خلص تقرير متخصص إلى أن زيارة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الأخيرة لروسيا والمباحثات التي أجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكدت أن البحرين تخاطب القوى الكبرى وتضع مصالحها الحيوية في أولوياتها.
وقال التقرير إن هناك 3 شواهد رئيسة تفسر الاهتمام الكبير بزيارة العاهل المفدى إلى روسيا تشمل الاحتفاء الرسمي والتغطية الإعلامية الواسعة لمشاورات جلالته مع الرئيس بوتين، وجولة المباحثات الواسعة التي عقدت بين العاهل المفدى والرئيس الروسي وشمولها كل أوجه التعاون إضافة لتوقيع برنامجي تعاون بالسياحة والثقافة، إضافة إلى العناية الخاصة التي أولاها العاهل المفدى ورعايته لكل ما من شأنه أن يسهم في تعزيز وضعية البحرين وصورتها وثقلها في المحافل المختلفة.
وأوضح التقرير الذي بثته وكالة أنباء البحرين «بنا» أمس أنه «بالنظر إلى 3 شواهد رئيسة، يمكن تفسير هذا الاهتمام الكبير الذي حظيت به زيارة ، والتغطية الإعلامية الواسعة لمشاورات جلالته مع الرئيس فلاديمير بوتين، خاصة في ظل مسعى البلدين وخطواتهما الحثيثة لتوطيد علاقاتهما الثنائية، وعلى خلفية التحولات التي يشهدها النظام العالمي، وتطورات الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط عامة، وفي غرب القارة الآسيوية بشكل خاص».
وتابع التقرير أن الشاهد الأول يتعلق بهذا الاحتفاء الذي قوبل به العاهل المفدى من قبل المسؤولين الروس قبل وعند وأثناء وجود جلالته في روسيا، والذي يعكس دلالتين مهمتين، إحداها: إقرار موسكو بأهمية الدور الذي تقوم به البحرين كركن في حفظ أمن واستقرار المنطقة، سيما أن البحرين تحظى بعلاقات جيدة ووطيدة في محيطها ومع جيرانها، ولها وضعيتها الرصينة باعتبارها دولة خليجية عربية مسلمة بإمكانها أن تكون نافذة جيدة على سوق واسعة تمثل منطقة جذب خاص لدول العالم أجمع، وعلى وجه الخصوص روسيا.
الأخرى تتعلق بالحرص الذي تبديه موسكو لتطوير علاقاتها الثنائية مع المملكة بما يشمل المجالات كافة، وبما يسهم في تحقيق عدة أهداف استراتيجية، لعل من أبرزها فتح أسواق جديدة لها إلى دول المنطقة عبر البوابة البحرينية، واستثمار البنية الأساسية والإغراءات التنظيمية والحوافز التشجيعية التي تقدمها بيئة الأعمال البحرينية لتجنب التركز وتحقيق الانتشار لرأس المال الروسي، ناهيك بالطبع عن تجاوز التطورات الحالية الناجمة عن فرض العقوبات بسبب أزمة القرم.
وقال التقرير إن الشاهد الثاني خاص بجولة المباحثات الواسعة التي عُقدت بين العاهل المفدى والرئيس الروسي، والتي يلاحظ أنها شملت كل أوجه التعاون الثنائي بين البلدين، وتطرقت لكل ما من شأنه أن يكفل ديمومة واستمرارية العلاقات المشتركة، وسبل العمل الضرورية واللازمة لتقنين هذه العلاقات وتأطيرها وتنظيمها بما يضمن لرواد وقطاع الأعمال الوطني في كلتا الدولتين التحرك وقيادة قاطرة التعاون المشترك، ناهيك بالطبع عن تدعيم المواقف المتناغمة المشتركة وترسيخها، والتي أبداها الطرفان ناحية الملفات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام، والتي بحاجة لمزيد من الدعم والتنسيق والتشاور المستمر والمتواصل بشأنها.
وتتضح هذه المعاني جلية عند تحليل مضمون كلمات العاهل المفدى والرئيس الروسي خلال مباحثاتهما بالمقر الرئاسي بمدينة سوتشي، حيث يلاحظ هنا عدة حقائق، أولها: ذلك الاحتفاء الكبير بمرور نحو 25 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الأمر الذي تستحق معه الوصف بأنها «تاريخية متميزة»، مثلما عبر عن ذلك العاهل المفدى، والخطوات الدؤوبة لتطويرها من جانب مسؤولي البلدين، خاصة خلال العامين الأخيرين، بالنظر إلى الزيارة السامية الأخيرة، ودعوة جلالته للرئيس الروسي لزيارة المملكة سيحدد ميعادها في وقت لاحق، فضلاً عن زيارة سمو ولي العهد قبل نحو خمسة أشهر لموسكو، وتحركات السفير الروسي بالمملكة واتصالاته ولقاءاته الواسعة بالمسؤولين في البحرين.
وتحدث التقرير عن شمولية وتنوع مجالات التعاون التي يمكن أن تربط البلدين، ليس فقط بالنظر لحجم العلاقات القائم فعلياً بين الدولتين، السياسية منها والاقتصادية، ولا مذكرات التفاهم وبروتوكولات وبرامج التعاون الموقعة بينهما، وإنما بالنظر إلى مستقبل هذه الأطر التنظيمية، والتي أشار إليها ضمناً العاهل المفدى بالقول: «نحن نملك الكثير من مجالات التعاون منها الثقافي والاقتصادي والاستراتيجي»، ما يعكس إصرار البلدين وقيادتهما على العمل المشترك لتطوير هذه العلاقات، وهو الأمر الذي يفسر التوقيع على برامج عمل إضافية مشتركة بين حكومة مملكة البحرين وحكومة جمهورية روسيا الاتحادية، حيث شمل البرنامج الأول المجال الثقافي، بينما شمل البرنامج الثاني التعاون في المجال السياحي، وذلك بجانب مجالات التعاون المعروفة الأخرى، التي كان سمو ولي العهد قد وقع عليها إبان زيارته في إبريل الماضي.
وأكد «أهمية تبادل وجهات النظر بين قيادات الدولتين بشأن العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وذلك بشكل منتظم وعلى مستوى كبار القادة، وتبدو هذه الحقيقة مهمة بالنظر إلى المواقف المتناغمة والتنسيق المشترك بين البلدين إزاء جملة التحديات والتهديدات التي تواجه المنطقة والعالم، وفي مقدمتها الإرهاب، والملف السوري وغير ذلك، الأمر الذي يضمن وضع حلول ناجعة لكل هذه المشكلات وفقاً لتفاهمات مشتركة تستند لرؤية استراتيجية واحدة، وكذلك بالنظر للدور الروسي المتعاظم في شؤون المنطقة والعالم، والذي عول عليه العاهل المفدى عندما أكد على أهمية هذا الدور وفاعليته، سيما «أن مجريات الأحداث وطبيعة القضايا التي تواجه المجتمع الدولي تتطلب وجود دور روسي محوري لمواجهة التحديات في إطار من الشرعية الدولية»، وذلك مثلما عبر جلالته.
وأشار التقرير إلى أن «الشاهد الأخير الذي يفسر هذا الاهتمام الكبير بالزيارة السامية يتعلق بالعناية الخاصة التي أولاها العاهل المفدى ورعايته لكل ما من شأنه أن يسهم في تعزيز وضعية البحرين وصورتها وثقلها في المحافل المختلفة، ولعل قبول جلالته لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين حضور سباق جائزة روسيا الكبرى للفورمولا واحد في نسختها الأولى الذي أقيم على حلبة سوتشي الدولية، والترحيب الذي قوبل به هناك من جانبه ومن جانب رئيس وزرائه وكبار مسؤولي الدولة الروسية، دليل على ذلك، وتبدو أهمية هذا الحضور السامي لهذه الفعالية الرياضية في ضوء اعتبارين».
وتابع التقرير أن «الاعتبار الأول يتعلق بتجربة المملكة الرائعة والطويلة في تنظيم مثل هذه السباقات، وتاريخ حلبة البحرين الدولية في هذا الشأن يشهد على ذلك، حيث نُظم أول سباق فيها منذ نحو 10 سنوات، وهو ما قد يفرض تطوير التجربة الوطنية والعمل على إمدادها بكل حديث ومستجد، فيما يتعلق الثاني بجهود توفير كل مقومات النجاح لبيئة الأعمال الوطنية ومنتجاتها ومواردها الاستثمارية، ومنها حلبة البحرين، التي تعد مورداً مهماً للدخل الوطني يتراوح عائداته بين 200 إلى 300 مليون دولار، ويسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، ما يستدعي الاستفادة من التجارب الحديثة المشابهة».