بغداد - (رويترز): أحس محمد هلال ونحو 100 آخرين من أفراد عشيرة البونمر العراقية بالأمان وهم مختبئون من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وسط الحشائش الطويلة، حتى فضحت أضواء عشرات السيارات أمرهم.
وصاح المتشددون «نحن نعرف أنكم هناك أيها الخونة» ثم فتحوا النار على المختبئين الذين قاتلوهم لأسابيع. ومات أغلب المختبئين ووقع البعض في الأسر.
أما هلال فقد نجا لكنه أصيب في الذراع والساق بعد أن غطى نفسه بالدم وتظاهر بالموت تحت الجثث بينما كان المتشددون يضربون الجرحى ويسبونهم.
وقال هلال إنه رصد جثثاً أخرى من بينها أطفال وشيوخ ملقاة على جانب الطريق أثناء فراره من المكان بعد الاختباء ساعات تحت القتلى. وقال هلال من مدينة حديثة التي تسيطر عليها القوات العراقية ومقاتلو العشائر لكنها مازالت عرضة لهجمات مسلحي «داعش» «أنا في انتظار أسرتي، فما من سبيل أمامي للوصول إليهم، هواتفهم النقالة مغلقة ولا حيلة لي».
وأدت أعمال القتل إلى مخاوف جديدة بشأن قدرة العراق على إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية التي اجتاحت شمال العراق في يونيو الماضي دون أن تلقى مقاومة تذكر من الجيش الذي دربته الولايات المتحدة.
وتريد حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي التي يقودها الشيعة من العشائر السنية مثل البونمر التي ساعدت الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم القاعدة في محافظة الأنبار دعم القوات الحكومية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن زعماء العشائر يقولون إن الحكومة تجاهلت النداءات المتكررة طلباً للعون عندما اجتاح مقاتلو التنظيم محافظة الأنبار الصحراوية التي تمتد من الحدود السورية إلى مشارف بغداد من ناحية الغرب.
وقد حققت الدولة الإسلامية تقدماً في الأنبار حتى قبل أن تستولي على جانب كبير من شمال العراق وظلت تقترب أكثر فأكثر من بغداد في إطار طموحها لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
وفي الوقت الحالي أصبح التنظيم يحاصر قاعدة عين الأسد أكبر القواعد الجوية في المحافظة وسد حديثة الإستراتيجي على نهر الفرات. ويبدو أن المجزرة جرى الإعداد لها إعداداً جيداً. فقد قال أفراد من العشيرة إن تنظيم الدولة الإسلامية زرع قبل استيلائه على قرية زاوية البونمو مخبرين قدموا له في نهاية الأمر أسماء المقاتلين.
وقال الحاج رديف الذي يمتلك متجراً «في الليلة التي دخلوا فيها القرية تراجع الجيش عن الخط الأمامي وأخلى مواقعه. وهذا تركنا بلا ذخيرة ولم يبق سوى مقاتلين من القرى ولذلك اضطررنا للاستسلام».
وفر مثل كثير من أهالي القرى بما عليه من ملابس. فاتجه البعض إلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى هيت فسقطوا في فخ تصديق وعود الدولة الإسلامية بالملاذ الآمن. وعندها بدأت الدماء تسيل بإعدام 35 شخصاً.
أما آخرون مثل أبي ابتسام، فساروا نحو 6 كيلومترات إلى منطقة صحراوية غرب هيت بعد أن استولى المتشددون على ما بحوزتهم من ذهب ومال بل إن أحد المتشددين انتزع العقد الذي كانت ابنته تتزين به من عنقها.
وفي نقطة تفتيش أقامها مقاتلو «داعش»، أخذ أحد المتشددين علبة حليب مجفف من زوجته وألقى بها في التراب. وحاولت الزوجة استعادة العلبة لكنها تلقت وكزة لتتراجع. وقال أبو ابتسام إن المتشددين تركوهم يرحلون بعد أن سرقوهم.
وأضاف «قال واحد منهم حتى أولادنا لا يستحقون الحياة لأنهم سيكبرون يوماً ما ويقاتلونهم».
ويشك أبو ابتسام مثل رجال عشائر آخرين في إمكانية التحالف مع الحكومة.
وقال «الحكومة لم تهتم بنا مهما حدث ولو عرفنا ما ستؤول إليه الأمور لما حاربت».
وأضاف «كنت سأترك القرية مع عائلتي بمالي وذهبي وكرامتي دون أن أمر بهذه المشاق، أنا نادم على قتال الدولة الإسلامية لأنني لم أكسب شيئا».
وأساليب الدولة الإسلامية التي أعلنت دولة خلافة في العراق وسوريا واضحة فهي تستولي على الأرض وتقضي على كل من يقف في طريقها وتحاول إدارة المنطقة كدولة.
وبعد أن تفرق أبناء العشيرة اتجه المقاتل ماجد عودة واثنان من أبناء عمومته صوب الصحراء حيث اختبؤوا 5 أيام عاشوا خلالها على التمر والمياه غير النقية من بحيرة. وكلما كان هاتفه النقال يعمل كان يتصل بأمه. وفي أحد الأيام وجدها مصابة بالهلع حيث أخذ مقاتلو الدولة الإسلامية شقيقه محمداً الذي يبلغ من العمر 13 عاماً مع آخرين. وأضاف «قلت لأمي ألا تقلق إنه طفل فعلاً ولم يشارك حتى في القتال».
وتابع «اتصلت بي عائلتي بعد يوم عندما وصلت إلى موقع للجيش وقالت لي إن شقيقي و47 طالباً غيره قتلوا، قتلوه لأنني شرطي».
ويعتبر أفراد عشيرة البونمر من أشد المقاتلين بأساً في الأنبار وفي العراق.
ومازالت عشيرة البونمر تحصي خسائرها. وقال حمدان النمراوي مساعد أحد زعماء العشيرة إن عدد القتلى بلغ 540 وإن كثيرين مازالوا مفقودين. وكانت رحلة الهروب في غاية المشقة بالنسبة للبعض.
وقال رجل يدعى أبا تكعة إنه نام مع أسرته المكونة من 7 أفراد خلف تل رملي حتى لا يكتشف أمرهم. وأصيبت زوجته بجفاف ولم يعد بوسعها إرضاع طفلها الوليد. وأضاف «مات صغيري، لكن أمه ظلت تتشبث به ولم تتركه يومين». وتابع أنه لم يكن هناك وقت للحداد وكان يخشى أن يقتفي رجال الدولة الإسلامية أثره.
وقال «دفنا الطفل هناك واستأمنا البدو على قبره وتحركنا».