كتب - موسى عساف:
بعيونهم المنكسرة؛ يتجولون بين عشرات السيارات حاملين زجاجات الماء وأكياس «حب شامسي» مستعطفين ركابها بالشراء منهم، مستخدمين في ذلك ملامح البراءة على وجوههم، وصور الفقر والحاجة البادية على محياهم.
إنهم الشقيقان «ق. 14 سنة» و»ع. 9 سنوات»، ومعهم ابن خالهم «م. 9».. أطفال بعمر الزهور، تبدأ حكايتهم منذ الصباح الباكر، في الوقت الذي يستعد فيه جميع الأطفال للانطلاق باتجاه مدارسهم، لكن لـ «ق. ع. م» طريق آخر، فبمساعدة خالتهم يتم نقلهم من الدوار 22 في مدينة حمد إلى محطة البترول المقابلة لجامعة البحرين، بعد أن يكونوا قد جهزوا حاجاتهم الصغيرة؛ زجاجات الماء وأكياس «حب شامسي»، التي يحاولون بيعها على طلبة الجامعة مقابل 100 فلس.
«خرجت من المدرسة حتى أساعد والدتي في مصاريف المنزل»، هكذا بدأ كبيرهم «ق» بسرد الحكاية، فوالده المتوفي منذ سنوات لم يترك له ولإخوانه الثلاثة شيئاً غير رحمة المارة بشراء ما يحمله.
«ق» لا يتذكر والده، «مات وأنا صغير» هكذا قال، وكأنه قد غادر عالم الطفولة، فملامحه البريئة تشي بالكثير من الطفولة والرغبة في الدراسة واللعب مثل أقرانه، لكنها الحياة التي لا تعطينا دوماً كل ما نريد.
لجأت والدة «ق» إلى الجمعيات الخيرية، لكن ما تأخذه من أحدها لا يكاد يفي بأبسط متطلبات الحياة، لذلك فقد لجأت العائلة الى الاعتماد على ذاتها بطريقة غير إنسانية وبامتهان واضح للطفولة، فتركت «ق» و»ع» فريسة للشارع ولمشاريع غير مضمونة النتائج، تركتهم ليواجهوا مصيراً مجهولاً، تركتهم لكل ما يمكن أن يخطر على بال أحد؛ متشردين، متسولين، ومشاريع مجرمين وربما إرهابيين من يدري؟
من يستطيع منع طفل لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره أن يكون هدفاً سهل المنال للجماعات الإرهابية، فتجنيده لا يحتاج إلى أكثر من 5 أو 10 دنانير ليتحول من طفل بريء الى إرهابي قاطع للطريق وخبيرٍ في صناعة المولوتوف وحرق الإطارات، وربما إلى أكثر بكثير من ذلك أليست الحاجة أم الكوارث..
ابن الخال «م. 9 سنوات» يشاركهم أعمالهم، ولكن له ظروف أخرى تختلف عن الشقيقين «ق» و»ع»، فوالده لا يزال على قيد الحياة ويعمل في إحدى المدارس، إضافة الى عمله الآخر في توصيل الطلبة، ورغم كل ذلك فتفاصيل حياته تتقاسم عنوان البؤس والكدر مع أبناء خالته.
تحدث (م) عن أوضاعه فأوضح أن والده لا يستطيع أن يكفي أسرته الكبيرة، فلدى (م) 12 شقيقاً وشقيقة، ودخل والده الضعيف لا يكاد يسد رمقهم، لذلك فقد اضطر هو الآخر لترك المدرسة والالتحاق بمصير أبناء خالته.
قصة (ق) و(ع) و(م)؛ ربما لا تكون أكثر من نموذج لعشرات وربما مئات من الأطفال الذي فقدوا طفولتهم مقابل بضع دنانير يساندون بها عائلاتهم على اختلاف ظروفهم، ولكنها بالتأكيد يجب أن تكون جرس إنذار أمام جميع المسؤولين في الدولة، خصوصاً وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة الخيرية الملكية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، حيث لا يكفي أن تتلقى طلبات المساعدة من المحتاجين، بل أن تخصص فرق عمل للبحث عن الحالات الإنسانية وانتهاكات حقوق الطفولة في كل مدن وقرى البحرين.
في عيون هؤلاء الأطفال رأيت ما يشي بفصول مستقبلٍ مظلم تمهده أجساد اعتادت روتين العمل في المكاتب دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن جذور المشكلة وحلها بأبسط الطرق وأسرعها ووأدها في مهدها.
في عيونهم رأيت رتابة تؤدي العمل بلا روح ولا إبداع وازعه الحقيقي الحس الوطني الذي ينزع الذرائع ويقطع الباب على الموتورين من نهازي الفرص الباحثين عن قنابل موقوتة بين ركام البؤس والتعاسة الطفولية.
ترى من سينقذهم؟