تعريف التحريض
التحريض هو خلق فكرة الجريمة وخلق التصميم عليها في نفس الجاني بأي وسيلة كانت، ومن هذا التعريف يتضح:
أولاً: إن نشاط المحرض ذو طبيعة معنوية تعبيرية بمعنى أنه يهدف إلى تأثير على نفس الفاعل بما يحمله بعد ذلك على ارتكاب الجريمة.
ثانياً: أنه لا يخلق فكرة الجريمة في نفس الجاني وحسب ، بل يواصل الإلحاح عليها حتى يقطع على الجاني سبيل العدول عنها فمبدأ التحريض هو بث الفكرة لكن غايته ومنتهاه ومقصده هو خلق التصميم عليها باقترافها.
ثالثا: إن التحريض ينتمي إلى دائرة الأفكار والنوايا، لا دائرة الأفعال والنتائج ومن ثم إذاً يخاطب المحرض فكر الجاني وعقله.
وقد عين قانون العقوبات البحريني طرق الاشتراك في الجريمة وذلك في نص المادة «44» من هذا القانون والتي نصت على الآتي «يعد شريكاً في الجريمة من حرض على ارتكبها فوقعت بناء على هذا التحريض» لذلك فإن عقوبة المحرض بوصفه شريكاً في الجريمة تكون بالعقوبة المقررة للفاعل الأصلي ألا وهو الجاني ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. ومعنى القول إن المحرض ينال عقوبة الجاني إذا اقترف الأخير الجريمة، أما إذا لم ترتكب الجريمة فلا عقاب للمحرض إلا استثناء في بعض الجرائم التي نص عليها المشرع صراحة فيها على عقاب المحرض حتى ولو لم يكن لتحريضه أثراً.
وسائل التحريض
لم ينص القانون على وسائل التحريض بل تركها لمحكمة الموضوع التي تستخلص من الواقع والظروف قيام الركن المادي للجريمة، وبذلك يجوز أن يكون التحريض بهدية أو وعد بها أو وعيد أو إرهاب أو مخادعة أو دسيسة أو بإشارة أو باستعمال ما للشريك من التأثير النفسي على مرتكب الجريمة حتى إن جاءت بصيغة نصيحة أو أمر من المحرض للجاني بما لهذا المحرض من مكانة في نفس الجاني، لذلك قد يأخذ التحريض شكل الإيماءات والإشارات وقد يأخذ شكل الأقوال وقد يأخذ شكل الكتابة، المهم في كل ذلك أن يكون موحياً للفاعل بفكرة الجريمة هادفاً إلى حمله على ارتكابها قاطعاً عليه سبيل التردد فيها أو العدول عنها.
أنواع التحريض
أولاً: التحريض الخاص أو الفردي: وهو الذي يصدر من الشريك للفاعل وتقع الجريمة بناء عليه وهذا النوع هو المراد بنص الفقرة أولاً من المادة «44» من قانون العقوبات البحريني، فيجب أن يكون مباشراً وأن تقع الجريمة كنتيجة له بأن يتجه المحرض إلى نية إتمام العمل الإجرامي عن طريق الفاعل الأصلي فإذا لم تقع الجريمة فلا يعاقب المحرض.
ثانياً: التحريض العام: هو الذي يكون موجهاً إلى مجموعة من الناس أو إلى طائفة بغير تحديد للشخوص بأعينهم أي أنه يقتضي دوماً ركن العلانية.
ثالثاً: التحريض كجريمة قائمة بذاتها: ينبغي التميز بين التحريض كطريقة من طرق الاشتراك في الجرائم وبينه كجريمة قائمة بذاتها ومثال ذلك ما نصت عليه المادة «156» من قانون العقوبات والتي جرمت التحريض وجعلت عقاباً له السجن حتى إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر، وأيضاً قرر المشرع في قانون الإرهاب عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات للمحرض حتى ولو لم يترتب على فعله أثر.
وبذلك خرج المشرع الجنائي على القواعد العامة بأن قرر عقوبة للمحرض حتى لو لم يكن لتحريضه أثراً. وهذا الخروج كان حكمة صائبة من مشرعنا الجنائي لما لهذه الجرائم من نيل من كيان المجتمع وسلامته ذلك باعتدائها على المصالح الأساسية للمملكة والمواطنين.
فعندما يقوم شخص بتحريض مجموعة على ارتكاب جريمة الحرق التي تتفاوت فيها العقوبة من حبس أو سجن مؤقت أو سجن مؤبد أو إعدام فإن حتماً المحرض ستقع عليه نفس العقوبة لأنه في هذه الحالة لا يمكن اعتبار تحريضه مجرد حرية رأي إنما هو كلام مؤثر يطرق وبشدة على فكر ضعاف النفوس هدفه إتمام جناية الحرق، ويرى الفقه إن جرائم التحريض شديدة الخطورة تهدف إلى إشعال الفتن ببثها سموم خبيثة تؤدي في بعض الأحيان إلى التخريب أو الحرق أو الإتلاف.