صنعاء - (رويترز): عندما وقعت اشتباكات في قاعدة الفرقة الأولى المدرعة وسط العاصمة اليمنية صنعاء وصل اللواء علي محسن الأحمر في موكب إلى مقر رئاسة هيئة الأركان ودخل المبنى وهو يصيح «خيانة.. خيانة».
وقال مسؤول بوزارة الدفاع إن الأحمر أخذ بعض الوثائق من على مكتب وغادر في عجلة. وبعدها بنصف ساعة ظهر قائد اللواء الرابع حماية رئاسية وركب سيارته وانطلق بها مسرعاً. وقال الضابط «علمت حينها أن صنعاء قد سقطت وأن الأمر انتهى».
وتابع «كان اللواء الأحمر غاضباً وشعر بالخيانة». ورغم أن الغموض لايزال يكتنف الكثير من تفاصيل استسلام العاصمة التي كان بها مئة ألف من رجال الحرس الجمهوري أمام 5 آلاف مقاتل من الحوثيين يوم 21 سبتمبر الماضي فإن الطريقة التي سقطت بها صنعاء لا تبشر بالخير فيما يتعلق بسيطرة الرئيس عبد ربه منصور هادي على السلطة.
ويقترب اليمن من أن يصبح دولة فاشلة بسبب المناورات التي يقوم بها الرئيس السابق علي عبد الله صالح من وراء الكواليس وكذلك إيران. وبدأ الفساد والانقسامات الداخلية والولاءات لأطراف متنافسة داخل الجيش قبل الإطاحة بصالح إثر احتجاجات حاشدة على حكمه عام 2011 لكنها بلغت الآن مرحلة حرجة.
وترجع هذه المشاكل لأسباب من بينها الانقسامات القبلية والطائفية والمحلية في اليمن إلى جانب تاريخ من المشاحنات بين اللاعبين ذوي النفوذ على الساحة السياسية التي بلغت ذروتها خلال موجة انتفاضات ما يعرف باسم «الربيع العربي».
وقال المحلل اليمني عبد الغني الإرياني عن سقوط صنعاء إن ماحدث لم يكن بسبب سوء إدارة هادي لكن نتيجة تقويض جوهر الدولة اليمنية خلال حكم صالح على مدى الأعوام العشرين الماضية. وشكل صالح قاعدة سياسية منافسة عندما عين اللواء الأحمر - وهوحليف وثيق لحزب الإصلاح فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن - ليتولى مسؤولية الحملة التي استمرت بين عامي 2004 و2010 ضد المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون الآن على معظم محافظات اليمن. وعندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية الحاشدة في 2011 انحازت قوات الأحمر للمتظاهرين وبينهم أنصار حزب الإصلاح واشتبكت مع وحدات من الجيش موالية لصالح الذي اضطر للتنحي ليتولى المسؤولية نائبه هادي الذي لم تكن له قاعدة سياسية خاصة به.
وحاول هادي توحيد الجيش في عام 2012 وعزل الأحمر من قيادة الفرقة الأولى المدرعة وعينه مستشاراً عسكرياً. لكن مصادر مطلعة قالت إن على مستوى الجنود ظلت الفرقة موالية لقائدها القديم بينما احتفظت فرق أخرى بعلاقاتها بالرئيس السابق.
وبرز الحوثيون في أوائل العقد الماضي ليطالبوا بالمزيد من الحقوق لنحو خمس سكان اليمن الذين يتبعون المذهب الزيدي الشيعي. وصوروا أنفسهم منذ ذلك الحين على أنهم حركة ثورية وطنية وقاتلوا الجيش 6 مرات بين عامي 2004 و2010.
ويقول محللون إن هناك تطورين مهمين ساعدا على صعودهم للسلطة وهو التحالف التكتيكــي مـــع صالح بالإضافــة للعـلاقة الاستراتيجية مع إيران.
وسعى الحوثيون لإعادة إنتاج الاستراتيجية التي اتبعتها حزب الله الشيعي اللبناني الحليف الوثيق لطهران فاستغلت التأييد الشعبي بين الزيديين بالإضافة لاستعراض القوة العسكرية للهيمنة على المشهد السياسي.
وأكد مسؤول أمني في وقت سابق أن طهران «لطالما دعمت الحوثيين».
وفي الوقت الذي بدأ فيه الحوثيون تقدمهم جنوباً من قاعدة نفوذهم في أقصى الشمال العام الماضي فإنهم خاضوا معظم معاركهم ضد كتائب من الجيش ومقاتلين من رجال القبائل موالين للأحمر وحزب الإصلاح بينما أحجم باقي الجيش عن المشاركة.
وقال أحد مستشاري هادي «عندما يتم إرسال القوات لمحاربة تنظيم القاعدة تقاتل ببسالة لكن وبسبب الانتماء القبلي والمناطقي لغالبية الوحدات ترفض القتال عندما تصدر لها أوامر لقتال الحوثيين». وأضاف أن الجيش رفض مراراً قتال الحوثيين كان أولها في يوليو الماضي عندما أمر الرئيس بإرسال تعزيزات للقوات التي كانت تقاتل مسلحي هذه الجماعة في محافظة عمران الشمالية. وعزا المستشار ترددهم إلى ولاءات محلية وقبلية لكن السياسة ربما لعبت دوراً أيضاً. ويقول مسؤولون يمنيون إن صالح المعروف بمناوراته السياسية التي قارنها مرة بالرقص على رؤوس الأفاعي كان يريد التخلص من الإسلاميين الذين يرى أنهم السبب في سقوطه بعد 33 عاماً في السلطة.
ووفقاً لوثيقة حكومية أمريكية فإن الأنباء ترددت عن أن صالح «أصبح أحد الداعمين الرئيسيين لتمرد الحوثيين»على أمل أن يفسح عدم الاستقرار المجال أمامه للعودة للسلطة عن طريق انقلاب. وقال مسؤولون يمنيون إن الجنود والضباط الموالين لصالح والذين سرحهم هادي أثناء إعادة هيكلة الجيش منذ 2012 انضموا للجان الشعبية التي شكلها الحوثيون للسيطرة على صنعاء والحفاظ على النظام في المدينة.
كما لعب القتال خلال انتفاضة 2011 بين وحدات الجيش الموالية لصالح وتلك الموالية للأحمر دوراً. وقال شايف محمد وهو ضابط في قوات الحرس الجمهوري وقع معسكره تحت حصار من قبل الفرقة الأولى المدرعة الموالية للأحمر «كيف يتوقع منا نجدة من قاتلوا ضدنا وحاصرونا حتى ضد الحوثيين؟».
ويقول الحوثيون إن أفراد الجيش اليمني وقوات الأمن الذين ضاقوا ذرعاً بالفساد وسوء الإدارة اختاروا أن يكونوا على الحياد.
وقال مساعد لهادي إن الضباط المسؤولين عن القوات الخاصة التي تؤمن جنوب صنعاء أجبروا قائدهم على توقيع اتفاق عدم اعتداء مع القائد الميداني للحوثيين عشية المعركة للسيطرة على العاصمة. وأضاف أن هادي قرر في نهاية الأمر أن أي محاولة للتصدي للحوثيين ستسفر عن كارثة أكبر وقارن بين مهمة الرئيس ومهمة قائد طائرة مختطفة. وقال «اليمن أشبه بطائرة مخطوفة وعلى القائد أن يظل في غرفة القيادة ويعمل على أن تهبط بسلام بدلاً من الذهاب للعراك مع الخاطفين حتى لو قتل بعض الركاب».