بقلم - د. أشرف محمد كشك:
على الرغم من أن سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة من اليمن من شأنه تغيير المعادلة الداخلية في اليمن ومن ثم الواقع الإقليمي، فإن ثمة مخاوف من سيطرتهم على مدينة الحديدة ذات الموقع الاستراتيجي المهم حيث تقع على مقربة من مضيق باب المندب والذي يعد أحد أهم شرايين الاقتصاد العالمي إذ يمر منه يومياً نحو 3.3 مليون برميل نفط بما يمثل 4% من تجارة النفط العالمي وتأتي معظم تلك الصادرات من مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن أهمية المضيق بالنسبة للتجارة العالمية حيث تمر منه نحو 8% من تلك التجارة التي تمر عبر قناة السويس.
وعلى الرغم من أهمية أخذ التهديدات التي تواجه مضيق باب المندب بعين الاعتبار فإنه لا يمكن لأي طرف إغلاقه حيث إنه ممر دولي مهم ولكافة الدول ما يسمى «بحق المرور البرئ» في ذلك المضيق، حتى في ذروة الصراعات، ففي عام 1973 وخلال حرب أكتوبر أرسلت مصر سفناً عملاقة لمنع عبور السفن الإسرائيلية أو أي سفن تكون وجهتها ميناء إيلات وليس بهدف إغلاق المضيق.
إلا أن ذلك لا ينفي أن تلك الممرات الاستراتيجية غالباً ما تكون هدفاً للجماعات الإرهابية لتأثيرها المهم على حركة التجارة الدولية، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى سابقتين،الأولى: في عام 2009 عندما هدد الرجل الثاني في تنظيم القاعدة سعيد الشهري بالسيطرة على مضيق باب المندب لتسهيل عبور الجماعات الإسلامية من الصومال إلى اليمن، ومن ثم شبه الجزيرة العربية، والجدير بالذكر أن سواحل اليمن على البحر الأحمر تبلغ 442 كم، بها الكثير من المناطق التي يسهل ممارسة عمليات التهريب من خلالها، والثانية: حادث تفجير السفينة الحربية الأمريكية «كول» عام 2000 من جانب قارب استقله أفراد من تنظيم القاعدة وقتل فيه 17 بحاراً أمريكياً وجرح 39 آخرين خلال رسوها في ميناء عدن للتزود بالوقود.
وتأسيساً على ما سبق، فإنه حال سيطرة جماعة الحوثيين على كامل أجزاء اليمن ومن ثم مضيق باب المندب فإن ذلك يترتب عليه عدة نتائج سلبية على أمن دول مجلس التعاون الخليجي:
النتيجة الأولى: في ظل إشارة المصادر إلى أن الحوثيين طالبوا صراحة بمنفذ بحري على البحر الأحمر خلال الحوار الوطني الذي انتهى في يناير 2014، فإنه حال سيطرتهم على مضيق باب المندب فإن بإمكانهم استقبال المزيد من سفن الإمداد الإيرانية، في ظل صدور تصريحات إيرانية مباشرة تؤكد دعم إيران للحوثيين، وهو ما أكده علي أكبر ولاياتي المستشار السياسي للمرشد الأعلى بالقول إن «إيران تساند نضال أنصار الله في اليمن وتقدم إيران مختلف أنواع الدعم المادي والمعنوي لجماعة الحوثي المسلحة»، وقال ولايتي خلال استقباله عدد من العلماء الزيديين في اليمن، إن «دور حركة أنصار الله «الحوثيين» في اليمن مثل دور «حزب الله» في لبنان في محاربة الإرهاب»، يأتي ذلك تزامناً مع ما تردد عن إمداد إيران إرتيريا بمئات من عناصر فيلق القدس وضباط البحرية والخبراء العسكريين من الحرس الثوري الذين يشرفون بشكل مباشر على قواعد صاروخية تنتشر في مناطق عديدة من أريتريا بشكل عام، وتتركز على طول الساحل بشكل خاص، وتعد تلك الاستراتيجية الإيرانية البعيدة المدى تطبيقاً لنظرية «شد الأطراف لإضعاف منطقة الوسط» والتي تحدث عنها ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، بما يعني استمرار وضع دول مجلس التعاون بين شقي رحى، التهديد بإغلاق مضيق هرمز شمالاً والذي يمر منه نحو 40% من صادرات النفط العالمية، ومضيق باب المندب جنوباً، وبالتالي على المدى البعيد فإن تلك التطورات من شأنها الحد من القرارات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون سواء فيما يتعلق بتحالفاتها الدولية أو تحديد أسعار النفط.
أما النتيجة الثانية فهي اكتمال «هلال اللا أمن»المحيط بدول الخليج العربية من خلال تسهيل عبور الجماعات الإرهابية من الدول الإفريقية لشبه الجزيرة العربية حتى يكتمل ذلك الهلال ابتداءً من سوريا ومروراً بالعراق واليمن ووصولاً إلى القرن الأفريقي، بما يعني المزيد من عدم استقرار الجوار الجيواستراتيجي لدول الخليج التي يتعين عليها التعامل مع كافة الجبهات في آن واحد وهو ما يمثل عبئاً على الأجهزة الأمنية والدفاعية لتلك الدول.
بينما تتمثل النتيجة الثالثة في تهديد أمن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون من خلال زيادة الاحتقان الطائفي في المنطقة، وفي هذا السياق أشارت بعض المصادر إلى أن الحوثيين بدأوا بالفعل في إقامة حلقات تثقيفية فكرية في محافظة حجة المحاذية للحدود السعودية والتي تمكنوا من السيطرة عليها كغطاء لمراكز ثقافية إيرانية لاستمالة الشباب ونشر التشيع.
وانطلاقاً مما سبق وعلى الرغم من أن اليمن هو جزء من الأمن القومي العربي والمصري فإن هناك مسؤولية تقع على عاتق دول مجلس التعاون في المقام الأول تجاه اليمن، وهناك مستويات ثلاثة يمكن العمل من خلالها:
المستوى الأول: على مستوى دول مجلس التعاون أن تكون هناك جاهزية بحرية خليجية لمواجهة أي تطورات في مضيق باب المندب ولعل الإعلان عن تشكيل قوة بحرية أطلق عليها «مجموعة الأمن البحري 81» لدول المجلس على غرار قوات درع الجزيرة يعد خطوة مهمة حيث إن شدة الضربات ضد الجماعات الإرهابية في البر ربما يدفعها للعمل في البحر بما يعنيه ذلك من تهديد الممرات الحيوية لنقل النفط ومن بينها مضيق باب المندب.
أما المستوى الثاني فهو المستوى الإقليمي: ويكون ذلك على مسارين متوازيين، الأول: الحيلولة دون فشل اليمن وتحوله إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، من خلال تقديم المزيد من الدعم لمؤسسات الدولة اليمنية، ومع أهمية البيان الذي صدر عن وزراء الداخلية بدول المجلس في الثاني من أكتوبر 2014 وتضمن أن «دول المجلس لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخلات الخارجية الفئوية كون أمن اليمن وأمن دول المجلس يعتبر كل لا يتجزأ»، فإنه ليس كافياً حيث إنه من الأفضل لدول مجلس التعاون الحيلولة دون انزلاق اليمن نحو سيناريوهات بغيضة، وتقدم التطورات العراقية بعد عام 2003 دروساً مستفادة في هذا الشأن، أما المسار الثاني: فهو التنسيق الخليجي - المصري، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى المناورات البحرية الضخمة التي أجرتها القوات البحرية المصرية وأطلقت عليها «ذات الصواري»، وحضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبالرغم من أن إجراء تلك المناورات يعد أمراً اعتيادياً في كل عام والذي يوافق 22 أكتوبر، وهو يوم البحرية المصرية فإنه كان بمثابة رسالة مؤداها أن أمن الممرات الحيوية سواء باب المندب أو قناة السويس يعد أمراً استراتيجياً بالنسبة للأمن القومي المصري، وهو ما أشار إليه قائد القوات البحرية المصرية الفريق أسامة الجندي بالقول «إن مصر تتابع الموقف في اليمن يومياً وتأثيره على مضيق باب المندب» مضيفاً أن «أي خطورة على الأمن القومي المصري سيتم التعامل معها طبقاً للموقف»، وأكد على «جاهزية القوات البحرية لحماية المياه الإقليمية والمصالح الاقتصادية والسواحل المصرية في الاتجاهات كافة».
أما المستوى الثالث فهو المستوى الدولي، حيث توجد العديد من القطع البحرية في المحيط الهندي لمكافحة القرصنة منذ عام 2008، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن، حيث أرسلت 28 دولة سفناً لهذ الغرض، وكانت المساهمات الكبرى من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية وتتمثل تلك المساهمات في ثلاث مجموعات عمل متعددة الأطراف، وهي القوة البحرية المشتركة «سي تي إف 151»، وقوة «درع المحيط» التابعة لحلف «الناتو» والقوة البحرية الأوروبية للصومال. ومجمل القول إن دول مجلس التعاون تواجه مشهداً أمنياً إقليمياً بالغ التعقيد، واليمن إحدى حلقاته الصعبة، بما يتعين عليها الحيلولة دون فشل تلك الدولة التي ستكون اكتمالاً لحزام ممتد من الأزمات التي تنعكس بشكل مباشر على أمن دول مجلس التعاون على المديين القريب والبعيد.
* باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة