كتب - محرر الشؤون المحلية:
بعد عمر مقارب للتسعين؛ ترجل عميد خطباء البحرين الشيخ أحمد بن خلف آل عصفور، عن المنبر الحسيني، وأسلم الروح بهدوء بعد مسيرة طويلة، من الخطابة والوعظ والإرشاد.
العصفور الذي عرفته المنابر الحسينية بصوته الشجي وقدرته الفذة على استدرار الدمع على الإمام الحسين (ع)، قضى جل عمره مدافعاً عن قيم الإسلام، حريصاً على إصلاح ذات البين، وحفظ البيت البحريني من التطرف والغلو.
ونعت إدارة الأوقاف الجعفرية، وفاة عميد المنبر الحسيني في البحرين العلامة الشيخ أحمد بن خلف آل عصفور، الذي وافاه الأجل أمس، بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء، ونعاه وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة، وكتب في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: رحم الله فضيلة العلامة الشيخ أحمد بن خلف العصفور، فقدت البحرين رجل علم، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته».
ينتمي العصفور لأسرة علمية عريقة، أنجبت عديداً من علماء الدين البارزين، تزعموا الحركة العلمية وأثروا المكتبات الإسلامية بالعديد من المؤلفات، أبرزهم صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني، وابن أخيه العلامة الشيخ حسين الشهير بصاحب السداد.
شغل العصفور عدة مناصب رسمية، وتدرج في منصب القضاء الشرعي من قاض بالمحكمة الكبرى الشرعية إلى وكيل لمحكمة الاستئناف العليا الشرعية، طوال 40 عاماً، حتى عين مستشاراً بالمجلس الأعلى للقضاء إلى وفاته، وكان عضواً بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية منذ العام 1997 إلى 2010.
وخلال هذه المدة، مارس الشيخ العصفور العمل الديني، الذي ابتدئه بالخطابة الحسينية، ثم إمامة الجمعة والجماعة، والتدريس، إلى أن أسس حوزة العلمين بقرية بوري، وتميز العصفور بالمواقف السياسية الواقعية والمتزنة.
نسبه ودراسته
هو العلامة الشيخ أحمد بن الشيخ خلف بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن علامة البحرين الكبير الشيخ حسين (صاحب السداد) بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ إبراهيم آل عصفور.
ولد الشيخ العصفور العام 1925 ، ووالده هو قاضي البحرين البارز الشيخ خلف العصفور، ونشأ في ظلاله على حب العلم، فألحقه بالمدارس الأهلية المعروفة بالكتاتيب، ذلك أن المدارس النظامية لم تكن منتشرة حينها في جميع مناطق البحرين، وشاءت الأقدار أن تمتد يد المنون لوالده وعمره آنذاك لم يتجاوز العاشرة، وكان قبلها بعامين فقد والدته أيضاً.
التحق بعد وفاة أبيه بمدرسة قاضي التمييز الشيخ عبدالحسين الحلي، وكانت وقتها تعطي دروسها بمسجد الخواجة بالمنامة، ومن أساتذته خلال هذه الفترة الشيخ عبد الحسن آل طفل، والشيخ محمد علي حميدان «والد وزير العمل جميل حميدان»، والشيخ عبد الله آل طعان، والشيخ عبد الحسين الحلي، والشيخ إبراهيم المبارك.
هاجر إلى النجف الأشرف بعد حصوله على بعثة من إدارة الأوقاف الجعفرية العام 1946، وهناك درس عند الكثير من علمائها، وحضر أبحاث الخارج «المرحلة العليا في الدراسة الحوزوية» لدى المرجعين الكبيرين السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي.
الخطابة والصلاة
لعل أبرز الألقاب التي اشتهر بها الشيخ العصفور هو لقب عميد المنبر الحسيني، فقد كان يتمتع بصوت جهوري مميز وأسلوب راق وقدرة عليه على التأثير على المستمعين، وكان إضافة إلى ذلك يلامس مشاكل الناس الاجتماعية والدينية في طرحه، وقد تعلم الخطابة الحسينية لدى الشيخ محمد علي حميدان، ثم أخذ نجمه يعلو في سماء الخطابة الحسينية، لا في البحرين فحسب، بل تعدى ذلك إلى دول الخليج والعراق وإيران ولبنان، وذلك خلال سفره للدراسة أو زياراته المستمرة لتلك المناطق. وتعدت خدمته للمنبر الحسيني 60 عاماً، شكل خلالها مدرسة فريدة من نوعها، وتتلمذ على يديه العديد من الخطباء.
أما في الصلاة، فأقام الشيخ العصفور صلاة الجماعة في العديد من مناطق البحرين، وأقام صلاة الجمعة في منطقة عالي العام 1997 بعد وفاة الشيخ إبراهيم المبارك، وكان في خطب الجمعة يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، ينتقد الباطل بلا توقف ويسند الحق بلا تملق، يثبت العقيدة، ويدعو للتقوى وينتقد الواقع الاجتماعي ويبين الأحكام الشرعية، ويحث على الوحدة والتآلف والتوادد والتراحم، ويزود الأجيال بالمعارف بالمفاهيم والثقافة الإسلامية، ويدفع الشبهات التي تثار على الإسلام. تولى القضاء الشرعي العام 1962 بمعية الشيخ عبد الحسين والشيخ باقر العصفور والشيخ منصور الستري وعين رئيساً للمحكمة الكبرى سنة 1972 ثم قاضياً في محكمة الاستئناف العليا الجعفرية سنة 1977 ثم وكيلاً لها ثم قائماً بأعمال رئيسها ثم مستشاراً للمجلس الأعلى للقضاء سنة 2004.
له عدد من الآثار المطبوعة، وهي: مزار الحرمين، بذل الجهود في ردع أعدائنا واليهود، معركة المسلمين في التاريخ، الكلمة الخالدة، المسائل الدينية في حلقات، قصص العصفور، إضافة لبعض المؤلفات المخطوطة، وهي رسالة الجمعة، المسائل التوبلانية القنطورية في الأجوبة العصفورية، خطب الجمعة، عرفان المجالس، تحفة الحاج، مجالس أهل الذكر، رياض العارفين، من هنا وهناك، إضافة لمقالات وبحوث متفرقة وبعض القصائد، كما كان للشيخ العصفور نشاطات اجتماعية وثقافية بارزة، إذ أشرف سماحته على طباعة الكثير من المؤلفات، وقرظ كثيراً من المطبوعات، وتصدر قائمة المشاركين في احتفالات التأبين وافتتاح المساجد والمآتم، وقام بعدة مشاريع خيرية وعلى رأسها إنشاء حوزة العلمين الشيخ يوسف والشيخ حسين، تخرج منها علماء بارزون في البلد، وكانت له لكثير من المواقف الإصلاحية الجريئة في البحرين وخارجها، تميز خلالها بالحكمة والحنكة في تدبير الأمور، مع اتصال وثيق بالله عز وجل، وأسهم في تعمير العديد من المآتم والمساجد داخل البحرين وخارجها.
إجازاته
حصل الشيخ العصفور على العيد العديد من إجازات العلماء، منهم الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء والشيخ إبراهيم المبارك، والسيد محمد رضا الكلبيكاني والسيد علي الحسيني الفاني والسيد شهاب الدين المرعشي النجفي، والسيد أبو القاسم الموسوي الخوئي والشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني والشيخ محمد علي الأراكي والشيخ الفاضل اللنكراني.
عرف عن الشيخ العصفور دعوته للجميع بالعمل على توحيد الصف، وجمع الكلمة والعمل لمصلحة البلاد والعباد، وأن يستفيدوا من تجاربهم وتجارب الآخرين ممن سبقوهم في هذا المجال، وأن يبذلوا الجهد في خدمة الناس والوطن، وأن لا ينشغلوا بالقضايا الهامشية، ويركزوا على العمل المثمر.
وعرف عنه سعيه الدؤوب لخدمة مصالح الناس ومعالجة أوضاعهم الاجتماعية، ولعل أبرز ما يتذكره المواطنون في هذا الصدد، هو سعيه لإطلاق ثمانية من المواطنين الموقوفين في المملكة العربية السعودية بعد مضي 130 يوماً على اعتقالهم العام 2008، إذ التقى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وعرض عليه طلبات أهاليهم بالنظر في مشكلتهم، وعد العاهل خيراً بشأنهم، فأطلقت السلطات السعودية سراحهم بعد اللقاء بأيام.