يواجه القائمون على الأمن في مراكز الشرطة قضايا ترتكب عادة نتيجة عدم الإلمام بالقانون، ومنها جريمة السب التي تنجم بسبب عدم ضبط النفس أو الازدحام في الطرق أو لحدوث سوء تفاهم بين مجموعة من الأشخاص أياً كان نوعه، وغيرها من الظروف والملابسات التي تؤدي إلى الوقوع في مثل هذه الجريمة المعاقب عليها قانوناً.
وعندما يستدعى بعض المتهمين في قضايا السب إلى مركز الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم تجد بعضهم وهم في قاعة الانتظار تمهيداً لأخذ أقوالهم إزاء التهمة الموجهة إليهم، مستغرباً يتساءل مراراً وتكراراً عن سبب استدعائه إلى مركز الشرطة وكأنه لم يفعل شيئاً محتجاً في الوقت ذاته على استدعائه إلى مركز الشرطة «إحضارية» مهدداً بأنه سوف يقتص حقه من المجني عليه الذي شوه سمعته نتيجة التبلي عليه، ومن مركز الشرطة أيضاً لكون المتهم على يقين تام بعدم اقترافه خطأ في حق أحد.
وبعد أن يتم إبلاغه بتهمة السب الموجه إليه، يتفاجأ ويطلق اليمين مباشرة بأنه لم يقم بسب المجني عليه «سباً صريحاً كالكلب أو الحمار» غير مدرك نتيجة جهله بالقانون بأنه حتى العبارات التي تحمل بين طياتها معاني السب كـ«الغبي» أو الأفعال التي تدل على الاحتقار والإهانة كـ«البصق» أو الأصوات التي تحمل معنى الاستهزاء والاستخفاف بالآخرين تدخل في باب الأفعال المحظورة المكونة لهذه الجريمة والموجبة لعقوبتها.
ولعل الباعث الذي يدفع للكتابة في هذا الموضوع هي واقعة تعرض لها أحد الأشخاص عندما كان يقود سيارته في أحد الطرق العامة، ودون قصد دخل في الحارة المخصصة لسيارة أخرى دون أن يعرض حياة الآخرين للخطر أو يربك السير ومن ثم تفادى خطأه وعاد إلى حارته، وفوجئ في تلك الأثناء بأحد قائدي المركبات المحاذية له يقترب بقربه ويطلب منه التوقف واستجاب الشخص لطلبه وتوقف، وقام المتهم «قائد المركبة» بالبصق عليه، وما كان من المجني عليه «الشخص» إلا أن أخبره بأنه سوف يشكوه لدى الجهات المختصة فرد عليه باستهزاء بأنه لم يقم بضربه أو سبه وليس هناك من مستمسك عليه.
وحسناً فعل المجني عليه حينما قام بتسجيل رقم لوحة سيارة المتهم وتوجه مباشرة إلى مركز الشرطة ليدلي بأقواله ضد المتهم، وعلى إثر ذلك استدعي المتهم إلى مركز الشرطة، حيث قرر بأنه لم يسب المجني عليه «سباً صريحاً» وأبدى استعداده لحلف اليمين على ذلك، وعند سؤاله من قبل أحد المسؤولين في المركز أصر على أنه لم يسب المجني عليه ولكنه بصق على الأرض وأصدر صوتاً بفمه وهو حر في ذلك لكون هذه التصرفات أموراً شخصية له مطلق الحرية في أدائها من عدمها حيث إنها لا تشكل اعتداء على أحد وبالتالي لا يعاقب عليها القانون وفقاً لمفاهيمه.
ومن هذا المنطلق وجب عرض المادة القانونية التي تجرم هذه الأفعال والرادعة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حقوق وكرامة الآخرين بالقول.
حيث نصت المادة (365) فقرة (1) من قانون العقوبات البحريني على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار من رمى غيره بإحدى طرق العلانية بما يخدش شرفه أو اعتباره دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة».
وتوضيحاً لما نصت عليه المادة السابقة فإن من يقوم بسب آخر تكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنة أو الغرامة التي لا تجاوز مائة دينار ولكن يشترط أن يكون سب المجني عليه بإحدى طرق العلانية، وهو الأمر المتحقق في الواقعة السابق ذكرها حيث بصق المتهم على المجني عليه وأصدر أصواتاً تدل على الاستهزاء به في الشارع وبما أن الشارع مكان عام يرتاده الناس ومعد لاستعمال الجميع فهنا يتحقق ركن العلانية المتمثل في الإهانة أمام الملأ لكون الشارع مكاناً مطروقاً أي مستعملاً من قبل الجميع.
أما بخصوص اعتقاد المتهم بأن ما قام به من أفعال وأصوات لا تندرج تحت قائمة جريمة السب فهو اعتقاد في غير محله نهائياً، طالما أن تلك الأفعال والأصوات حملت بين طياتها معاني السب المتمثلة كما ذكرنا سابقاً في الإهانة والاستهزاء والازدراء بالمجني عليه.