نعيش في زمن يعاني فيه شبابنا من موجة الشهوات التي تتلاطم في وجوههم، وتعبث بأجسادهم، أشغلتهم عن دينهم وأضاعت عليهم دنياهم، ولكن الأمر لم يتوقف عندها فحسب، بل تعدى نحو موجة أخرى تعلوها وتطغى عليها وتفوقها خطراً وأثراً وقوةً في المفعول؛ إنها موجة الشبهات وأعظمها وأخطرها شبهة التكفير واحتقار أهل العلم والفضل والتزهيد من مكانتهم، شبهة خبيثة غرق فيها شبابٌ في سن الزهور، كان الأجدر بهم أن يكونوا مصلحين لدينهم وأمتهم -أو على الأقل لأنفسهم-، شبهة عظيمة تهلك الحرث والنسل، ومنهج بغيض يستخدمه أصحابه لقطع رقاب شبابنا، ورميهم في مستنقعات الفتن، وسوقهم نحو الهلاك الذي لا نجاة من ورائه إلا أن يشاء رب العباد.
لقد نشط في الآونة الأخيرة أهل التكفير وأصحاب الفكر الخارجي أو ما يطلق عليه اليوم بـ«الدعشنة»، فاستغلوا الكثير من شبابنا ليحققوا هدفهم الأسمى في تدمير الأمة الإسلامية وتفريق صفها، وقد وضع لهم إمامهم الأعظم عبد الله بن سبأ اليهودي القاعدة والأساس الذي ينطلقون من خلاله القائم على الطعن والتكفير لأمراء المسلمين والخروج عليهم، والسب والشتم والتحقير للعلماء الربانيين والمصلحين؛ لأن بهذين الصنفين يصلح المجتمع، ويلتحم الصف، ويسود الأمن والرخاء، ويتحقق صلاح ورشد الأمة.
إن الكثير من شبابنا اليوم ذهبوا ضحية هذا الفكر الخبيث؛ فغُسلت مخوخهم، وقستْ قلوبهم، وتغيرت أخلاقهم من أشخاص يدَّعون نصرة الأمة ورفع راية الدين، وهم -والله- أبعد الناس عن ذلك، فما خدموا إلا الأشرار، وما نصروا إلا الأعداء والفجار، ولا رفعوا للدين رأساً، ولا كسروا للعدو فأساً، كذبوا والله في زعمهم؛ تجد الواحد منهم يعيش في ظلمات الجهل والسفه: لا يجيد قراءة الفاتحة ولا يحسن طهارته ليقيم بهما صلاته، ولا يعرف من القرآن إلا مجرد ألفاظ خالية من المعاني فينزلها على من شاء وكيف شاء، وهذا مصداق وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم: (يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم) فلا علم ولا فقه ولا تدبر، ووصل الحال بالكثير منهم إلى الجهل بمعنى «لا إله إلا الله»..!! التي هي أساس الدين ولا يقبل إلا بها، فكيف يكون مثل هؤلاء ناصرين للأمة، رافعين لرأسها، وكيف نرضى أن نسلم لهم شبابنا، وفلذات أكبادنا؟!
كيف ندع لهم شبابنا يغذونهم بمثل هذه الأفكار الشيطانية والأساليب السبئية؟! فإنك تلحظ الشاب على طريق سويٍّ مستقيم محب للخير وأهله، وخلال ساعات أو أيام معدودة يأتيه أحد من أصحاب هذا الفكر فيطعمه شيئاً من أفكاره المسمومة؛ فيرجع إليك وقد تغيرتْ مبادئه، وساءت أخلاقه فلا يتكلم إلا بلغة تكفير الحكام ومن يعاونهم جملة وتفصيلاً، ولا يبدي لك إلا بذاءة الأخلاق من سب وشتم وتنقص للعلماء والمصلحين والناصحين، بل ويجرؤ على مد يده عليك متى ما جلست معه لتصحيح خطئه وتبصيره بالحق، وتجد فكره وشغله الشاغل كيف يذهب إلى بلاد الفتن والاضطراب ليقوم بما يسميه شعيرة الجهاد المزيف الذي خدع بها؛ فلا يعرف شروطها وآدابها، ولا يدري ما ضوابطها، ولا يعلم أحكامها وحكمها..!!
هكذا أصبح بعض شبابنا؛ إن لم نتداركهم ونقطع يد ذلك الخارجي المارق الخبيث الساعي لإشعال الفتن وشق الصف؛ فإن الأمر سيزداد سوءاً وتعقيداً، فسارعوا يا من لكم سلطة لوضع حد لهذا الفكر الذي لم نر من ورائه إلا الشر والدمار، وبدأ يبسط باعه في مجتمعنا، واهرعوا أيها الآباء لحفظ أبنائكم ووقايتهم من هذه النار المحرقة، حافظوا على أبنائكم بطلب العلم الشرعي الصحيح من مصدره الصحيح وعند أهله وحملته الأكْفاء ما دام أنهم محبون للخير فلا يزيل الجهل إلا العلم والمعرفة، وتفقدوهم بالتوجيه والنصح والمراقبة، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، واطلبوا من الله العون؛ فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
محمد بن مطهر