أكد مديرو وكالات الأنباء العربية، الدور المهم لوكالات الأنباء العربية على صعيد نشر الأخبار الموثوقة والتصدي للشائعات والمعلومات الكاذبة والمحرفة، وتوعية المواطن لضرورة استقاء المعلومات من مصادرها.
ودعا المدراء المشاركين في أعمال الجلسة الحوارية «الأخلاقية والكفاءة في عمل وكالات الأنباء» على هامش افتتاح أعمال المؤتمر الـ42 للجمعية العمومية لاتحاد وكالات الأنباء العربية «فانا»، تحت رعاية وزيرة الدولة لشؤون الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة سميرة رجب، إلى الالتزام بالموضوعية والمهنية، وضرورة أن تواكب وكالات الأنباء سرعة انتشار الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، لمواجهة ما تبثه من أخبار مضللة غير صحيحة.
أخلاقيات المهنة
وقال رئيس وكالة الأنباء السعودية عبدالله الحسين، إن الأخلاقية سمة أساسية لعمل وكالات الأنباء وعنصر محوري للكفاءة والنجاح، مشيراً إلى أن وكالات الأنباء العربية تقدم عبر أدائها ومازالت نماذج عملية للأخلاقية والكفاءة، عبر الاعتماد في نقل الأخبار عن أي دولة عربية على الوكالة الوطنية للدولة دون سواها، لضمان عناصر المصداقية والدقة والموضوعية.
واعتبر خلال جلسة رأسها مدير عام وكالة الأنباء الأردنية «بترا» فيصل الشبول، أهم المبادئ والقيم الأساسية المعمول بها في هذا الشأن، الصدق والدقة والحيادية والموضوعية والأمانة وعدم تشويه الحقائق أو السعي للمنفعة الخاصة، مع احترام خصوصيات الآخرين وثقافات الشعوب الأخرى والإنصاف والمساواة في تبادل المعلومات وتحمل المسؤولية الاجتماعية لتعزيز قيمها الإيجابية، وصيانة أعراض الناس وعدم الإساءة للشعوب والدول والأفراد، وتحاشي جميع أشكال الإثارة أو التضخيم.
وأضاف أن أخلاقيات مهنة الصحافة تنبع من مصادر عدة من ها السياسة الإعلامية وطبيعة المؤسسة الصحافية وفريق العمل بها، إلى جانب المجتمع باعتباره من المصادر المهمة لأخلاقيات المهنة، واصفاً إياه بأنه المنبع الرئيس يستمد منه الصحافي أخلاقياته المهنية، والقيم الاجتماعية والأعراف والعادات والتقاليد السائدة وطبيعة التنشئة الاجتماعية.
وعدد أبرز مقومات عمل وكالات الأنباء العربية، الواجب أن تستند إليها لتحقيق رسالتها الإعلامية، هي نقل الحقيقة بدقة وسرعة وموضوعية مع احترام الأسس الأخلاقية المتعلقة بالصحافة، والأنظمة السائدة وعدم التحيز في نقل الأخبار واحترام العقل وكرامة الإنسان.
وأوضح أن لوكالات الأنباء العربية دوراً مهماً على صعيد توعية المواطن بما يدور حوله في العالم من قضايا تهمه وتؤثر في تشكيل الرأي العام، وتكوين صورة صحيحة عن مجتمعه والعالم حوله، إلى جانب التصدي للمعلومات المضللة والمحرفة وأخبار تمس الأسس الدينية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، والمساهمة في تحصين المجتمع ضد أي أفكار لا تتفق والدين الحنيف أو العادات والمبادئ والأخلاق.
ودعا إلى الالتزام بمعايير محددة لتحقيق الكفاءة المهنية المطلوبة في عمل وكالات الأنباء العربية، مثل التدقيق في المعلومات والتعمق في المحتوى الإخباري وسرية المصادر والنزاهة والمصلحة العامة، إلى جانب وضوح الرؤية واستشعار المسؤولية القانونية والمجتمعية واستخدام التقنية الحديثة، وحسن الإدارة وإدراك طبيعة الرسالة الإعلامية وتزويد فرق عمل وكوادر المؤسسة بالعلم والتدريب اللازمين، وتوفير التمويل والارتقاء بالمقر وتجهيزاته الأساسية لأداء العمل.
وأكد أهمية أن تتبنى وكالات الأنباء العربية أهداف استراتيجية طويلة الأجل وأخرى تكتيكية أو قصيرة الأجل، منوهاً إلى تأثيرات البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي لا تستطيع إدارة المؤسسات الإعلامية الناجحة أن تحقق أهدافها بمعزل عنها.
وقال إن ممارسة العمل في وكالات الأنباء وفي الصحافة بشكل عام، تؤكد الترابط الوثيق بين الأخلاقية والكفاءة، لافتاً إلى أن القواعد الأخلاقية لا تهدف إلى فرض معايير قابلة للتطبيق قانونياً بقدر إعطاء الصحافي إطار عمل لمساعدته، خاصة أن أخلاقيات العمل الصحافي أصبحت مشكلة عالمية، وفي ظل الثورة الإعلامية والمعلوماتية والاتصالية الحديثة يتجه العديد من الاتحادات والمؤسسات الصحافية في العالم نحو مراجعة مواثيقها المهنية استجابة للتطورات المتلاحقة في الساحة السياسية والإعلامية، لإرساء مبدأ الالتزام بالمسؤولية وتدعيم التزام الإعلاميين بالقيم والمعايير الأخلاقية للمهنة وسعياً لزيادة وعيهم وتقديراً لأمانة الكلمة.
مصداقية وكالات الأنباء
من جهته قال مدير وكالة الأنباء العمانية د.محمد العويم، إن وكالات الأنباء هي مؤسسات وطنية تعمل بالتعاون مع الجهات الرسمية في الدولة لتوصيل معلومات تهم المواطنين، وهي الناطق الرسمي والشريان الوحيد لوسائل الإعلام الصحافية والمرئية وغيرها لتقديم معلومات تهم القطاع الكبير من المواطنين، معتبراً الوكالات المصدر الموثوق دائماً بصحة الخبر ودقته، وهو ما يميز وكالات الأنباء عن المؤسسات الإعلامية الأخرى.
وأكد العويم أن وكالات الأنباء لا يهمها السبق الصحافي بقدر ما يهمها توصيل معلومة رسمية تهم المواطنين في حياتهم اليومية، لذا تركز على المسائل المهمة بعيداً عن الإثارة، وإذا أراد الناس أن يتأكدوا من صحة خبر ودقته دائماً يرجعون لوكالات الأنباء فيجدوا فيها الحقيقة المجردة. وأضاف العويم «تنبع أهمية أخبار وكالات الأنباء باعتبارها مؤثرة، وينتشر الخبر الصادر عنها على نطاق واسع وغير محدود، وقبل 200 عام كان العالم كله يعتمد على ثلاث وكالات أنباء فقط، هي من تتحكم في توزيع الأخبار ونشرها، وتهتم بالمحاصصة الاستعمارية العالمية وتنشر الأخبار وفق رؤيتها ووفق أجندتها السياسية بعيداً عن الأخلاق والمهنية».
وأردف «قبل 50 عاماً حاولت الأمم المتحدة تهشيم هذه السيطرة، وقبل 20 عاماً عاد الاستعمار من جديد يمارس رؤيته وفق منظور استعماري جديد، مستفيداً من التطور التقني الكبير في العالم، من خلال تسريب الأخبار ودس المعلومات في الأخبار وتسميمها، ما يؤكد أن القوى الاستعمارية الإعلامية لا تتقيد بأخلاق ولا بمهنية ويساعدها في ذلك إمكاناتها الهائلة وانتشار مكاتبها في العالم الذي يتراوح ما بين 300 إلى 400 مكتب في كافة الدول».
ونبه إلى أن وكالات الأنباء العربية الآن في تحد كبير بعدما يسمى بثورات «الربيع العربي»، حيث أصبحت مهمتها صعبة بقدر كبير فلابد من إقناع المواطنين بأن الدولة تعمل جاهدة من أجل صالح البلاد وتنميتها وازدهارها، ومن أجل خدمتهم والارتقاء بهم.
الإعلام والتطور التكنولوجي
من جانبها أعربت مدير عام الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان نور سلمان، عن أملها أن تزيد مثل هذه الفعاليات والنقاشات إصرار الدول الأعضاء باتحاد وكالات الأنباء العربية على المضي في عملية تطوير الإعلام الرسمي ومواكبته التطور التكنولوجي، وبما يمكنه من أداء دوره كاملاً على صعيد التزامه الموضوعية والدقة في نقل الخبر الصحيح والموثوق به.
وأشارت في ورقتها المعنونة بـ»مهنية الصحافي في الوكالات الرسمية وكفاءته شرط لممارسة الحرية الإعلامية»، إلى تجربة رئاستها للوكالة الوطنية للإعلام في لبنان، معتبرة أنه رغم من تبعية الوكالة لوزارة الإعلام، لكن ذلك لا يعني أنها وكالة للرسميين، ورغم أن لديها مراسلين في كل المقار الرئاسية والوزارات، لكن لديها في المقابل مكاتب في كل قضاء في لبنان لمتابعة شؤون الناس وشجونهم وتغطية نشاطاتهم ولإلقاء الضوء على مشكلاتهم. وقالت إن الوكالة والعاملين بها أخذوا عهداً على أنفسهم أن يكونوا على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، وأن يتركوا أهواءهم السياسية وميولهم على حدة، ويعملوا يداً واحدة في سبيل إعلاء شأن الكلمة الحرة والمسؤولة، لافتة إلى أن «مسؤوليتنا لا تقتصر على نقل أخبار المسؤولين واستقبالاتهم بل تتعداها إلى الأخبار والتحقيقات الأمنية والقضائية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها».
وشددت على أن السرعة في نقل الخبر، في ظل المنافسة الشديدة، لا تبرر التسرع في الاستغناء عن المصادر الموثوق بها وفي عدم التحقق من صدقيتها.
وأضافت أن الوكالة الوطنية للإعلام «اتخذت قراراً، دون أي ضغوط من أي جهة، بالإحجام عن نشر كل ما يحض على العنف والكراهية، ويدعو إلى الانتقام ويقيم تمييزاً بين المواطنين على أساس انتماءاتهم، عاملين على تنقية الأخبار من لغة التحقير والتشهير والتهجم والبذاءة والتهكم المسيء إلى كرامات الأشخاص والجماعات، حتى ولو كان صادراً عن وزير أو نائب أو مسؤول، ونحرص على نشر الأخبار كما هي من دون تحريف أو إخفاء للحقيقة».
وبينت أن «الإعلام الرسمي ليس بالطبع، كما يحاول البعض تصويره على غير حقيقته، إعلاماً دعائياً أو إعلاماً للسلطة في مواجهة معارضيها، لكنه إعلام للجميع، غير منحاز إلى أحد ويسهم في تعزيز المواطنة الحقيقية، ويؤمن باحترام حق المواطنين في المعرفة، ويتيح لهم تكوين قناعاتهم بأنفسهم». وأكدت ضرورة أن يتحول الإعلام الرسمي إلى «إعلام تواصل، بين المواطنين والسلطة من جهة، وبين المواطنين أنفسهم من جهة ثانية، وبشرط عدم تغليبه الرأي على الخبر، وعدم تغييبه للرأي الآخر بحيث يكون على مسافة واحدة من القوى السياسية، وأكثر اهتماماً بالقضايا الحياتية للمواطنين».
ضوابط العمل الصحافي
من جهته دعا مدير عام وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» طارق الشامي، إلى أهمية توجه وكالات الأنباء العربية للتحول من واقعها كوكالات حكومية إلى وكالات عامة، لاسيما مع تسارع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية واقتحام المجتمعات لأسوار السياسة وسياجاتها، ما يعني أن ثمة ظروفاً مساعدة لذلك التحول على المستوى السياسي واستعداداً على المستوى المجتمعي.
وقال إن «ثمة عوامل خارجية داعمة ومساعدة أيضاً يمكن توظيفها في طريق التحول، خاصة مع تواجد الإدارة والإرادة الراغبة في التغيير والتطوير.
وأضاف أن هناك «عوامل تقف حجر عثرة في طريق التحول، يأتي في مقدمتها قصور الإمكانات المادية بدرجة رئيسة وتواضع الكوادر المؤهلة، ما يتطلب مزيداً من الجهود في تغيير أساليب التناول والتنوع في تقديم المحتوى الحديث والمتجدد، مع تنفيذ أنشطة ذات علاقة بالمجتمع وبالرأي العام، وتوظيف الرصيد المعلوماتي المتراكم الذي تقف عليه وكالات الأنباء، إضافةً إلى الاستفادة من تواجد ممثليها المتسع جغرافياً». وذكر أن وكالات الأنباء العربية مطالبة اليوم بإضافة أدوار جديدة لدورها التقليدي، لمواكبة المتغيرات من خلال التنويع في أنشطتها، وتحديث التناول وبما يتناسب مع تطور الآلة الإعلامية الحديثة، واستمرارية التدريب والتأهيل،
قواعد الأخلاق
من جهته اعتبر الأمين العام للاتحاد د.فريد أيار، في ورقته المعنونة بـ»القواعد الأخلاقية الفضيلة والكفاءة الصحافية»، أنه مهما كثرت مواثيق الشرف الإعلامية وتعددت موادها وفقراتها الداعية إلى التمسك بالأخلاق، فإنها «تصبح حبراً على ورق إن لم يصاحب ذلك إدراك الصحافي ضرورة التقيد بها». ونبه إلى أن هذا الإدراك لابد أن «يتربى عليه الصحافي منذ نعومة أظفاره، في البيت والمدرسة والمحيط، بحيث يرسخ في ذهنه القدر الكافي من المعاني الأخلاقية كالأمانة، الحياد، عدم الحقد، المحبة، النزاهة، احترام الآخرين وحقوقهم وعدم التحيز وغيرها».
وذكر أن «الأخلاقية بقسميها، الحقوق والواجبات وقيم الفضيلة، تصبح من الشروط الضرورية لكي يصبح الشخص صحافياً جيداً وعلى الصحافي الجيد الكفء أن يوفق ويزاوج بين الممارسة المهنية وبين القواعد الأخلاقية، وأن على المرء أن يميز بين المقاييس الأخلاقية الاعتيادية ومقاييس أخلاقية الصحافيين. وأوضح أنه «عند النظر إلى هذه المقاييس من داخل المجتمع الصحافي يمكن اعتبار ممارسات اختلاس السمع أو انتهاك العزلة الشخصية لأغراض الحصول على مواد إخبارية مهمة باعتبارها تتوافق مع المقاييس المهنية العالية في الحقل الصحافي، ولكن عند النظر إليها من خارج المجتمع الصحافي يمكن اعتبارها تستحق الشجب من الوجهة الأخلاقية». وقال إنه «لا يستطيع أي قانون للأخلاقيات أن يعطي حلولاً لكافة المشكلات الأخلاقية المحيرة في حياتنا اليومية أو في الصحافة، وأن كل ما نحتاج إليه هو أسلوب معقول ومنهجي للتعامل مع هذه القضايا»، حيث ينخرط العديد من الأشخاص الجدد في هذه الأيام في حقل الصحافة ويجلبون معهم فلسفات جديدة حول أخلاقياتها.