أعلنت الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة هالة الأنصاري أن المجلس يعكف حالياً على صياغة وثيقة استراتيجية وطنية لمناهضة العنف الأسري، تطلق خلال الربع الأول من العام المقبل، بالتعاون والتنسيق مع جهات رسمية ومدنية معنية، وتنظم العلاقة بين جميع الأطراف المسؤولة عن معالجة ومواجهة ظواهر العنف الأسري بأشكاله المختلفة في البحرين، بهدف تحديد إطار الوقاية والحماية من العنف في التوجه الاستراتيجي للمؤسسات العاملة في حماية حقوق المرأة. وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة -الذي يصادف 25 نوفمبر من كل عام- أوضحت الأنصاري أن الوثيقة الوطنية، يأتي مضمونها كإطار مرجعي لدعم وتطوير كافة الخدمات التي تقدم للمرأة البحرينية على صعيد حمايتها من العنف الأسري، مشيرة إلى ارتباط ذلك بأثر استقرار الأسرة في الخطة الوطنية لاستراتيجية نهوض المرأة البحرينية (2013-2022)، وارتباطها بموضوع العنف الأسري وأثره في استقرار الأسرة في المحصلة الثانية، التي تهدف إلى حماية المرأة من كافة أشكال العنف من خلال تبني الهدف العام الخاص بتعزيز مبدأ سيادة القانون المنصف للنساء، وتحسين الآليات المؤسسية في التعامل مع النساء المعنفات، للوصول الى مجتمع مبني على اساس تكفل المساواة والعدالة لجميع الافراد في المجتمع دون تمييز. وبينت الأمين العام أن عملية إعداد الخطة الاستراتيجية تعتمد على مبدأ الشراكة التامة بين جميع الأطراف سواء من القطاع الحكومي أو الخاص أو الأهلي، إضافة إلى النساء أنفسهن من المواقع المختلفة، وذلك إيماناً بأهمية إشراكها في جميع الميادين للتعبير عن احتياجاتها في جميع المجالات دون تمييز. ولفتت إلى ان إعداد هذه الاستراتيجية يأتي متسقاً مع الملاحظات الختامية للجنة القضاء على جميع اشكال التميز ضد المرأة (السيداو) عقب مناقشة التقرير الثالث في جنيف فبراير الماضي، وتوصيات مجلس حقوق الانسان التي تحث على وضع استراتيجية وبرنامج شامل لمعالجة كل أنواع العنف ضد المرأة. يشار الى ان الخروج بمسودة استراتيجية وطنية تحمي المرأة من العنف الأسري، يأتي بهدف تحديد إطار الوقاية من حيث تعزيز مبدأ الوقاية من العنف في التوجه الاستراتيجي للمؤسسات العاملة في حماية حقوق المرأة، وتحديد إطار الحماية والخدمات عبر التصدي للعنف الاسري ضد المرأة عبر التكفل بالضحايا و تقديم الخدمات المؤسسية الشاملة و المنسقة بين المهنيين و الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي المقدم للنساء المعنفات، بالإضافة إلى اطار التشريعات بوضع قانون لحماية المرأة من العنف الاسري ومراجعة القوانين الوطنية لضمان انسجامها مع روح الدستور والاتفاقيات الدولية المناهضة للعنف القائم على النوع، وإطار الدراسات والبحوث من حيث إجراء الدراسات العلمية الرصينة حول العنف ضد المرأة، واطار المتابعة و التقييم لتنفيذ الاستراتيجية وتقييم خدمات الوقاية والتصدي للعنف.مشاريع طموحة للمجلس بالمناسبة، أكد باحثون وقانونيون ورجال دين أن مملكة البحرين تمكنت من كبح جماح ظاهرة العنف ضد المرأة التي تتفاقم على مستوى دول العالم حتى المتقدمة منها، مشيـرين إلى أن المشاريع الطموحة والصبورة التي ينهض بها المجلس الأعلى للمرأة بالتعاون مع شركاء محليين وإقليميين ودوليين، إضافة إلى البرامج الإعلامية والتربوية، أسهمت في حصر تلك الظاهرة على أوسع نطاق. وأضافوا بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة أن شرائح واسعة من المجتمع البحريني ذكوراً وإناثاً تسودهم الآن ظاهرة «استهجان العنف ضد المرأة»، لافتين إلى أن ضغوطات الحياة والانفتاح السلبي على الغرب والزواج المبكر وضعف الروابط الأسرية وغيرها ولَّدت أشكالاً جديدة من العنف ضد المرأة يجب الانتباه لها ومكافحتها.لا أرقام دقيقة خليجياًوقالت خبيرة الإرشاد النفسي والأسري د.بنة بوزبون: ليس هناك أرقام دقيقة على مستوى دول الخليج العربي يمكن من خلالها معرفة دقيقة لتفشي أو انحسار ظاهرة العنف ضد المرأة، ولا يوجد مرصد وطني واحد مسؤول عن حصر تلك الحالات، والأرقام المتوفرة لدى مراكز عديدة في كل دولة لا يمكن الاعتداد بها، حيث أنها لا ترصد جميع حالات العنف على المستوى الوطني ككل، كما أن حالة عنف واحدة ربما تكون مكررة في جميع تلك المراكز.وأضافت «نتيجة لذلك نحن نلجأ إلى دراسات حالات محددة على شكل عينات مختارة، ومن خلال دراستنا نلاحظ أن هناك تطوراً في وعي المرأة البحرينية إزاء معرفتها بحقوقها»، مشيرة إلى تنامي ظاهرة استهجان العنف ضد المرأة في المجتمع البحريني بسبب البرامج التثقيفية والاجتماعية ونشاطات التوعية بهذه الظواهر الاجتماعية السلبية، والجهود الكبيرة التي يبذلها المجلس الأعلى للمرأة عبر مشاريع وبرامج عديدة».وخصت د.بوزبون بالذكر مركز دعم المرأة في المجلس الأعلى للمرأة والاستشارات والخدمات التي يقدمها، ومن بينها «الطلاق الاتفاقي الآمن» الذي يضمن أقل أثر سلبي ممكن على الأطفال عند انفصال الوالدين، مردفة «عندما نراجع القضاة الشرعيين في المحاكم الشرعية خصوصاً بعد صدور الشق الأول من أحكام قانون الأسرة نلاحظ أن حالات الطلاق إما قلت وإما أصبحت أقل ضرراً على الزوجين وعلى المجتمع، وهذا يرجع في جزء كبير منه إلى برامج ومشاريع المجلس الأعلى للمرأة». منظومة تشريعات وقوانين متكاملة من جانبه أكد المحامي والناشط الحقوقي فريد غازي تطور التشريعات والقوانين البحرينية التي تكافح ظاهرة العنف ضد المرأة، مشيراً إلى وجود «منظومة متكاملة من تلك التشريعات والقوانين التي تجرِّم أي اعتداء جسدي أو نفسي على المرأة». ولفت غازي إلى مبادرة مملكة البحرين بمساهمة طوعية لدعم صندوق الأمم المتحدة لإنهاء العنف ضد المرأة، وذلك بناء على جهود بذلها المجلس الأعلى للمرأة لغرض دعم كافة الخطوات والبرامج الدولية والأممية الرامية للحد من ظاهرة العنف ضد المرأة سيما في إطار برامج المرأة في الأمم المتحدة التي تعززت بعد إنشاء آلية موحدة لبرامج المرأة المتمثلة في كيان يعني بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، مشيراً الى ان البحرين من أوائل الدول العربية التي قدمت مساهمة لصندوق الأمم المتحدة لإنهاء العنف ضد المرأة والذي يعتبر الآلية الوحيدة المتعددة الأطراف لتقديم المنح من أجل دعم الجهود الرامية لإنهاء تلك الظاهرة. أين القانون؟ من جانبها قالت رئيسة جمعية الرفاع النسائية الثقافية د.هالة جمال إن ظاهرة العنف ضد المرأة باتت من الظواهر المقلقة على مستوى المجتمعات العربية، وهو ما دفع بالعديد من المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة إلى رفع وتيرة مطالبها بتوفير الحماية القانونية لها، مشددة د.جمال على ضرورة تجاوز الدور السلبي للعادات والتقاليد الموروثة التي تستهل ممارسة العنف ضد المرأة. ودعت د.جمال إلى وضع قانون صريح يجرم جميع أشكال العنف الأسري في البحرين، ويمنع تحول تلك الحالات الفردية إلى ظاهرة، ويحافظ على تماسك الأسرة والمجتمع، موضحة أن العنف ضد المرأة يمثل صورة من صور القصور الذهني حيال موقف معين وهو مؤشر على غياب الشعور بالأمن والنفس غير المطمئنة ويعد مؤشرا لضعف شخصية من يلجأ إليه ورغبة مريضة في التسلط.قانون الأسرة واستمرار التعنيف من جانبها قالت المحامية والناشطة الحقوقية سهى الخزرجي أن تأخر إصدار الشق الثاني من قانون الأسرة يفاقم حالات العنف الممارس ضد كثير من النساء، من اللواتي يطلبن الطلاق من أزواجهن نتيجة أسباب كثيرة من بينها تعنيفهن أو ضربهن أو هجرانهن، لكنهن لا يستطعن إلى ذلك سبيلاً.ولفتت الخزرجي إلى أن انضمام البحرين طواعية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) يحتم عليها الإسراع بإصدار قانون أحكام الأسرة كاملاً، ورفع الظلم عن النساء العالقات في المحاكم الجعفرية منذ سنوات وسنوات.وعن حالات العنف ضد المرأة قالت إنها تتراوح بين الإيذاء الجسدي مثل الضرب والتنكيل، والنفسي مثل المعاملة القاسية أو مخاطبتها بألفاظ نابية أو أخذ راتبها عنوة، أو عدم الإنفاق على المنزل، أو عدم الزيارة، أو هجرها، أو اتهامها بشرفها.حملات توعية دينيةبدوره أكد خطيب وأمام جامع سبيكة الأنصاري الشيخ إبراهيم الحادي أن تعاليم الإسلام الحنيف التي يتمسك بها المجتمع البحريني أفضت إلى وعي كبير بمعاملة المرأة معاملة حسنة، واحترامها وإعطائها كامل حققها أماً وأختاً وزوجة وابنة، لافتاً إلى أهمية القيام بحملات وعي عبر المنابر الدينية تذكِّر الناس بحقوق المرأة، وكيف أن الإسلام أعزها بعد أن كانت مهانة تورث كما يورث المتاع بل وتوأد، ورفع من مكانتها وأضاء بنوره الظلام وأبدل هذا الجهل بالعلم وتحكيم العقل، فأكرم المرأة وجعل لها رأيا في الأمور الخاصة والعامة وخصها بنصيب من الميراث وغير ذلك من الحقوق.نحتاج رجال دين متفهمينولفتت استشارية علاج السلـوك النفـسي د.شريفة سوار إلى العنف ضد المرأة من ناحـية استخدام وتطويع الامتياز الذكوري لإجبارها على ما لا ترغب به والتنازل عن حقوقها بل والقيام بما يضر مصالحها، مردفة: يجب أن لا ننسى حادثة إجبار بعض الأزواج نساءهم على الخروج في مظاهرة مضادة لقانون الأحوال الجعفرية العام 2009 وألا تعتبر نفسها طالقاً رغم أن هذا القانون كان ليصب في مصلحتها. وأكدت د.سوار الحاجة إلى رجال الدين الصالحين المتفهمين للدين في خطب الجمعة لتوعية الرجال بمعــنى القــوامة كتكليف وليـس كتكسيـر لـرأس المرأة، والمطلوب منهم شرح حقوق المرأة قبل مطالبتها بواجباتها، كما أكدت الحاجة إلى كوادر مؤهلة في مجال توعية النساء وإرشادهن والإرشاد الأسري من برامج تلفزيون وإذاعة وصحف وفعاليات وورش عمل ومحاضرات.عنف يطال النساء جميعاً الإعلامية زهراء حبيب أوضحت أن مفهوم العنف ضد المرأة لا يقتصر على الزوجة فقط، وإنما يمتد ليشمل أيضاً الأم والأخت والابنة. وذكرت حبيب -التي تتابع أخبار المحاكم- أن حالات عديدة تنظرها المحاكم اليوم لأولاد عائقي والدين، حيث يرفضون الإنفاق على أمهم وأبيهم وربما يرمونهما على قارعة الطريق، لافتة إلى أن الأم تكون أكثر عرضة للأذى الجسدي والنفسي من هذا التصرف.وأوضحت بشأن العنف الذي يمارس على البنات من قبل الأب والأخ، أن من أشكاله الضرب أو الإيذاء الجسدي والنفسي والتعامل بدونية، مبينة أن حالات «زنا المحارم» التي يجري التستر عليها غالبا هي واحدة من أشكال العنف التي تعاني منها فتيات بحرينيات دون أن يجري تسليط الضوء عليها والتوعـية بشأنها بشـكل كافٍ.