فتح حساب في صندوق التقاعد دون امتلاك صفة شخصية أو اعتبارية
دفع رواتب الموظفين من %4 يدفعها التجار للاحتيال على الخدمة المدنية
الفسـاد استشـرى فـي كل شبـر ومسـؤولـون لم
ينبسوا بكلمة
تحميل رواتب الموظفين على الـ %4 المدفوعة من قبل التجار بعد رفض الخدمة المدنية التوظيف
كتب - طارق العامر:
لم يتوقف فساد المجلس الأعلى للتدريب المهني عند دخول مبالغ هائلة إلى جيوب متنفذيه دون معرفة أوجه صرفها، بل تجاوزه بحسب معلومات تحصلت عليها «الوطن» إلى سلسلة مخالفات وتجاوزات بينها فتح المجلس حساباً في صندوق التقاعد من دون أن يكون له صفة اعتبارية أو موظفين باعتباره استشارياً، وترقية أحد الموظفين ليكون رئيس قسم الشؤون المالية رغم عدم امتلاكه مؤهلاً أكاديمياً، وتعيين مستشار تدريب في وظيفة ليس لها وجود أساساً جراء صداقة تجمع وزير سابق بالموظف.
وقالت مصادر لـ «الوطن» إن «الفساد في المجلس وصل إلى تحميل رواتب الموظفين على الـ%4 المدفوعة من قبل التجار بعد رفض ديوان الخدمة المدنية التوظيف لعدم وجود موازنات، إضافة إلى استمرار التوظيف بشكل مخالف من عام 2005 حتى 2011 رغم عدم وجود هيكل في المجلس».
وكشفت المعلومات أن «القائمين على المجلس في مراحل مختلفة تورطوا بتعيين موظفين في المجلس وفي إدارات بوزارة العمل من غير علم ديوان الخدمة المدنية، مع تحميل رواتبهم لموازنة المجلس الأعلى للتدريب المهني».
إدارة الموارد البشرية
وتقول المصادر- التي طلبت عدم ذكر اسمها- إنه «في عام 1996 وهي نفس الفترة تقريباً التي تحول فيها المركز المهني للتدريب إلى معهد البحرين للتدريب، بدأت تخرج إلى السطح مشكلة التوظيف على حساب موازنات المجلس الأعلى للتدريب المهني، إذ إنه بعد تحويل الموظفين من إدارة القوى العاملة إلى معهد التدريب أصبحت هناك شواغر في الإدارة المعنية التابعة للمعهد».
وتضيف أنه «عندما قرر مدير الإدارة آنذاك توظيف بعض المرشحين، رفض ديوان الخدمة المدنية التوظيف لعدم وجود موازنات للتوظيف، هنا بدأ يستنبط المدير حيلاً جديدة، فقرر انتهاج أسلوب مغاير لخداع ديوان الخدمة عبر تحميل ميزانية التوظيف على موازنات المجلس الأعلى لشغل الشواغر الموجودة على الهيكل التنظيمي المعتمد لإدارة القوي العاملة (تنمية الموارد البشرية حالياً) وبذلك يكون حل الإشكالية من خزينة الـ %4 التي يدفعها التجار للمجلس الأعلى للتدريب».
مجلس دون شخصية اعتبارية
وتشير المعلومات إلى أن «وزير العمل آنذاك فتح حساباً جديداً للمجلس الأعلى للتدريب في الهيئة العامة لصندوق التقاعد مستغلاً خطأً إدارياً غير مقصود، رغم أنه ليس للمجلس أي صفة أو شخصية اعتبارية لكونه مجلساً استشارياً لمجلس الوزراء حسب ما نص عليه المرسوم، ولا يحمل أداة تنفيذ، وبالتالي لا يحق أن يكون له حساب بالهيئة العامة لصندوق التقاعد ولا موظفون». وبحسب المصادر فإن «الأخطاء الإدارية استمرت في توظيف مرشحين عن طريق موازنات المجلس ولكن على الوظائف المعتمدة في الهيكل الخاص بالإدارة سواء كانت شاغرة أو مشغولة من قبل موظفين يعملون بالوزارة، وظل الحال على ما هو عليه، حتى بدأت تتكشف بعض التجاوزات وتظهر المشاكل».
وتتابع المصادر: «تم أخذ موافقة ديوان الخدمة المدنية في لحظتها على بعض حالات التوظيف، وهو أيضاً خطأ إداري وقع فيه المسؤولون في ديوان الخدمة المدنية آنذاك من دون قصد، وتم من خلال هذا الخطأ توظيف تلك الحالات، إضافة إلى تعيين حالات أخرى من غير علم ديوان الخدمة المدنية ولم يتم إخطاره بالتعيين، بل وتم تعيين العديد والعديد من الموظفين في إدارات بوزارة العمل من دون علم ديوان الخدمة المدنية، وكل تلك الحالات تم تعيينها على موازنة المجلس الأعلى للتدريب المهني الذي هو في الأساس مجلس استشاري وليس تنفيذياً وبالتالي الحاجة لا تستدعي أن يكون لديه لوائح إدارية ولا مالية».
الفساد يستشري
بعض المسؤولين في وزارة العمل وعلى رأسهم الوزير آنذاك، كانوا يشاهدون- بحسب المعلومات التي تحصلت عليها «الوطــن»- «الفساد وقد استشرى فـــي كل شبر من وزارتهم ولم ينبسوا بكلمة، وهو ما شجع اموظف المذكور سابقاً على منح نفسه الدرجة التخصصية كرئيس لقسم الحسابات (الشؤون الإدارية) بنفس الإدارة على الرغم من أنه ليس لديه المؤهل الذي يؤهله للدرجة التخصصية»، فيما أكدت المصادر أن هذا «المسؤول خرج من المجلس الأعلى للتدريب ولا يعمل حالياً بالوزارة وقد تورط في مخالفات إدارية عديدة جرته للمحاكم».
انكشاف المستور
المصادر أوضحت لـ «الوطن» أنه «في العام 2005 ظهر مرسوم بإعادة تنظيم وزارة العمل -قطاع التدريب- حيث تم تحويل مكتب ترويج التدريب إلى إدارة شؤون المعاهد وتحول مسمى إدارة تنمية القوي العاملة إلى إدارة تنمية الموارد البشرية وأيضاً تم استحداث إدارة معهد البحرين للتدريب تحت نفس القطاع، ثم تحول المعهد رسميا إلى وزارة التربية والتعليم في العام 2011 ومن حينها بدأت الأمور تستقر وبالفعل نجح الوزير ماجد النعيمي في سد كل أبواب الفساد التي كانت موجودة بالمعهد».
وتابعــــت المصادر: «حينها بدأ ينكشــــف المستور وتنبعث رائحة العطب من مكامن الفساد، وتكشفت حقيقة التعيينات في مجلس التدريب المهني، والذي أصلاً وكما أسلفنا من قبل، لا يحق التوظيف عليه وبمسميات مختلفة لا تتناسب مع هيكل إدارة تنمية الموارد البشرية ومخالف لأنظمة ديوان الخدمة المدنية».
وأشـــارت المصـــادر إلــى أن «التطــورات الجديدة جعلت أمام مدير إدارة تنمية الموارد البشرية نوعين من الموظفين، الأول وضعــــه قانونــــي صحيـــح نظـــراً لتوظيفهم عن طريق ديوان الخدمة المدنية، والآخر غير قانوني بسبب توظيفهم بشكل بطريقة مخالفة لأنظمة ديـوان الخدمة المدنية، رغم أن بعضهــم يعمل في وزارة العمل وبمسمى موظفي المجلس الأعلى، وآخرون مكلفون بالعمل في إدارات أخرى ولكن يتحصل على راتبه من اشتراكات التدريب المهني أي إن التجار هم الذين يدفعون راتبه». وأردفت: «حينها بدأ ديوان الخدمة المدنية التحرك بعد أن توضحت الصورة، وقام على الفور بتنبيه وزارة العمل إلى سرعة تصحيح الوضع القائم، على أن يتم تحويل جميع الموظفين الذين يعملون تحت موازنة المجلس إلى موازنة الوزارة متى توافرت الاعتمادات المالية».
خلط الأوراق
وقالت المصادر إنه «مع 2011 بدأت سلسلة جديدة من الفساد ولكن بشكل آخر، إذ إن المجلس الأعلى لم يكن قط مجلساً تنفيذياً وما هو إلا مجلس استشاري يترأسه وزير العمل ونائبه الذي يكون عادة وكيل الوزارة، وأما الأعضاء فهم من أطراف الإنتاج الثلاث (الحكومة- أصحاب الأعمال- والعمال) حيث لا يتعدى عددهم 16 عضواً ويعينون من قبل رئيس الوزراء، وبعد أن انحرف المجلس عن المسار الأمثل لفكرة إنشائه، أصبح له كيان وموظفون من دون أي وجه قانوني كما هو واضح في المراسيم والقرارات الوزارية».
وأوضحــــت المصادر أن «إدارة تنميــــة الموارد البشرية هي الإدارة المعنية في الوزارة التي تقوم بدور الأمانة العامة للمجلس- ومازال هذا القرار معمول به- ولكن خلط الأوراق تم ظناً بأن المجلس وكالة من غير بواب، إذ يدأب مسؤولون على اقناع الوزير لأن يكون للمجلس طاقم عمل منفصل عن إدارة تنمية الموارد البشرية، وبالتحول إلى مجلس أعلى للتدريب، تكون مهمته تنفيذية ليباشر أعمال مشابهة لما يقوم به المعنيون بإدارة تنمية الموارد البشرية».