كتب – جعفر الديري:
كان هناك الدمّ الذي يسيح من فتحة الباب، ودقات القلب التي تكاد تخرج به من قفصه الصدري، وتلك الرائحة المزعجة التي لم يقو الباب على صدّها!.
أحسّ بالدوران وأخذ جسمه بالتلاشي شيئاً فشيئاً، فارتمى على الأرض، كما لو أن عاصفة هوجاء ألقت به من شاهق. «الله أكبر لو حدث ما حذّرت منه الزوجة الطيبة»!.
حاول النهوض دون جدوى، استجمع قوّته وراح يصرخ بكل طاقته:
- أنجدوني يا أهل الحمية.. أنجدوني.
فتح أكثر من باب في وقت واحد، وهرع الجيران إلى الزوج المسكين!. راعهم منه أن دمه نشف تماماً، وجسمه يهتز، فلا طاقة له حتى على رفع يده. لكنهم حالما التفتوا للدم السائح من الباب، علت وجوههم غبرة، وتقلصت ملامحهم...
- ماذا جرى؟
قال بصوت متقطّع لا يكاد يسمع...
- لا أعلم... وإن قلبي ليحدثني بالسوء... افتحوا الباب أرجوكم.
أمسك أحدهم بالمفتاح، وفتح الباب بهدوء، فانساب مزيد من الدم.
صاح:
- هو دمها لا شك... دم زوجتي المسكينة!
تقدم من فتح الباب إلى الداخل، وتبعه الرجال. إن الدم يخرج من غرفة بعينها، فتح الباب، ثمّ ارتدّ إلى الخلف وهو يصيح:
- الله أكبر... الله أكبر... لا حول ولا قوة إلا بالله.
تشجّع الآخرون وفتحوا الباب، وهناك شاهدوا ما أدار أعينهم في رؤوسهم!. كانت الزوجة مسجّاة على فراشها، جثة هامدة لكن دون لحم!، حتى الرأس لم يسلم من الأسنان القاطعة كالسكاكين!، مجرد هيكل عظمي يسيل دماً!.
اندفع الزوج منكسر الظهر، أمسكوا به وأزاحوه عن الباب بقوّة...
- لا تتقدم أرجوك... أوكل أمرك لله تعالى.
جنّ جنونه:
- ماذا في الداخل؟! أجيبوا؟!
حاروا في الجواب... فتح الباب عنوة، ثمّ سقط مغشياً عليه!.
فتح عينيه، فوجد نفسه على الفراش، وجميع جيرانه يحيطونه برعايتهم. أمّا النساء فأصواتهن مرتفعة بالعويل والنحيب. عاد إليه وعيه فأجهش في البكاء...
- اللعنة علي... اللعنة علي... طالما حذرتني المسكينة
قال شيخ عجوز:
- لست وحدك الملام، لا أحد صدّق ما حدّثت به.
انخرط في البكاء، ثم قام فجأة وقد انتفخت أوداجه من الغضب. سارع إلى بندقيته، وهمّ بالخروج، حين أمسكوا به...
- ماذا ستفعل؟
- سأقتلها!... سأقتل أم حمار... سأقتل هذا الوحش الغدار.
حاولوا أن يمنعوه، لكنه انطلق كالمجنون، فتبعه بضعة رجال.
قال العجوز:
- غفر الله لنا ما أغبانا... كان علينا أن نصدّق المسكينه.
قال رجل آخر بحزم...
- المهم الآن أن نبحث عن حل لهذه الغوله؟
- وماذا بيدنا لكي نفعله؟!
- تقول ذلك وأنت شيخنا وأكبرنا سناً؟!
- لطالما سمعت من أبي وأمي عن أم حمار.. ولم أكن لأصدق أنها يمكن أن توجد بيننا!
- إنها بيننا الآن، وعلينا أن نبحث عنها وننال منها، والا لن تبق على أحد منا!.
- صدقني.. لا أحد يمكنه مواجهة أم حمار!
صاح في غضب..
- ما العمل إذن؟ أنتركها تأكل زوجاتنا وأطفالنا كما أكلت المسكينة؟!
هزّ العجوز رأسه في حيرة، وراح ينكت الأرض بعصاه في تسليم!.