منذ بدء هذا العام، وبالرغم من أن الحديث كان يدور حول الانتخابات التشريعية والبلدية في مملكة البحرين، غير أنه لم يقتصر على التطرق للعملية الانتخابية وتوقعات النتائج فقط، وإنما تطرق وتشعب إلى نقاط أكثر قوة، وموضوعات أكثر أهمية ومحورية ليشمل كافة أطراف العملية الانتخابية، من مترشحين وناخبين ومدراء حملات انتخابية، ومراقبي انتخابات.
ولم يقتصر الحديث على ما سبق فقط، بل تطرق الحديث ليشمل أيضاً الدستور البحريني والقوانين، والحقوق والواجبات والنزاهة والعدالة الانتخابية، وليبحث أيضاً دور وسائل الإعلام في قلب الموازين وترجيح كفة دون أخرى. حديث لم يكن ذو شجون فقط، وإنما كان حديثاً يراد منه تعليم وتدريب المواطن على فن المشاركة في صنع القرار، رجلاً كان أم امرأة.
نستطيع أن نقول إن التجربة الانتخابية هذا العام، كانت بمثابة الدرس الذي تعلم منه الجميع، تعلم الناخب كيفية الاختيار الأمثل، تعلم ماذا تعني المشاركة بإيجابية، ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، تعلمت المرأة أهمية أن يكون لها صوت في صنع القرار السياسي، عرفت واجبها نحو الوطن وحقها عليه، وأدركت حقها أيضاً في التمكين السياسي، التحقت بالدورات التدريبية، وشاركت في ورش العمل، تعلمت فنون اللعبة، واستطاعت أن تعبر عن نفسها، وعرفت أن دورها في التجربة البرلمانية أكبر من المشاركة في اختيار مترشحين لدائرتها.
تعلم الناخبون كيف يقفون في وجه إغراءات المترشحين، ويدركون أن المترشح الذي يشتري أصوات الناخبين، بإمكانه أيضاً أن يبيع مصالح الوطن إذا تعارضت مع مصالحه الشخصية، تعلموا أن الاختيار لا يعني مجرد انتخاب نائب في مجلس النواب أو عضو في المجلس البلدي، وإنما يعني اختيار الركائز لمستقبل هذا الوطن، وأن اختياره قد يسهم في مستقبل مشرق أو مستقبل مظلم لهذا الوطن، ولذلك كان عليه الاختيار وهو يضع مصلحة الوطن نصب عينيه.
وكان للمترشح نصيب كبير في التعلم من هذه التجربة، فقد تعلم أن الفوز في الانتخابات ليس سهلاً، وأن اللعب على مشاعر الناخبين لا يجني دائماً الفوز، وأن الناخب أصبح أعمق فكراً، وأكثر وعياً، وأقوى إدراكاً بأهمية التجربة البرلمانية في تقدم وطنه، وأن الكلمات الرنانة والشعارات الجوفاء، والبرنامج الانتخابي المزيف لن يمنحه الكرسي الذي يحلم به، ولن يكون درباً من دروب الوصول إلى قبة البرلمان.
فَهِمَ المترشح أن الهدايا، والتلويح بالرشاوى، وبوفيهات العشاء لن تجدي وحدها في استقطاب الناخبين، وحتى وإن استقطبت البعض، فلايزال كثيرون يتشبثون بالمصداقية والولاء للوطن والعمل من أجل المواطن دائماً، وليس في الفترة الانتخابية فقط.
وإن كانت التجربة البرلمانية في هذا العام أسفرت عن وجود تغييرات في مؤشرات مستوى الوعي السياسي لدى المواطنين، تجسّدت في تعليقات المواطنين خلال شبكات التواصل الاجتماعي، أو أطروحاتهم خلال وسائل الإعلام المختلفة، فهذا يعني أن التجارب المقبلة تبشر بمستويات أعلى من الوعي والثقافة السياسية، وكلها معولات للوصول إلى التنمية السياسية التي باتت تحدياً نعمل جميعاً على الانتصار عليه.