تعد المواطنة من الضرورات الحيوية والجوهرية في قيام المجتمع الديمقراطي المدني، ولا يمكن النهوض بالمجتمع الديمقراطي بمعزل عن المواطنة وتعزيز وتفعيل دورها في المجتمع المدني الديمقراطي.
والنظام الديمقراطي نظام منهجي حضاري يؤمن للمجتمع إدارة سياسية سليمة تعتمد على بنية مؤسساتية وتنظم العلاقات الاجتماعية بين المواطنين وتصون مبدأ المساواة السياسية والديمقراطية: هي مجموعة ممارسات سلوكية سياسية من خلال مشاركة أغلبية الشعب بعمليات الممارسات الديمقراطية كالترشيح والانتخاب والاحتجاج والتظاهرات والاستفتاء والتصويت والتعبير عن الرأي بشكل حر، والوصول إلى المراكز الإدارية والسياسية.
والديمقراطية تقترن بالمواطنة لأنها تعني أن الشعب يحكم نفسه بنفسه، لأن الديمقراطية تمنح المواطن حق المشاركة في ممارسة العمل السياسي واختيار ممثليه في البرلمان والحكومة والاقتصادية والاجتماعية.
ومن أهم مقومات المجتمع الديمقراطي تعزيز المواطنة كمفهوم وسلوك من أجل تقويم وبناء المجتمع ديمقراطياً من خلال مشاركة الشعب في الممارسات والفعاليات السياسية، فتنمية الحس الوطني من خلال وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة ومؤسسات المجتمع المدني عن طريق البرامج التثقيفية التي تساهم في رفع الوعي الوطني للمواطن وتعزيز الوعي السياسي. إن إرادة الشعوب تبدأ بالوعي السياسي لصناعة القرار والمشاركة العملية في رسم المستقبل السياسي والاقتصادي للمجتمع الديمقراطي، فالتنشئة السياسية يجب أن تشمل وتؤسس قيم المواطنة والديمقراطية، والعمل الجماعي ونظام المؤسسات وتشجيع الإبداع والكفاءة والمساواة بين الرجل والمرأة، في إطار الدولة الديمقراطية.
يتطلب النظام الديمقراطي وجود ثقافة وطنية أساسها التسامح، والتثقيف والتوجيه لأهم مبادئ حقوق الإنسان لأنها تعتبر من أهم مقومات بناء المجتمع الديمقراطي لضمان حق المواطن وحفظ كرامته في حدود الوطن، ومشاركة المرأة سياسياً وتعزيز دورها السياسي والثقافي في المجتمع الذي يعتبر تأكيداً على عامل الانتماء للوطن وهي من مقومات المجتمع الديمقراطي.
إن مشاركة المرأة في صياغة الرأي العام وصناعة القرار السياسي أسلوباً حضارياً وطريقة مثلى لإحداث تغيرات جذرية وجوهرية على شكل النظام السياسي الجديد، والذي من شأنه تجاوز كل معوقات الماضي الذي اقتصر على مشاركة الرجل دون المرأة وكفالة الحريات العامة وحماية الأفراد من مهام الدولة في ممارسة حقوقهم وحرياتهم وضمان تمتعهم بها خاصة الاقتصادية والفكرية والسياسية، فهامش الديمقراطية يتسع في الأنظمة الوطنية التي تؤمن بالمواطنة كمعيار لكفالة الحريات لأبناء شعبها.
من المهم أيضاً التأكيد على دور التربية والمناهج الدراسية في تطوير مفهوم المواطنة والديمقراطية، لأن التربية هي من المقومات الأساسية في التنشئة السياسية للطفل، والمناهج الدراسية تساهم في رفع وبلورة الوعي الوطني والديمقراطي للطالب من خلال طرح ثقافة المواطنة والديمقراطية كأحد المقررات في المناهج الدراسية والتثقيف الانتخابي، فالانتخابات لها تأثير مباشر في إرساء مبادئ العدالة والمساواة والتأكيد على عامل الانتماء للوطن، ونشر الثقافة الانتخابية بين أفراد المجتمع الذي يساعد في رفع مستوى الوعي السياسي وغرس الشعور بالمسؤولية نحو المشاركة بصناعة القرار.
إن هذه الثقافة تعزز القيم الوطنية والديمقراطية التي تؤمن بالعدالة والتوزيع العادل للثروة الوطنية، فكلما تم توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل ومنصف على عموم الشعب والمناطق من حيث التنمية والخدمات والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، كلما زاد الولاء للوطن وأصبحت الديمقراطية ممكنة لبناء المجتمع، فالتوزيع للثروة يجب أن يكون على أساس المواطنة دون أي تمييز طائفي أو عرقي.
لم يعد خافياً على أحد من المتابعين بأن ظاهرة الفساد الإداري والمالي من أخطر الظواهر التي تساعد على انهيار الاقتصاد وتأخر البلاد ، ويدفعها في اتجاهات لا تحمد عقباه نحو النفق المظلم، فلقد شكل الفساد المالي والإداري وخاصة حين يكون على مستوى عالي النطاق وبحماية من لدن مسؤولين مما يشكل تهديداً للديمقراطية لذلك (لا يمكن أن تتحقق ولا يمكن لأي مجتمع كان أن ينجز الديمقراطية بدون ديمقراطيين حقيقيين مؤمنين بالديمقراطية ويمارسونها أسلوباً يومياً في حياتهم في غدوهم ورواحهم كما يقولون.
لا يمكن أن أكون ديمقراطياً ومدافعاً صلباً وحقيقياً عن الديمقراطية ما لم أمارس الديمقراطية أولاً داخل بيتي الصغير وبين أفراد أسرتي، فهذا هو واجبي الأول كديمقراطي لا يصادر حقوق أسرته في التمتع بمناخ وبمساحات ديمقراطية داخل البيت.. وكم واحد منا سأل نفسه وهو يرفع صوته عالياً ويشحذ قلمه مطالباً بالحقوق الديمقراطية السياسية واستكمالها، عن حجم المساحة الديمقراطي وعن مدى التزامه وتطبيقه وإعطائه الحقوق الديمقراطية لأسرته الصغيرة.. فهناك تتضح الحقائق وتختبر ديمقراطيتنا الحقيقية من ديمقراطيتنا المظهرية.
كيف أطالب بالحق الديمقراطي السياسي، وكيف أحتج على عدم استكماله في الوقت الذي أقمع بكل وسائل القمع وأساليبه، الحق في ديمقراطية اجتماعية داخل فلا يكفي وجود البرلمانات ولا يكفي الإقرار بقاعدة الانتخابات والتمثيل السياسي، بدون وجود الثقافة السياسية الديمقراطية والوعي بالحقوق الديمقراطية.
إن تأسيس بيئة حاضنة للديمقراطية في مجتمعاتنا يحتاج في الواقع إلى تراكم وتطور تدريجي طويل الأمد، وهي بحاجة إلى نزع جذور التسلط في الثقافة السائدة، سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم موروثاً دينياً سلبياً أم عادات أم تقاليد، للتخلص من ثقافة الإكراه السائدة في الحكم والمجتمع والمدرسة والحزب والمؤسسة الدينية والأسرة مهمومة في المقام الأول بشواغل جوهرية تتعلق بحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية
والحقيقة أن إطلاق حرية إنشاء الأحزاب والحرص على توفير أفضل السبل الكفيلة بإنجاحها، وإنما الديمقراطية الحقيقية تبدأ بوجود ديمقراطية داخل الأحزاب نفسها بدءاً من المراحل الأولى لتأسيسها ووصولاً إلى اختيار كوادرها القيادية.

عبداللطيف بن نجيب بن أحمد
متطوع بدار يوكو لرعاية الوالدين وناشط اجتماعي