أكد الإعلاميون المشاركون في الجلسة الأولى من فعاليات المنتدى الخليجي للإعلام السياسي، أن الالتزام بأمن الوطن يتصدر معايير مهنة الصحافة والإعلام، في ظل غياب ميثاق شرف يحكم أخلاقيات المهنة.
وقال المشاركون في الجلسة التي حملت عنوان «التعددية الإعلامية»، إن الصحافي الناجح هو الملتزم ببوصلة الوطن وبلورة رأي عام يعي التحديات، وإن الصحافي الحقيقي يوفر قاعدة تقدم صورة واضحة وواقعية لأوضاع بلاده.
وأضافوا «لا يمكن وقف الإعلام المؤدلج بالعالم العربي إلا بعمل جاد رفيع المستوى»، لافتين إلى أن قناة «الجزيرة» دليل ناصع على الإعلام المؤدلج وقنوات أخرى تتبنى الإسلام السياسي.
وقال رئيس تحرير جريدة «العرب» اللندنية عبدالعزيز الخميس، إن المعايير المهنية ثابتة في ما يتعلق بالمصداقية والحياد والتعاطي مع الأحداث والالتزام بالقوانين، وهي لا تتغير حول ضمان سلامة الإعلامي من الإضرار بالوطن والمواطن، مستدركاً «لكنها تكون متغيرة فيما يتعلق بملاحقة التطورات المرتبطة بتطوير المنتج الإعلامي».
واعتبر الخميس، التعددية الإعلامية أمراً مطلوباً وتمثل حلاً أساسياً لمشكلات المجتمع، لأن عدم التعددية داخل الإعلام يسيء للإعلام، نظراً لأنه لا يكون هناك أكثر من رؤية واتجاه ويحصر الإعلام في طيف واحد.
وأضاف أن التعددية الإعلامية يجب أن تحكمها مصالح الوطن والمجتمع، وضرب مثلاً «في الإعلام البريطاني مصالح الوطن تمثل خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه».
وأردف «توجد لدينا فجوة كبيرة جداً في القطاعين الأكاديمي والمهني في الإعلام»، موضحاً أن الأخلاق تختلف من طرف لآخر.
وأكد أهمية دور الإعلام باعتباره لا يمثل فقط ناقلاً للأخبار، ولكنه يؤدي دور مراقب لما يحدث داخل المجتمع، ويمكنه أن يطرح حلولاً ومساعدات، لافتاً إلى أن الإعلام يعتبر جزءاً من صناعة القرار، ويجب أن يعمل على تحقيق مصالح المجتمع وأمنه واستقراره.
وبين عدم وجود تنافر بين المعايير المهنية والأخلاقية، بل هي تبدي براعة الإعلامي في المزج بينهما، وصياغة تناسق بين المهنة والأخلاق، أي ممارسة المهنة بأخلاق رفيعة وتميز إنساني، مستدركاً «أما العسف المهني وخرق القواعد الأخلاقية لصالح التميز المهني، فهو ينعكس سلباً على مصداقية الوسيلة».
وأكد أن التعددية المهنية أمر يصب في صالح المتلقي، بحيث تتنوع الوسائل أمامه، مبيناً أن ما يعيب التعددية في العالم العربي هو تشابه الوسائل وعدم وجود تعددية كما ينبغي ويجب.
وأضاف أن التعددية تتأثر تبعاً لمصالح الممول، وتنعكس هذه المصالح في حالة تنوع توجهات الممولين، لكنها في العالم العربي تكاد تتشابه لذا تتأثر التعددية.
وأوضح أن المعيار الأهم هو الالتزام بمصلحة الوطن وأمنه واستقراره ووحدته، وإبعاد الرسائل الداعية للتشرذم والطائفية والتحزب المضر.
وقال إن الإعلام المؤدلج يتحكم في الإعلام كمهنة، وخاصة الصحافة، لافتاً إلى أن الصحافي الناجح هو الملتزم ببوصلة وطنه، ويساعد على خلق رأي عام مثقف وواعٍ بالتحديات ووطني التوجه.
وأكد أن الصحافي الحقيقي ليس فقط الباحث عن السبق الإعلامي، بل توفير قاعدة معلومات للمتلقي تتضمن صورة واضحة وواقعية للوضع في بلاده، ومدى الحاجة لجعل الإعلام غير مطبل لصانع القرار، بل عاملاً مهماً لصنع مجتمع موحد وقوي ومثقف وواع بالتحديات.
وأضاف أن الإعلام المؤدلج موجود وبقوة في العالم العربي تبعاً لواقعه الثقافي والسياسي، ولا يمكن منعه ولكن يمكن وضعه ضمن حجمه، لافتاً إلى أن هذا الإعلام يعبث بمشاعر البسطاء ويستفيد من النكسات العربية، ولا يمكن إيقاف عبثه إلا بالعمل الجاد والواضح والصادق والرفيع المستوى.
وأوضح أن الإعلام المؤدلج موجود وقناة الجزيرة أنصع دليل على وجوده، وقنوات أخرى تتبنى رسالة الإسلام السياسي، لا يحق لك المطالبة بوقفها، بل عليك التعايش معها ومنافستها بالمعلومة الصحيحة.
وأكد أن الإعلام الرسمي الخليجي اليوم لم يستطع إلى الآن أن ينافس الإعلام المؤدلج، بسبب القيود المفروضة على الإعلام الرسمي، وتخوف قياداته وعدم فهم بعضهم لحتمية التطور في المحتوى وحرفيته.
وقال «من الممكن أن يؤثر الإعلام الجديد اليوم على سياسة الإعلام المؤدلج، خصوصاً أننا نرى في وسائل الإعلام الحديثة والتواصل الاجتماعي قدرة عجيبة على فضح التوجهات المؤدلجة، وتأسيس وعي شعبي وتنوع في الآراء، رغم المحاولات المؤدلجة لترويج الخطاب المتشدد، لكن يبدو أن السحر انعكس على الساحر.
فيما اعتبر الصحافي والخبير الإعلامي عبيدلي العبيدلي من البحرين، أنه «من الصعب وضع خط فيزيائي للفصل بين المعيار المهني والأخلاقي، خصوصاً أننا نرى عنصر الثبات في المعايير الأخلاقية أكثر منها في المهنية، لأنها شخصية وغير موضوعية وغير مرتبطة بقيود المكان والزمان».
وأضاف «الجانب المهني يلتزم بالموضوعية وبدورها تحدد المعايير النظرية، فتكون معايير منسجمة مع ما يمثله الإعلامي وما يوصله من رسائل، وأكبر مشكلة يواجهها الإعلامي في المعايير الأخلاقية، تتمثل بعدم وجود معيار أخلاقي موحد في جميع أنحاء العالم».
وذكر أن هناك مقاييس عامة، منها الحيادية والمصداقية والموضوعية، تدرس في الجامعات حالياً، متسائلاً «متى يتم الالتزام بين القيم المهنية والأخلاقية؟».
ونبه إلى وجود محاولات لوضع مواثيق شرف للمهنة الإعلامية، تصنع التوازن الصحيح بين الطابع الأخلاقي والمهني، مؤكداً الحاجة في المنطقة العربية إلى مؤسسة العمل الصحافي وعدم تركه إلى السلوك الفردي.
وقال إن التعددية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، نواة للتعددية الإعلامية، مشيراً إلى أن الرقيب العربي نجح في خلق رقيب داخلي لكل صحافي.
ودعا العبيدلي إلى تقنين الرقابة على العمل الإعلامي، من خلال بناء جسور الثقة بين السلطة والإعلام، لافتاً إلى أن الإعلام بصورته الطبيعية هو حر، وعندما يؤدلج فهو يقيد نفسه. من جهته أوضح رئيس مجلس إدارة جامعة ظفار العمانية الإعلامي د.أنور الرواس، أن «المهنية مصطلح كبير جداً، وعندما نتعمق في معناها نجد أنها مجزأة ما بين ما يتعلمه طلبة الجامعة وما يلمسه بعد خوضه الحياة العملية، حيث هناك اختلافات حسب سياسة المؤسسة الإعلامية، وبالتالي ينتج عنه فقدان الثقة بين ما تعلمه وبين الحياة العملية».
وقال إن قواعد المهنة الإعلامية لابد أن تتوفر فيها شروط الاحترافية، وأن تقدم نموذجاً للمتلقي، لافتاً إلى أن الجانب الأخلاقي غائب لدى الكثيرين بسب عدم وجود ميثاق شرف إعلامي وأخلاقي.
ونبه إلى أن المهنية تحتاج إلى أن يتقبل كل طرف الآخر، حتى يتصاعد الجانب الأخلاقي تدريجياً، داعياً إلى بناء الثقة بين من يصدر التراخيص الإعلامية وبين المؤسسات الإعلامية طالبة الترخيص.