئة وتسيّب وفلتان روحياً ووطنياً للشباب وغيرهم. لكن ما هو مطلوب منّا أن نقف بكل تواضع والشعور بالمسؤولية تجاه الإنسان والوطن للعمل معاً للتغيير والإصلاح لبناء الإنسان ونشر مبادئ المحبة والسلام لخير جميع الأمم.

عبداللطيف بن نجيب