جريمة الحريق العمد تعد من الجرائم الخطيرة في حد ذاتها فضلاً عن أنها تنبئ عن خطورة فاعلها، الذي يلجأ إلى مباغتة المجني عليه باستخدام المواد الحارقة أو القابلة للاشتعال لإلحاق الضرر الجسيم بحياة الأشخاص وأموالهم، وقد يلجأ بعض الخارجين على القانون إلى إشعال النار في الممتلكات العامة أو الخاصة بهدف ترويع الآمنين أو بزعم التعبير عن الرأي.
ويتعرض كل من يرتكب هذه الأفعال أو يشارك فيها بأي صورة سواء بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة للعقوبات المقررة ولا يعفيهم من ذلك أنهم ليسوا الفاعلين الأصليين، فقد نص قانون العقوبات البحريني بالمادة (277) منه على تجريم إشعال الحريق عمداً، وحدد عقاباً على ذلك بحسب الفعل الذي يتم به إشعال الحريق والضرر الناشئ عنه، حيث قررت الفقرة الأولى من هذه المادة عقوبة السجن مدة لا تزيد عن 10 سنوات على كل من أشعل حريقاً من شأنه تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر سواء كان ذلك المال ثابتاً أو منقولاً، وكذلك لو كان هذا المال مملوكاً للفاعل أو غير مملوك له.
ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة على تقرير ظرف مشدد على هذا الفعل إذا تم إشعال الحريق في مبنى عام أو مخصص للمنفعة العامة، أو في محل مسكون أو معد للسكن، وكذلك إذا تم في إحدى وسائل النقل العامة أو في ذخائر أو أسلحة أو مفرقعات أو وقود أو أنابيب وآبار البترول.
ومفاد هذه الفقرة أن المشرع البحريني شدد العقوبة مراعاة لمحل الجريمة إذا كان من الأموال العامة أو إذا كان مبنى مسكوناً نظراً لخطورة إشعال الحريق في هذه الأماكن لما ينجم عنه من أضرار وخسائر كبيرة بتلك الأموال والأنفس والأشخاص وتقوم هذه الخطورة أيضاً إذا ما تم إشعال الحريق في الذخائر أو الوقود أو المتفجرات أو البترول.
ونصت الفقرة الأخيرة من المادة المشار إليها على عقوبة السجن إذا أفضى الحريق إلى عاهة مستديمة، وهذا يعني أن العقوبة قد تصل إلى 15 سنة، وهي مسألة تقديرية للقاضي بحسب تقدير هذه العاهة ونسبتها وظروف الواقعة، كما حدد المشرع عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة إذا أفضى الحريق إلى وفاة شخص.
ومن ذلك يتضح أن المشرع تدرج بالعقوبة من السجن إلى الإعدام بحسب النتيجة المترتبة على إشعال الحريق وفقاً لما سلف بيانه وأن هذه الجريمة تفترض توافر القصد الجنائي الذي يقوم على العلم والإرادة ويتحقق بمجرد وضع الجاني النار عمداً في الأماكن المشار إليها في هذه المادة.
ويتم استخلاص القصد الجنائي من ظروف الواقعة وملابساتها وأن العمد في هذه الجريمة هو توجه إرادة الفاعل اختياراً إلى وضع النار، أياً كان الباعث عليه، سواء كان الغرض إحراق المكان ذاته أو وسيلة لتحقيق غرض آخر.
ولا يمنع من تطبيق العقوبة المقررة أن يكون الجاني قد تحقق من خلو المكان من ساكنيه أو أن النار لم تشتعل أو لم يكن من شأنها تعريض حياة الناس للخطر، بل تطبق عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة، إذا ما أدى إشعال الحريق إلى وفاة المجني عليه أو إصابته بعاهة مستديمة حتى لو لم يقصد الجاني إحداث العاهة أو الوفاة طالما أن إشعال الحريق تم عمداً.
أما إذا أسفر البحث والتحري عن أن الجريمة قد ارتكبت بغرض إرهابي، وأخذت سلطة الادعاء في تحقيقاتها بالاتجاه الإرهابي لجريمة الحرق فإن قانون الإرهاب يشير إلى أن الجناة قد تصدر عليهم أحكام تصل إلى عشر سنوات سجن في حالة عدم وجود إصابات أو وفيات، أما في حالة حدوث عاهة مستديمة فإن العقوبة هي السجن المؤبد، ولا شك أن عقوبة الإعدام هي العقوبة المناسبة التي أقرها المشرع في قانون الإرهاب حينما تكون نتيجة الجريمة الوفاة ..