قال علماء ودعاة إن «الابتلاء شعار الصالحين، وميراث النبوة، ومن قل حظه من الابتلاء، قل حظه من ميراث النبوة»، مشيرين إلى أن «الإيمان بالقدر، خيره وشره، وحلوه ومره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، ومحبوبه ومكروهه، هو إيمانٌ بركنٍ ركين، لا يصحّ إيمان العبد ما لم يعتقد به، اعتقاداً جازماً، ومن لم يستمسك بعروته، ضاع في متاهات الحيرة والضلال».
وأوضحوا أن «الأدلة قد تضافرت على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر»، مستشهدين «بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم».
من جهته، قال الداعية الإسلامي الشيخ عمر عبدالكافي، إن «الابتلاء شعار الصالحين وميراث النبوة، ومن قل حظه من الابتلاء قل حظه من ميراث النبوة، وعلى الإنسان أن يدرك أموراً عند تعرضه للابتلاء، أولها أنه صار في معية الله، وأن هذا الابتلاء ليس أكبر من ذلك، بمعنى أن الإنسان يصاب في شيء، لكن الله يترك له أشياء أخرى، فيها خير له ولأهله ولغيره».
وأضاف الشيخ عبدالكافي «ليعلم المرء أن الله إذا أخذ القليل، فقد أبقى الكثير، وأن الابتلاء ليس في الدين، فالابتلاء الذي لا عوض له، هو الابتلاء في الدين».
واستشهد عبدالكافي بمقولة الإمام الحسن البصري رحمه الله التي قال فيها «والله لقد ظلمنا أهل الدنيا، أكلوا فأكلنا وشربوا فشربنا، ولبسوا فلبسنا، ولكنهم من الغد قلقون، ونحن في رحمة الله مطمئنون». وأشار إلى أن «العلماء أوصوا بأنه إذا مر على المرء 40 يوماً دون ابتلاء فعليه أن يراجع حساباته مع ربه، وليس بمؤمن مستيقن الإيمان، من لم يعد الابتلاء نعمة، والنعمة بلية، لأنه بعد البلاء لا يأتي إلا الرخاء، وبعد النعمة لا تأتي إلا البلية، كما إن انتظار المؤمن للفرج بعد الابتلاء نوع من العبادة، وعلى المرء أن يستشعر رحمة الله، فعلى سبيل المثال، الملائكة تسمع أنين المريض».
وفي هذا الصدد قال الإمام الشافعي رحمه الله «طلبوا لي طبيب الورى، وطلبت أنا طبيب السماء، طبيبان، ذاك ليعطي الدواء، وذاك ليجعل فيه الشفاء». واستشهد الشيخ عبدالكافي بالأدلة من القرآن الكريم التي تُثبت القدر، ومنها قوله تعالى «إنا كل شيء خلقناه بقدر»، ومعناه أن «الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بمقدار قدّره وقضاه، ويتضمّن ذلك وعيداً على المجرمين المكذبين بالقدر والكافرين به». وقوله سبحانه وتعالى أيضاً «وخلق كل شيء فقدره تقديراً»، ومعناه أن «كل شيء دون الله سبحانه وتعالى فهو مخلوقٌ مربوب، محتاجٌ إلى مليكٍ وإلهٍ يسخّر أموره ويُقدّر له أقداره، وأن كل شيء تحت قهره سبحانه وتسخيره». وفي قوله تعالى «سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً»، ومعناه كما قال ابن كثير «وكان أمره الذي يقدره كائناً لا محالة، وواقعاً لا محيد عنه ولا معدل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن».
وفسر العلماء قوله تعالى «فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى»، ومعناه أن مجيء موسى عليه السلام في هذا الميقات المحدّد والمكان المعدّ وفق إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته، ليتمّ ما قدّره سبحانه وأراده من إرساله إلى فرعون رسولاً».
ومعنى قوله الله تعالى «فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم * فقدرنا فنعم القادرون * ويل يومئذ للمكذبين»، ومعناه أن «الله سبحانه وتعالى قد هيّأ الرحم لتلك النطفة أن تبقى فيها ثم تنقل من حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة، في مدّة معلومة، وأجلٍ محدّد، قدّره الخالق سبحانه». وقال الله تعالى «من نطفة خلقه فقدره»، ومعناه أن «الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في بطن أمّه أطواراً، نطفة ثم علقة ثم مضغةً، إلى آخر تلك المراحل، ثم قدّر له تصوير خلقته وهيئته، وقدّر أجله ورزقه وعمله، وشقاوته أو سعادته».
وفي السياق ذاته، قال الإمام النووي رحمه الله «تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة، وأهل الحل والعقد من السلف والخلف، على إثبات قدر الله سبحانه وتعالى».
كما بلغت الأحاديث الدالة على مسألة الإيمان بالقضاء والقدر حد التواتر المعنوي، منها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال، بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وسأله عن الإسلام ثم قال له: فأخبرني عن الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فقال الرجل: صدقت، والرجل هو جبريل عليه السلام، والحديث في مسلم.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه»، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم، «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر»، وعن أبي عزة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، أو قال: بها حاجة»، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل شيء بقَدَر، حتى العجز والكَيْس»، رواه مالك في الموطأ، والعجز هو عدم القدرة، والكَيْس هو النشاط والقوّة.