كتب – جعفر الديري:
ليس الأمر خطباً جللاً وحسب؛ بل ألماً لا يطاق، وحسرة لن تريم عن قلوب الكثيرين من عشاق قلمه. عبدالله خليفة.. فارس الرواية البحرينية وناقدها، يترجل، بعد تاريخ مضيء مشرق، عاش فيه مثالاً للمثقف الكبير، ذي الرأي الحر، والفكر المستنير.
عاش عبدالله خليفة مثالاً لوحده في عنفوان المبدع وشدة اعتزازه بنفسه. لم يترك شيئاً وراءه سوى ما كتب. عاش عاكفاً على مشروعه الأدبي والنقدي، هازئاً بالمتزلفين ومدعي الثقافة، رافعاً رأسه عالياً وسط مهطعي الروؤس، مولياً شطره ناحية الخلود!.
كتب - جعفر الديري:
تعتبر تجربة الراحل عبدالله خليفة علامة فارقة في مجمل حركة إنتاج الرواية خليجياً وعربياً، وبحسب نقاد وروائيين بحرينيين، استطلعت «الوطن» آراءهم، فإن ميراث «الأب الروحي للرواية البحرينية»، جزء من ذاكرة الوطن الثقافية علينا أن نحافظ عليه.
ويرى النقاد والروائيون أن عبدالله خليفة ذاكرة تسجيلية حمل هم الأرض والوطن والبسطاء، وانتهج الأسلوب الواقعي ولم يجنح للفانتازيا أو الإغراق في الخيال، وتجربته مجال خصب لم يكتشف بعد على صعيد الدراسات النقدية، حيث تميزت أعماله بالجهود الفكرية والبحوث التاريخية والفلسفية.
يقول الروائي عبدالعزيز الموسوي: شخصياً لم أتقاطع مع الكاتب والباحث والروائي إلا مؤخراً رغم معرفتي به من خلال المقالات بشكل خاص وكتاباته في الجانب السردي بشكل عام. حصل ذلك في مسابقة متكأ المفتوحة للقصة القصيرة «درع قاص البحرين الأول» حيث حرص المرحوم على المشاركة في المسابقة وكانت هذه المشاركة ذات دلالات كبيرة، أهمها أن عبدالله خليفة وبكل هذا الثراء الفكري والقامة التي لم يبرزها أحد سوى جهده ومثابرته كان إنساناً متواضعاً يحرص على دعم الكوادر التطوعية وما كانت مشاركته إلا تشجيعاً للقائمين قبل أن تكون تشجيعاً وتحفيزاً للمشاركين.
ويضيف: لا أجد تقديراً أكبر لهذا المجتهد من أن تعمل وزارة الثقافة على تجميع كل نتاجه الأدبي والفكري. وسيكون من العرفان لكاتب الرواية البحرينية الأكثر إنتاجاً أن تخصص جائزة باسمه للأعمال السردية المتميزة تخليداً لذكراه وتقديراً لمشواره الحافل. وحسبنا أن الكلمة باقية وتُبقي صاحبها أبداً. وأود وبصدق أن أعزّي أهل وذوي الراحل لعظيم فقدهم وأسأل الله أن يلهمهم الصبر والسلوان ويتقبل فقيدهم بواسع رحمته وجميل مغفرته.
خسارة وأية خسارة
ويرى الروائي أحمد المؤذن أن رحيل قامة كبيرة مثل عبد الله خليفة خسارة واضحة للساحة الثقافية المحلية والعربية، والخوف أن ننفعل بشحنات عاطفية وقتية و ندبج الكلمات والاحتفالات التأبينية وبعدها ننسى الرجل وكأنه لم يكن ؟! هناك دول تبجل كتابها وتطلق أسماءهم على الميادين والمكتبات والمراكز الثقافية، أما نحن العرب فلنا وضع مختلف، حيث تصير ذاكرتنا الثقافية مليئة بثقوب النسيان ولا ننصف مثقفينا !!....
ويضيف: إن عبد الله خليفة اسم لامع ومن الصعب نسيانه لكونه قامة أدبية أسهمت في رفع اسم البحرين وغنى ساحتها الثقافية، عتبي فقط على الجهات الثقافية في البحرين، قصرت في تقدير عطاء الراحل وهو في الفترة الأخيرة كما كثير من الكتاب، يختار العزلة ويبتعد عن الأضواء، لكنه متوقد العطاء وغزير الإنتاج ولا يضاهيه أحد في ذلك، لذا أرى أن الساحة الثقافية في البحرين مطالبة بتخليد ذكرى عبد الله خليفة ، وأجد أنه من الممكن أن يطلق اسمه على مكتبة عامة أو تطلق باسمه جائزة في السرد أو الرواية، هذا أبسط ما يمكن أن نقدمه.
ويتابع المؤذن: قرأت العديد من إصداراته، ساعة ظهور الأرواح، القرصان والمدينة، جنون النخيل و هناك كتب أخرى أجلت قراءتها.
لقد كتب الراحل في العديد من المجالات وقدم الكثير في المجال الصحافي، استمتعت بتذوق أدبه وأعتبر نفسي تلميذاً عند عبد الله خليفة، حينما كان يوجهني في الكتابة القصصية ويهديني كتبه. سنفتقده كثيراً، ولكن أدبه سيبقى كميراث قيم علينا أن نحافظ عليه لكونه جزءاً من ذاكرة الوطن الثقافية.
علامة فارقة
أما الناقد زكريا رضي، فيعد رحيل الروائي عبدالله خليفة خسارة لا تعوض للجسم الأدبي البحريني ،،، وهو ذاكرة تسجيلية وطنية حمل هم الأرض والوطن والبسطاء من الناس وبقي وفياً لمنهجه سواء على صعيد البحث أم على صعيد الرواية حيث انتهج الأسلوب الواقعي في الرواية ولم يجنح للفانتازيا أو الإغراق في الخيال كما لم يجنح للغرابة والغموض ولذلك قلت إنه بحق راو بذاكرة تسجيلية تقترب من حياة البسطاء، من الناس كما تقترب من التحولات الاجتماعية والسياسية التي مر بها الخليج العربي والبحرين إبان الطفرة النفطية.
ويضيف رضي: إن عبدالله خليفة علامة فارقة في تاريخ الرواية البحرينية وفي مجمل حركة إنتاج الرواية على الصعيد الخليجي والعربي، وأشعر أن هذا الروائي ظلم ولم يعط حقه من الحضور الإقليمي والعربي ولم ينصف حتى على مستوى الجوائز الأدبية الإقليمية والعربية وتجربته مجال خصب لم يكتشف بعد على صعيد الدراسات النقدية مع وجود جهود بحثية بحرينية اشتغلت على عالم عبدالله خليفة وحاولت سبره واكتشافه.
ويطالب رضي كجزء من إعادة اكتشاف هذا الأديب أن تخصص جائزة أدبية باسمه أسوة بجوائز الأدباء العرب ولا أقل من جائزة تعنون باسمه تكون في الإبداع الروائي والنقدي، وتضمين قصص هذا الأديب مناهجنا التعليمية للغة العربية لكي يتعرف الطلبة على تاريخ أدباء البحرين وتجاربهم، ولكي تتصل ذاكرة الأجيال بالذاكرة الوطنية للكتاب والأدباء البحرينيين وهذا أقل ما يمكن. كما أطلب من كتاب السيناريو والدراما البحرينيين المحترفين الاشتغال على قصص وروايات عبدالله خليفة وتحويلها درامياً أو مسرحتها لما تزخر به أعماله الأدبية من روح وطنية وبنكهة بحرينية أصيلة.
ويضيف رضي: شخصياً شدتني تجربة الروائي عبدالله خليفة في الرواية التاريخية والتي أصدر منها راس الحسين ومحمد ثائراً وعمر بن الخطاب شهيداً وكذلك عثمان بن عفان شهيداً وعلي بن أبي طالب شهيداً.
إن هذا المشروع لوحده في كتابة الرواية التاريخية يعد نقلة نوعية في تجربة عبدالله خليفة حاول من خلالها استلهام التراث واستنطاقه من خلال الرواية ومع ما رافق هذه الأعمال الروائية من مشكلات إلا أن كلامنا في الكتابة الإبداعية ذاتها بمعزل عن مرجعيتها الأيديولجية وأتمنى أن تتاح الفرصة للباحثين المتخصصين لقراءة هذه الأعمال ونقدها.... عزائي أولاً وأخيراً لوطني البحرين وعزائي ثانياً للمبدعين والكتاب البحرينيين بهذا الفقد الأليم لكاتب لم يتوقف حبره إلا بموته.
الفخر لنا
ويرى الروائي رسول درويش، أنه إذا كانت بعض الدول تتغنى بأهراماتها الأدبية التي تعتبرها مرجعاً أدبياً شامخاً، فإننا لا شك نفخر ونعتز بالأب الروحي للرواية البحرينية الراحل عبدالله خليفة، فبالإضافة إلى عطاءاته الأدبية المتنوعة فإنه أبدع في شتى مجالاتها، تميّز الراحل في الأدب الروائي فكانت اللآلئ، القرصان والمدينة، الهيرات، الماء والنار وغيرها، كانت اللّبنات الأساسية في الرواية البحرينية، وجاءت القصة في سياق متوازٍ لتعبر عن الحس الأدبي الذي يحمله الراحل، أبدع قلمُه حين كتب الشتاء، الرمل والياسمين، قائظ ... وغيرها، لذلك كله، فإنّ ما خلّفه الراحل من أدبٍ سيبقيه طويلاً في الذاكرة ولن تستطيع رياح الزمن أن تمحو ذكره.
ويقترح درويش على وزارة الثقافة أن تُخلد ذكره بإقامة مسابقة في الرواية العربية تحمل اسمه، سواء كانت للرواية البحرينية أو العربية، وكذلك يمكن لفعالية «كلنا نقرأ» السنوية والمنبثقة عن وزارة الثقافة، يمكنها أن تضع الراحل ضمن جدول أعمالها على غرار أمسية د.غازي القصيبي التي أقيمت قبل بضعة أسابيع.
وفيما يخص أعمال عبدالله خليفة فإنها تميزت عن سواها بالجهود الفكرية والبحوث التاريخية والفلسفية، التي قام بتحليلها وإسقاطها على الواقع المعيش، لذلك كله تجد أن أعماله تركز في المعدمين والمهمشين وهي البيئة التي تربى الراحل فيها، ولا ننسى تأثره بالبحر وصراعاته الاجتماعية في البحرين خصوصاً قبل ثورة النفط، وتعتبر رواية الينابيع (1996) واحدة من أروع ما كتب الراحل.