تعبق في الذاكرة، من عهد الطفولة حتى اليوم، نفائس ثمينة من العلم والحكمة والأخلاق والعمل الصالح وحب الناس أراها في العم الغالي المغفور له بإذن الله تعالى العلامة الشيخ أحمد بن الشيخ خلف العصفور، طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه، لتضع بصمات رجل عظيم تميز في شخصيته ومنهجه ليورث للأمة الإسلامية كنزاً من العطاء بأسلوب وسطي معتدل أكسبه حباً كبيراً بين مختلف الفئات.
هذه أيام عزاء حزينة لفقد العم العلامة الشيخ أحمد بن الشيخ خلف آل عصفور تعم مملكة البحرين.. لكنها مشيئة الله وإرادته ولا راد لقضائه وقدره.. مؤمنون بقضاء الله وقدره، ولعلنا اليوم ونحن نرى حشود المشيعين في يوم وداعه، وجموع المعزين في مجلس عزائه وهم يتوافدون من داخل البحرين وخارجها.. لعلنا بذلك نستخلص ثمار عمل عالم حرص على أن يجمع بقلبه الكبير كل أهل البحرين، زد على ذلك دوره الأكبر على صعيد العالم الإسلامي وجهوده المشهودة في المحافل التي تتلاقى فيها عقول وجهود العلماء الأفاضل لخدمة الأمة الإسلامية.
ويعرف القاصي والداني، ممن ربطتهم علاقة بفقيدنا الكبير أنه كان مدرسة للأخلاق.. كان يرى دور العالم العامل في نشر العلوم الفقهية والدعوية والإرشاد، لهذا تمكن من أن يقيم جسور العلاقات الطيبة مع كل الفئات والأطراف وأكثر من ذلك، إنه كان يقوم بالأدوار الوطنية في ظروف الأزمات ليضع الحلول المناسبة بصدر رحب، ولم يكن أبداً يضجر مما يقوله أو يروجه أو ينشره المخالفون فيقابل الإساءة بالإحسان، فكان بالفعل بمثابة الأب الذي يرى دوره في أن يظلل الجميع تحت مظلة التسامح والمحبة وتقديم المصلحة وما ينفع الناس.
كل هذه الوجوه الطيبة التي أحاطت بموكب التشييع وتوافدت إلى مجلس العزاء إنما تقدم دليلاً كبيراً على أن حكمة فقيدنا العلامة وجهوده وكل أعماله إنما كانت تسير في طريق مصلحة الأمة ومصلحة الوطن، في منبره.. خطابته.. اشتغاله بالقضاء.. إسهاماته الفقهية والفكرية من جهة، والاجتماعية والإنسانية الخيرية من جهة أخرى، كلها تحتم علينا أن نستخلص من سيرته العطرة العبرة والدروس ونسير على ذلك النهج النير.. علاوة على إسهاماته على مستوى الأسرة العلمية في العالم الإسلامي.. إن أهل البحرين، من مختلف المحافظات بكل مدنها ومناطقها وقراها، توافدت لتعبر عن تقديرها وإجلالها لقامة علمية لا يمكن أن تتكرر، بيد أن منهج العلامة الفقيد الغالي هي ما يجب أن يبقى لنحمله أمانةً ومثالاً للوسطية والاعتدال واحترام الجميع والتواصل مع مختلف الأديان والمذاهب والطوائف.
حري بنا أن نستلهم النهج الإصلاحي الذي آمن به فقيدنا الغالي العلامة الشيخ أحمد على أساس أن عالم الدين شخصية عامة لا حزبية ورسالتها هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ذاته المنهج الذي كان الجد العلامة الشيخ خلف آل عصفور ينتهجه في تقديم مصلحة الوطن وأهله وسطر بذلك نضالاً ضد الاستعمار وسعياً لخير البلاد والعباد، ولله الحمد والمنة، فإن هذا النهج الذي تسير عليه العائلة حملاً للأمانة والمسؤولية الوطنية.
ويعجز لساني عن تقديم الشكر لأصحاب السمو والمعالي والسعادة.. بدءاً بالعائلة الحاكمة الكريمة وأخص بالذكر وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الذي شرفنا باستقبال المعزين، مروراً بكل المسؤولين والمواطنين والمقيمين الذين شاركوا معنا في التواسي والتآزر.. ولعل فقيدنا الكبير قد أراد أن تبقى هذه الصورة في حياته وفي مماته.. يوحد الجميع.. يطيب قلوب الجميع.. يزيل الجفاء والتباعد ويسهم في حل الخلافات ويزرع في النفوس والقلوب تلك النبتة الطيبة الكريمة للبذل والتضحية والعطاء من أجل أن يعم الخير على الجميع.. وما أحوجنا إليه اليوم في البحرين.
رحمك الله يا عمي الغالي.. وتغمدك بواسع رحمته وفسيح جناته..
إنا لله وإنا إليه راجعون.
ماذا أقول بياناً عن محاسنه
بحري عليل وبحر الشيخ موزون.
بقلم: علي بن الشيخ عبدالحسين العصفور محافظ الشمالية