138 مليون دولار التبادل التجاري بين البحرين وروسيا عام 2011
الزيارة الملكية سبقتها اتصالات وزيارات كثيفة خلال العام الحالي
إبراز وجه البحرين الحضاري المشرق كنقطة جذب دبلوماسي
مجلس الأعمال المشترك يمثل قاطرة نمو علاقات البلدين الاقتصادية

تكتسب زيارة العاهل المفدى المزمع القيام بها اليوم إلى جمهورية روسيا الاتحادية أهميتها من عدة عوامل رئيسية، إحداها يتعلق بأنها تأتي ضمن جهود القيادة الرشيدة لاستئناف نشاطها ومساعيها الحثيثة لتمتين علاقات البحرين مع شتى دول العالم، سيما الدول الكبرى منها، وبغرض فتح آفاق جديدة لتطوير علاقات المملكة وتنويعها في عالم لم يعد ممكناً فيه التواجد أو التعايش بشكل منفرد.
كما أن الزيارة المنتظرة هي الزيارة الثانية التي يقوم بها العاهل المفدى لجمهورية روسيا الاتحادية منذ زيارته الأولى لها عام 2008، الأمر الذي يضفي عليها أهمية خاصة، ليس فقط لأنها تأتي في ظل ظروف وتطورات إقليمية ودولية سريعة ومتلاحقة تستدعي التشاور والتنسيق بين الدولتين المعنيتين وبعضهما بعد نحو ست سنوات من الزيارة الأولى، وإنما لأنها تصب في خانة تحركات العاهل المفدى الدبلوماسية المتواصلة، والرامية إلى توسيع شبكة تحالفات المملكة بأقطاب النمو الجديد في العالم والقارة الآسيوية تحديداً، سيما بالنظر إلى جملة الزيارات التي قام بها جلالته لعدد من الدول هناك في غضون الأشهر القليلة الماضية.
نقطة جذب دبلوماسي
وتجيء الزيارة السامية بعد أقل من نحو خمسة أشهر من الزيارة التي قام بها سمو ولي العهد إلى موسكو في إبريل الماضي، والتي واكبت التوجهات الملكية الرشيدة بدعم علاقات البحرين مع روسيا، ومهدت الأجواء للزيارة الملكية وتنظيم وتقنين أطر التشاور الثنائي بين البلدين، وذلك بالنظر إلى النتائج التي تحققت من وراء هذه الزيارة الأخيرة التي لم يمر عليها سوى أشهر معدودة، وفي مقدمتها: إبراز وجه البحرين الحضاري المشرق كنقطة جذب دبلوماسي تتلاقى فيها الأدوار والتفاعلات الإقليمية والدولية، والترويج للحوافز التشجيعية والإغراءات التنظيمية التي تقدمها بيئة الأعمال البحرينية لجذب مزيد من الاستثمارات، فضلاً بالطبع عن الحرص الذي أبدته البحرين من خلال جولات المباحثات والاجتماعات التي جرت آنذاك بين مسؤولي الدولتين في شتى القطاعات ومجالات التعاون على تنمية العلاقات الثنائية المشتركة بالشكل الذي يعود بالخير على البلدين والشعبين الصديقين.
وأخيراً، وليس آخراً، يأتي العامل الرابع الذي يزيد من وقع وأهمية الزيارة الملكية المرتقبة، وهو أنها تجيء في سياق عدد من الاتصالات والمشاورات المستمرة التي قام بها، ولايزال يقوم بها، مسؤولو الدولتين لتعميق العلاقات المشتركة، حيث يلاحظ أن زيارة العاهل المفدى المنتظرة سبقتها عدة اتصالات وزيارات كثيفة جرت خلال العام الحالي بين المسؤولين في كل من البحرين وروسيا، ما يؤكد رغبة البلدين في الوصول بعلاقاتهما إلى مستوى عال من التنسيق والتشاور.
ولعل من أبرز هذه الاتصالات اللقاءات التي قام بها السفير الروسي في المملكة مع عدد من كبار المسؤولين في المملكة خلال الفترة الأخيرة، وكان أبرزهم رئيس ديوان صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الشيخ حسام بن عيسى آل خليفة، والدكتور صلاح بن علي عبدالرحمن وزير شؤون حقوق الإنسان، والشيخ خليفة بن دعيج بن خليفة آل خليفة رئيس ديوان سمو ولي العهد، والدكتور محمد مبارك بن دينة الرئيس التنفيذي للمجلس الأعلى للبيئة الذي استقبل السكرتير الأول بالسفارة الروسية، والسيد علي بن صالح الصالح رئيس مجلس الشورى، والدكتور عبدالحسين بن علي ميرزا وزير الدولة لشؤون الكهرباء والماء، وغيرهم.
وكشفت هذه اللقاءات المستمرة عن عدة حقائق مهمة، منها مسعى البلدين لتأسيس ودعم الروابط التي تربطهما، وتحركاتهما الدؤوبة لترسيخ وتعزيز الروابط الثنائية، وحرصهما على متابعة ملفات التعاون والتنسيق المشترك، ناهيك عن شمولية مجالات التعاون التي لم تقتصر على البعد السياسي والاقتصادي فحسب، وإنما تجاوزت ذلك لتشمل العديد من القطاعات المستحدثة وعلى المستويات كافة.
وتظهر هذه المعاني جلية واضحة بالنظر لجملة التفاعلات التي شهدتها اتصالات البلدين منذ مطلع العام الحالي، إضافة إلى ما سبق ذكره، وكان منها: استقبال جلالة العاهل المفدى وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد للممثل الخاص للرئيس الروسي في النصف الأول من شهر إبريل الماضي، واستضافة المملكة لأعمال الاجتماع السابع لمتابعة نتائج الزيارة السامية لروسيا التي جرت عام 2008، وهو الاجتماع الذي ترأسه وزير الصناعة والتجارة البحريني بحضور السفير الروسي لدى المملكة، الذي قاد من جانبه عدة تحركات واسعة لتعزيز العلاقات مع البحرين، ومنها لقاؤه بوزير الخارجية بمكتبه بالديوان العام للوزارة، وكذلك لقاؤه برئيس الحرس الوطني بمكتبه في فبراير الماضي، وأيضاً بوزير التربية والتعليم في الفترة ذاتها، فضلاً عن مشاركة البحرين في الاجتماع الوزاري الثالث للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وجمهورية روسيا الاتحادية الذي عقد بالكويت في فبراير الماضي، الأمر الذي يكشف عمق العلاقات الثنائية من جهة ومساعي الدولتين لتعزيزها من جهة أخرى.
مقومات العلاقات
البحرينية الروسية
وواقع الأمر أن كثيراً من المقومات تستند إليها العلاقات البحرينية الروسية، والتي يتوقع أن تدعمها الزيارة الملكية المرتقبة، ومن بين هذه المقومات: عمق الاتصالات الواسعة بين مسؤولي الدولتين وشموليتها واستمراريتها وكثافتها، مثلما تبين في الفقرات السابقة، إضافة إلى المواقف المشتركة والمتناغمة تجاه الملفات المحلية والإقليمية والدولية، وتقدير الدولتين لهذه المواقف إزاء الأخرى، ولعل أبرزها السلام في الشرق الأوسط والأمن والاستقرار في الإقليم والعالم، ناهيك عن إدانة موسكو لتفجير منطقة «الدية» الإرهابي، وإشادتها بـ «الحوار الوطني» الذي دعت إليه القيادة الرشيدة، واعتبرته الوسيلة الوحيدة لحل أية خلافات، الأمر الذي يعكس تأييد موسكو لجميع الإجراءات التي تتبناها المملكة للتصدي للأعمال الإرهابية التي تواجهها، وهو الموقف ذاته الذي تتبناه البحرين بعد أن قدمت تعازيها لموسكو في ضحايا تفجير استهدف محطة للقطارات في مدينة «فولغراد» في ديسمبر 2013.
وبجانب عمق الاتصالات الواسعة بين البلدين ومواقفهما المتناغمة إزاء الملفات المختلفة، هناك أيضا مقوم آخر سيدفع العلاقات الثنائية لمزيد من التطور، خاصة بعد الزيارة السامية المرتقبة وما سيجري بها من مباحثات ومداولات مستفيضة، وهو جدوى تعظيم الاستفادة من المصالح الحيوية التي تربط البلدين، وذلك بالنظر إلى ثلاثة اعتبارات:
أحدها يتعلق بالمشروعات الثنائية التي تشمل عدداً كبيراً من القطاعات كتلك القائمة بين ألبا البحرين ونظيرتها الروسية، وإنشاء الشركات المشتركة في الأسمدة والبترول، وتزويد البحرين بالغاز الروسي، وفتح خطوط طيران مباشر بين البلدين، ومعالجة النفايات البيئية وغيرها، وهي المشروعات التي يتوقع أن تزداد وتنمو خلال الفترة المقبلة لتتجاوز أطر التعاون التقليدية المعروفة لتشمل مجالات التعاون الجديدة في مجالات الأمن الغذائي وغيرها.
الاعتبار الثاني يتعلق بالتفاهمات والاتفاقات ومذكرات التعاون الموقعة بين البلدين، وتشمل الكثير من المجالات كحماية وتشجيع الاستثمار وغيرها، والتي تنتظر بدورها أن تتسارع وتيرة نموها وتفعيل ما يرد بها إثر الزيارة الملكية، خاصة إذا علمنا أن مثل هذه الأطر هي نتاج وحصيلة سبعة اجتماعات مشتركة جمعت مسؤولي البلدين، وتهدف في مجموعها إلى رفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين، الذي يتراوح حسب تقديرات متفاوتة بين 130 و138 مليون دولار عام 2011، والاستفادة من عودة القطب الروسي، الذي يبدو أنه يعود وبقوة إلى معترك الساحة الدولية.
والاعتبار الثالث يتعلق بالترتيبات المستقبلية لتطوير العلاقات الثنائية، من قبيل مجلس الأعمال المشترك الذي يمثل قاطرة نمو العلاقات الاقتصادية البحرينية الروسية، ويحتل القطاع الخاص دور الرائد فيه، والذي نجح في تنظيم منتدى البحرين ـ روسيا للأعمال والذي حضره أكثر من 200 رجل أعمال روسي إبان زيارة ولي العهد لموسكو في إبريل الماضي، إضافة إلى مبادرات تفعيل ودعم العلاقات المشتركة من قبيل استضافة البحرين للمؤتمر والمعرض الروسي الخليجي العام المقبل، والمشاركة في الاجتماع الوزاري الثالث للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وجمهورية روسيا الاتحادية الذي عقد بالكويت في فبراير الماضي، والمشاركة أيضاً في القمة الدولية السادسة للتعاون الاقتصادي بين روسيا الاتحادية ودول منظمة التعاون الإسلامي، والاجتماع التشاوري الثالث بين ممثلي برلمانات منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الروسي في الفترة من 5-6 يونيو المقبل، وغيرها.