مع قرب انتخاب برلمان بحريني جديد، يبدو ضرورياً رصد وتحليل الإنجازات مجلس النواب خلال فصوله التشريعية الثلاثة السابقة، سيما في الفصل التشريعي الأول، الذي بدأ مع انتخاب مجلس عام 2002 باعتباره الثمرة الأولى للمشروع الإصلاحي للعاهل المفدى.
كان المجلس الأول بمثابة فتح انطلاقة لتطور العمل الديمقراطي بالمملكة، وتعبيراً صادقاً عن مشاركة المواطنين عبر ممثليهم في إدارة الشأن العام، وتجسيداً واضحاً للمساعي الحثيثة من جانب نواب الأمة للتعاون مع أجهزة الدولة التنفيذية للوفاء باستحقاقات مناصبهم النيابية، خاصة ناحية تمثيل جموع المواطنين والتعبير عن احتياجاتهم.
وبداية يتعين التأكيد على أن مجلس النواب البحريني أدى وظيفتيه الرئيستين سواء لجهة التشريع، أي وضع القواعد القانونية اللازمة لتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع، عبر اقتراح القوانين ومناقشات تعديلها وإقرارها والمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، أو لجهة الرقابة على أداء الجهاز الإداري للدولة، عبر وسائله السياسية المباشرة كطرح الأسئلة وتشكيل لجان التحقيق والاستجواب، ووسائله غير المباشرة كإبداء الرغبات ومناقشة برنامج الحكومة والرد عليه، ومناقشة وإقرار الميزانية العامة للدولة وغيرها من الأمور.
وفي هذا الشأن، ناقش الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب في أدوار انعقاده الأربعة، العديد من المشاريع بقوانين بلغت نحو 27 مشروع بقانون، وأكثر من 75 مقترحاً برغبة، ونحو 36 اقتراحاً بقانون، وشكل لجنة تحقيق واحدة، ما يعد إنجازاً بالمقاييس الكمية والنوعية معاً، بالمقارنة بمجالس نيابية قريبة الشبه لجهة التجربة والعمر الزمني، سيما أن مجلس النواب البحريني كان في طور مراحل تأسيسه الأولى، واختبر عدداً من الظروف والمستجدات المحلية والإقليمية.
ويلاحظ هنا عدة أمور في غاية الأهمية تساعد في فهم وتحليل مستوى أداء مجلس النواب خلال الفصل التشريعي التأسيسي، إن صح هذا التعبير، الأول أن مجمل أداء المجلس في الفصل التشريعي الأول يعكس نجاحه في تلمس احتياجات المواطنين الحياتية والمعيشية، ومساعيه الحميمة لتلبيتها قدر استطاعته.
ويتأكد هذا بالنظر إلى طبيعة المشاريع والاقتراحات بقوانين وبرغبة، إذ شملت قضايا وملفات تمس صميم حاجات الموطنين، وتعبر عن تطلعاتهم في تطوير أوضاعهم المعيشية والحياتية وكذا الوظيفية، منها على سبيل المثال قوانين الصحة العامة والتعليم العالي وفحص المقبلين على الزواج ورعاية وتأهيل وتشغيل المعوقين، والتأمين الاجتماعي للعاملين في الخارج، وحماية الشواطئ والمنافذ البحرية، وصندوق الزواج، وإنشاء وحدات سكنية بالجنوبية، والسماح لمدربات سياقة نساء للتدريب والتقاعد المبكر للمرأة، وتطوير كادر المعلمين، وترميم وإعادة تأهيل المساكن الآيلة للسقوط وحماية المستهلك، ورفع سقف الحد الأدنى لرواتب عمال وموظفي القطاع الخاص.
الأمر الثاني يتعلق بجهود المجلس وبالتعاون مع الجهاز الحكومي لإرساء وصياغة أركان وحدود البنيان التنظيمي والإداري للدولة، وهي حاجة ضرورية فرضتها انطلاقة المشروع الإصلاحي للعاهل المفدى، والصورة الجديدة التي كانت تحاول القيادة الرشيدة صياغتها للمملكة في المرحلة المقبلة، باعتبارها وجهة حضارية تتوفر بها البنية التنظيمية والقانونية اللازمة التي بإمكانها مضارعة الدول المجاورة.
ويتجلى هذا واضحاً بالنظر إلى نوعية معينة من مشروعات واقتراحات القوانين والرغبة، ولعل أهمها مشروع أحكام النقابات العمالية واستملاك الأراضي للمنفعة العامة وتطوير الكادر الوظيفي لبعض المهن كالتمريض والأطباء والأئمة والمؤذنين، وإنشاء هيئة عليا للتخطيط ومجلس أعلى للتربية والتعليم، وتحديد مناطق المنشآت السياحية وإجراء الدراسات حول البطالة والأجور ومستوى التضخم المعيشي، وفصل محاكم الأحداث والمرور عن المحاكم بوزارة العدل والمحاماة، وشغل الوظائف القيادية والإشرافية وحماية الطفل والمسنين.
الملاحظة الثالثة خاصة بتفعيل عملية الرقابة الشعبية على أداء الجهاز التنفيذي للدولة، وتطوير ما يلزم احتياجات المشروع الإصلاحي للمملكة، ولعل من أهم القضايا والملفات التي طُرحت ونوقشت وأقرت في هذا الفصل التشريعي الأول ما يتعلق بإنشاء ديوان الرقابة الإدارية وتنظيم الاجتماعات والمسيرات والتجمعات والكشف عن الذمة المالية.