كتب – عبدالرحمن صالح الدوسري:
يذكر رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين د.عيسى أمين أن افتتاح مستشفى مايسون التذكاري، كانت فاتحة توجه حكومة البحرين للبدء بإنشاء المؤسسات الصحية الرسمية، ونقل العلاج الحديث للمواطن البحريني والخليجي بعد أن كان يعتمد على التداوي بالحجامة والكي والأعشاب.
ويشير د.أمين في حديثه لـ «الوطن» إلى أن الجدري والكوليرا والطاعون كانت أكثر ما يخشاه أهل البحرين من أمراض، ورغم انخفاض نسبة الإصابة به العام 1945، إلا أن نسبة الإصابة بالأمراض الجنسية ارتفعت إلى 1194 حالة.
يقول د.عيسى أمين حول تاريخ المؤسسات الصحية في البحرين: بعد ربع قرن من افتتاح مستشفى مايسون التذكاري توجهت حكومة البحرين إلى التخطيط الصحي والذي سوف يكون بداية للمؤسسات الصحية الرسمية، وكان ذلك ناتجاً عن قناعه المرضى المترددين في البحرين ودول الخليج آنذاك على المستشفى الأمريكي للعلاج وقابلية واستعداد مجتمع البحرين للاعتماد على الطب الحديث بدل الكي والحجامة والتداوي بالأعشاب، والذي كان شائعاً آنذاك والمحير للأمر لعودته مرة أخرى في السنوات الأخيرة وافتتاح عيادات ومراكز تابعه له.
انتقال الحجر الصحي «قلعة أبوماهر»
فـــي العــام 1929 تطالعنــــا السجـــلات الرسمية بانتقال الحجز الصحي من القضيبية «خلف مجلس النواب»، إلى قلعة أبوماهر في المحرق وكان الحجز الصحي تحت إشراف مستشفى الملكة فيكتوريا التذكاري ومن أهم الأمراض التي كان يخشاها الناس آنذاك الجدري، والكوليرا والطاعون، والتي غالباً ما كانت تأتي عن طريق البحر من البصرة أو دول الخليج الأخرى هذا إلى جانب مرض الملاريا والتراخوما المستوطنين في البحرين.
في 1925 في دكان في المحرق يديرها د.بندركار وتعنى، وبصورة رئيسة بصحة البحارة والغاصة أثناء موسم صيد اللؤلؤ في البحر، أو عند عودة السفن إلى البر، وفي العام 1936 افتتح مركز صحي للشرطة وبقي هذا المركز مفتوحاً حتى العام 1941، ومن جهة أخرى ومع حقبة البحث عن النفط والذي تم اكتشافه العام 1932، وما تبعه من بناء مصنع التكرير ومدينة العوالي اضطرت شركة نفط البحرين إلى افتتاح مستشفى العوالي بسعة 37 سريراً، خصصت الغالبية منها لموظفي شركة النفط. في العام 1926 قامت حكومة البحرين بتعيين شارلز بلجريف مستشاراً مالياً لدى الحكومة ومع وصول المستشار بدأت تقارير الحكومة تقدم سنوياً من دائرته إلى الحاكم في هذه التقارير اهتم بلجريف بكل دوائر الحكومة وخاصة من النواحي الإدارية والمالية، وترك لنا مراسلات وتقارير تبدأ في 1926 وتنتهي برحيله العام 1956 مرة أخرى تعتبر هذه التقارير مرجعاً هاماً لتاريخ البحرين في شتى المجالات.
تقارير بلجريف
في تقريره عن الأمور الصحية يذكر بلجريف العام 1928 أن د.هولمز في مستشفى فيكتوريا مازال يباشر عمله وأن جزءاً من مصروفات المستشفى تتحملها حكومة البحرين إلى جانب المسؤولية الكاملة عن الحجز الصحي، وعيادة الطبيب بندركار في المحرق، وتبين الأرقام في ميزانية ذلك العام بأن المصروفات الخاصة بالصحة ازدادت بمبلغ 2700 روبية، وذلك لحاجة الحكومة لتوظيف الممرضين من الإناث والذكور للقيام بالتطعيم ضد الجدري لمدة ستة أشهر، ويؤكد بلجريف بأن التطعيم كان مجانياً ولكن رغم ذلك لم يكن ناجحاً بين المواطنين لعدم اعترافهم بأهميته بينما تم تطعيم كل الأجانب في البحرين الذين أبدوا تأيدهم للعملية.
في العام نفسه طالب أهالي المحرق تعيين قابلة نسائية وطبيب دائم في الجزيرة وقامت الحكومة بتوفير الطلب الثاني فقط، وفي العام نفسه ثم تأجير أبوماهر «القلعــة»، مـن الشيخ حمد بــن عيسى بمبلغ 4800 روبية سنوياً واستخدام القلعة للحجز الصحي، وذلك بعد مناقشة الموضوع مع البلوش المقيمين حول القلعة وتعويضهم بأراض ومبالغ مالية بعدها تم بناء الحجز الصحي وكانت الكلفة 9000 روبية لأقسامه المختلفة، هذه الميزانية اشتملت على مبلغ خاص لصيانة برج قلعة بوماهر.
العام 1930 واستجابة لطلبات أهالي المحرق، تم تعيين ممرضة هندية لمدينة المحرق «قابلة نسائية» هذا التعيين جاء عن طريق بلدية المحرق، إذ لم تكن هناك دائرة للصحة بعد،»وتم قيد الحالات التي باشرتها هذه الممرضة في المحرق كالتالي 35 حالة ولادة 4529 مريضة في العيادة، وذلك في الفترة بين أبريل وديسمبر 1930، وازداد هذا العدد العام 1931 ليصل 39 حالة ولادة 6647 حالة في العيادة الخارجية، أما باقي حالات الولادة فلقد كانت تباشر بالقابلات المحليات كما في سائر قرى البحرين آنذاك، وبعد ثلاثة أعوام 1933 تم تعيين ممرضة قابلة لمدينة المنامة بواسطة بلدية المنامة، وكانت هذه الممرضة تعمل سابقاً في المستشفى الأمريكي.
البحرين لم تخلوا من حالات الاضطراب العقلي هؤلاء المرضى النفسانيون كانوا سجناء منازلهم في أغلب الحالات، أو عانوا من التشرد والعزلة، وفي أغلب الأحيان كان الصغار يخافون منهم وجاء يوم قررت فيه الحكومة تأمين مأوى في عام 1931، وكان هذا الملجأ تحت إشراف الطبيب المسؤول عن العزل الصحي ويتمنى بلجريف في تقاريره إنشاء مركز لعزل المصابين بالجذام، كذلك كانت هناك ممرضة تعمل في المحرق بشكل تطوعي تدعى أم جان «التي يعرفها الكثيرون في المحرق والمنامة، فهي قابلة توليد عرفت باسم «أم جان» وهي تنحدر من أصول تركية، وتعلمت التوليد في العراق قبل مجيئها إلى البحرين، وعملت في مستشفى النعيم، ثم انتقلت للعمل في المستشفى الذي يحمل اليوم اسم «مركز الشيخ سلمان الصحي»، وكان في السابق يعرف ببيت أم جان، كونها تسكن فوقه، حتى استقالت هذه المرأة من العمل في المستشفيات الحكومية، وأصبحت تعمل بشكل شخصي، وولد الكثير من الناس على يديها، ولديهم ذكريات جميلة عنها وعن أبنائها، إذ كانت بمثابة أم للجميع، وكانت تلتقي بأصدقائها وتتعامل معهم دون أن يسأل أحد عن دينها، بل إنهم أحبوها لشخصها وما تقدمه للجميع من خدمات، وعاشت معهم بمحبة واحترام، وبادلتهم الصداقة، وعندما بلغت سن الشيخوخة حضرت ابنتها إلى البحرين لتأخذها معها إلى أستراليا «المصدر من كتاب يهود البحرين مائة عام من الخفاء للكاتب على الجلاوي».
عيادتان للحوامل في المنامة وواحدة في الخميس
يذكر د.أمين «في العام نفسه ثم افتتاح دار أخرى لرعاية الحوامل تحت إدارة ممرضة متخصصة ولذا أصبح في البحرين ثلاث عيادات في هذا التخصص واحدة في المحرق واثنتان في المنامة، وكانت منطقة سوق الخميس تتميز بكثافة سكانية عالية مما تتطلب إنشاء مركز صحي العام 1936، وتعيين الدكتور لاكرا مسؤولاً عنه.
وفي العام 1937 افتتحت البلدية عيادة في جنوب المنامة وقامت بتأجير منزل مجاور لحالات الحمل والولادة إلى جانب عيادة جديدة في جنوب النعيم ولرعاية الأطفال في القلعة وعيادة في الحد تحت إدارة بهزاد، وفي نهاية هذا العام وصل عدد العيادات في البحرين إلى 6 موزعة بين المنامة والمحرق والخميس والحد.
في العام 1937، ولحاجة البحرين لخدمات طبية شاملة بدأت الحكومة في اتخاذ الإجراءات الخاصة ببناء مستشفى للنساء والرجال يتسع إلى 120 سريراً، وتم اختيار الموقع في منطقة النعيم وتم شراء الأرض وردمها من عبدالعزيز القصيبي، واستعداداً لهذا المستشفى القادم تم تعيين الدكتور دافنبورت جونز مشرفاً للدولة على الخدمات الصحية لقد تم اختيار موقع المستشفى في منطقة بحر النعيم برغم علم المسؤولين بأنها منطقة موبوءة بالملاريا إلى جانب تفشي المرض في المنامة ومنطقة قلعة البحرين وسند وسترة وكان 15% من المصابين في المنامة يعانون من تضخم الطحال و5% من المصابين في المحرق، ويزداد هذا الرقم في القرى إلى 70% لقلة الخدمات آنذاك.
مما تتطلب دعوة الماجور أفريدي خبير الملاريا من معهد دلهي لدراسة الوضع في البحرين، بعد تعيين الدكتور دافنبورت لقسم الرجال تم تعيين الدكتورة ماكداول استشارية النساء والولادة للإشراف على قسم النساء والولادة العام 1939، ومع هذه التعيينات كان لابد من إعداد كادر مؤهل من الممرضين والممرضات وقد وصلت إلى البحرين هاربوتل لتكون رئيسة للممرضات، ووصل عدد الموظفين في الجزء الأول من مستشفى النعيم إلى 30 موظفاً إلى جانب أربعة من الأطباء، وبافتتاح هذا الجزء من مشروع المستشفى أصبح من الممكن تحويل المرضى إليه من عيادات البديع، كرزكان، سترة والرفاع وعيادة الشرطة ومن ثم تشكيل لجنة مكافحة الملاريا من البلدية والمعتمد السياسي البريطاني ومستشار في أمور الملاريا.
فاطمة الزياني
مساعدة لرئيسة الممرضات
في مايو 1940 افتتحت الشيخة عائشة حرم المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة قسم النساء، وتم تعيين الدكتور»سنو» خلفاً للدكتور دافنبورت، وفي شهر يونيو من نفس العام افتتح قسمان من مستشفى الرجال في النعيم، ومع وصول 3 من الممرضات الهنود أصبح عدد العاملين في المستشفى 62، وأصبح من الممكن إجراء العمليات الجراحية الكبرى ونظراً لحاجة المستشفى لسيارة إسعاف تم تصنيع واحدة محلياً، وتم تحويل عيادة الشرطة إلى مركز لعلاج السل والعزل الصحي للأمراض الجنسية.
مع هذا التطور في الخدمات الصحية أصبح من الممكن إجراء عمليات التطعيم هذا الجدري والذي كانت آثاره واضحة آنذاك على 22% من طلاب المدارس في المنامة و50% من طلاب مدارس القرى. وبعد عمليات الإحصاء والرصد للأمراض جاءت الملاريا والتراخوما في المقدمة والدوسنتاريا وفقر الدم والأمراض الجنسية والسل الرئوي والتهابات الأذن لدى الغاصة وكانت جزيرة سترة أكثر المناطق إصابة بأمراض الملاريا والتراخوما والأنيميا والسل.
العام 1941 تم توظيف 17 ممرضة من الهند وافتتح المختبر الجديد، وثم الأشعة في مستشفى النعيم، وعينت فاطمة الزياني مساعدة لرئيسة الممرضات في المستشفى. تم استلام المستشفى بكامل أقسامه العام 1942 وبلغت الكلفة الإجمالية آنذاك ما يقارب 70.000 دينار.
أجواء الحرب العالمية الثانية
العام 1942 خيمت أجواء الحرب العالمية الثانية على البحرين وجاءت بريطانيا بالجنود الإنجليز والهنود إلى البحرين، تم تخصيص 25 سريراً احتياطياً لهم في مستشفى النعيم وتم إدخال 120 حالة الغالبية منها تعاني من الإجهاد الحراري الصفراء والملاريا، ويبدو أنه وبرغم تحذير القوات البريطانية، وتعيين 200 من العمال لمكافحة الملاريا في كل أرجاء البحرين برغم ذلك شيد الجيش البريطاني منصات ومعسكرات المضادات للطائرات حول مصنع التكرير في أسوأ الأماكن المصابة بالملاريا ما أدى إلى إصابة 14% «من أصل 350 المجندين»، بالملاريا الدماغية مع حالة وفاة واحدة مما استدعى نقل المعسكرات إلى مناطق جنوبية والاستعانة بالمركز الطبي للقوات الجوية في الحبانية في العراق وإرسال طبيب وأربعة ممرضات للمساعدة في المستشفى.
في العام نفسه غادرت د.ماكداول البحرين، وتم تعيين د.دويج رئيسة لقسم النساء في المستشفى، ومع وصولها تم استحداث قسم رعاية الأمومة والطفولة.
وبعد عدة سنوات من الخدمة تركت رئيسة الممرضات الأولى الآنسة هاربوتل العمل، وتم تعيين الآنسة ماجواير كمسؤولة عن تدريب الممرضات والآنسة اليسون قائم بأعمال رئيسة الممرضات، ومع التركيز على علاج الأوبئة والأمراض المستوطنة انحدرت نسبة الإصابة بالجدري ولأول مرة العام 1945 إلى 14 إصابة فقط بينما ازدادت الأمراض الجنسية إلى 1194 حالة وتمت معالجة 1330 حالة في المستشفى الذي أصبح يتقبل أعداداً كبيرة من المرضى في العيادات والأقسام، وبلغت ميزانية 1941 ما يقارب 24000 دينار وعام 1945 وصلت إلى 54000 دينار.
تشكيل مجلس الصحة والرعاية
العام 1946 عينت الآنسة ادامسون رئيسة للممرضات وأعلن عن مجلس الصحة والرعاية والذي تشكل من عضوية كل من رؤساء المستشفيات والتعلم والبلديات، وكانت المواضيع المطروحة للبحث رعاية الأمومة والطفولة والنظافة العامة ونظافة المدن التراخوما والأمراض الجنسية والسل والجذام، وكان المفروض إيجاد الحلول لهذه المعضلات الصحية، وفي نفس الوقت تم تأسيس جمعية الأطباء البحرينية، والتي كانت العضوية فيها لمستشفى النعيم والعوالي والإرسالية الأمريكية. زار البحرين بدعوة من الحكومة جراح العيون المشهور السير هنري هولاند، وأجرى عمليات جراحية في العين خلال عشرة أيام من زيارته، ولأول مرة استخدم في البحرين عقار البنسلين في 1945، وتم إحضار مادة «د.د.ت» لرش المستنقعات ومكافحة البعوض، والعام 1946 تم افتتاح اثنين من الأقسام الخاصة للرجال، وفي 1947 تم تعيين الآنسة ميلسون مسؤولة عن غرف العمليات والآنسة السوب مسؤولة عن مستشفى النساء، والتحقت أول طبيبة هندية بالمستشفى الدكتورة ميري أبراهام، وتحول بيت الشيخة عائشة في المحرق إلى مستشفى للولادة بسعة 16 سريراً وعيادة يومية، وتم افتتاح عيادة للنساء في الرفاع – وبينت الإحصاءات تراجع الملاريا بنسبة قدرها 7% عن الفترات السابقة، وانشغل مجلس الصحة بتدريب القابلات غير المؤهلات وأدخلن إلى برامج تعليم وتدريب من أجل الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة.
يذكر رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين د.عيسى أمين أن افتتاح مستشفى مايسون التذكاري، كانت فاتحة توجه حكومة البحرين للبدء بإنشاء المؤسسات الصحية الرسمية، ونقل العلاج الحديث للمواطن البحريني والخليجي بعد أن كان يعتمد على التداوي بالحجامة والكي والأعشاب.
ويشير د.أمين في حديثه لـ «الوطن» إلى أن الجدري والكوليرا والطاعون كانت أكثر ما يخشاه أهل البحرين من أمراض، ورغم انخفاض نسبة الإصابة به العام 1945، إلا أن نسبة الإصابة بالأمراض الجنسية ارتفعت إلى 1194 حالة.
يقول د.عيسى أمين حول تاريخ المؤسسات الصحية في البحرين: بعد ربع قرن من افتتاح مستشفى مايسون التذكاري توجهت حكومة البحرين إلى التخطيط الصحي والذي سوف يكون بداية للمؤسسات الصحية الرسمية، وكان ذلك ناتجاً عن قناعه المرضى المترددين في البحرين ودول الخليج آنذاك على المستشفى الأمريكي للعلاج وقابلية واستعداد مجتمع البحرين للاعتماد على الطب الحديث بدل الكي والحجامة والتداوي بالأعشاب، والذي كان شائعاً آنذاك والمحير للأمر لعودته مرة أخرى في السنوات الأخيرة وافتتاح عيادات ومراكز تابعه له.
انتقال الحجر الصحي «قلعة أبوماهر»
فـــي العــام 1929 تطالعنــــا السجـــلات الرسمية بانتقال الحجز الصحي من القضيبية «خلف مجلس النواب»، إلى قلعة أبوماهر في المحرق وكان الحجز الصحي تحت إشراف مستشفى الملكة فيكتوريا التذكاري ومن أهم الأمراض التي كان يخشاها الناس آنذاك الجدري، والكوليرا والطاعون، والتي غالباً ما كانت تأتي عن طريق البحر من البصرة أو دول الخليج الأخرى هذا إلى جانب مرض الملاريا والتراخوما المستوطنين في البحرين.
في 1925 في دكان في المحرق يديرها د.بندركار وتعنى، وبصورة رئيسة بصحة البحارة والغاصة أثناء موسم صيد اللؤلؤ في البحر، أو عند عودة السفن إلى البر، وفي العام 1936 افتتح مركز صحي للشرطة وبقي هذا المركز مفتوحاً حتى العام 1941، ومن جهة أخرى ومع حقبة البحث عن النفط والذي تم اكتشافه العام 1932، وما تبعه من بناء مصنع التكرير ومدينة العوالي اضطرت شركة نفط البحرين إلى افتتاح مستشفى العوالي بسعة 37 سريراً، خصصت الغالبية منها لموظفي شركة النفط. في العام 1926 قامت حكومة البحرين بتعيين شارلز بلجريف مستشاراً مالياً لدى الحكومة ومع وصول المستشار بدأت تقارير الحكومة تقدم سنوياً من دائرته إلى الحاكم في هذه التقارير اهتم بلجريف بكل دوائر الحكومة وخاصة من النواحي الإدارية والمالية، وترك لنا مراسلات وتقارير تبدأ في 1926 وتنتهي برحيله العام 1956 مرة أخرى تعتبر هذه التقارير مرجعاً هاماً لتاريخ البحرين في شتى المجالات.
تقارير بلجريف
في تقريره عن الأمور الصحية يذكر بلجريف العام 1928 أن د.هولمز في مستشفى فيكتوريا مازال يباشر عمله وأن جزءاً من مصروفات المستشفى تتحملها حكومة البحرين إلى جانب المسؤولية الكاملة عن الحجز الصحي، وعيادة الطبيب بندركار في المحرق، وتبين الأرقام في ميزانية ذلك العام بأن المصروفات الخاصة بالصحة ازدادت بمبلغ 2700 روبية، وذلك لحاجة الحكومة لتوظيف الممرضين من الإناث والذكور للقيام بالتطعيم ضد الجدري لمدة ستة أشهر، ويؤكد بلجريف بأن التطعيم كان مجانياً ولكن رغم ذلك لم يكن ناجحاً بين المواطنين لعدم اعترافهم بأهميته بينما تم تطعيم كل الأجانب في البحرين الذين أبدوا تأيدهم للعملية.
في العام نفسه طالب أهالي المحرق تعيين قابلة نسائية وطبيب دائم في الجزيرة وقامت الحكومة بتوفير الطلب الثاني فقط، وفي العام نفسه ثم تأجير أبوماهر «القلعــة»، مـن الشيخ حمد بــن عيسى بمبلغ 4800 روبية سنوياً واستخدام القلعة للحجز الصحي، وذلك بعد مناقشة الموضوع مع البلوش المقيمين حول القلعة وتعويضهم بأراض ومبالغ مالية بعدها تم بناء الحجز الصحي وكانت الكلفة 9000 روبية لأقسامه المختلفة، هذه الميزانية اشتملت على مبلغ خاص لصيانة برج قلعة بوماهر.
العام 1930 واستجابة لطلبات أهالي المحرق، تم تعيين ممرضة هندية لمدينة المحرق «قابلة نسائية» هذا التعيين جاء عن طريق بلدية المحرق، إذ لم تكن هناك دائرة للصحة بعد،»وتم قيد الحالات التي باشرتها هذه الممرضة في المحرق كالتالي 35 حالة ولادة 4529 مريضة في العيادة، وذلك في الفترة بين أبريل وديسمبر 1930، وازداد هذا العدد العام 1931 ليصل 39 حالة ولادة 6647 حالة في العيادة الخارجية، أما باقي حالات الولادة فلقد كانت تباشر بالقابلات المحليات كما في سائر قرى البحرين آنذاك، وبعد ثلاثة أعوام 1933 تم تعيين ممرضة قابلة لمدينة المنامة بواسطة بلدية المنامة، وكانت هذه الممرضة تعمل سابقاً في المستشفى الأمريكي.
البحرين لم تخلوا من حالات الاضطراب العقلي هؤلاء المرضى النفسانيون كانوا سجناء منازلهم في أغلب الحالات، أو عانوا من التشرد والعزلة، وفي أغلب الأحيان كان الصغار يخافون منهم وجاء يوم قررت فيه الحكومة تأمين مأوى في عام 1931، وكان هذا الملجأ تحت إشراف الطبيب المسؤول عن العزل الصحي ويتمنى بلجريف في تقاريره إنشاء مركز لعزل المصابين بالجذام، كذلك كانت هناك ممرضة تعمل في المحرق بشكل تطوعي تدعى أم جان «التي يعرفها الكثيرون في المحرق والمنامة، فهي قابلة توليد عرفت باسم «أم جان» وهي تنحدر من أصول تركية، وتعلمت التوليد في العراق قبل مجيئها إلى البحرين، وعملت في مستشفى النعيم، ثم انتقلت للعمل في المستشفى الذي يحمل اليوم اسم «مركز الشيخ سلمان الصحي»، وكان في السابق يعرف ببيت أم جان، كونها تسكن فوقه، حتى استقالت هذه المرأة من العمل في المستشفيات الحكومية، وأصبحت تعمل بشكل شخصي، وولد الكثير من الناس على يديها، ولديهم ذكريات جميلة عنها وعن أبنائها، إذ كانت بمثابة أم للجميع، وكانت تلتقي بأصدقائها وتتعامل معهم دون أن يسأل أحد عن دينها، بل إنهم أحبوها لشخصها وما تقدمه للجميع من خدمات، وعاشت معهم بمحبة واحترام، وبادلتهم الصداقة، وعندما بلغت سن الشيخوخة حضرت ابنتها إلى البحرين لتأخذها معها إلى أستراليا «المصدر من كتاب يهود البحرين مائة عام من الخفاء للكاتب على الجلاوي».
عيادتان للحوامل في المنامة وواحدة في الخميس
يذكر د.أمين «في العام نفسه ثم افتتاح دار أخرى لرعاية الحوامل تحت إدارة ممرضة متخصصة ولذا أصبح في البحرين ثلاث عيادات في هذا التخصص واحدة في المحرق واثنتان في المنامة، وكانت منطقة سوق الخميس تتميز بكثافة سكانية عالية مما تتطلب إنشاء مركز صحي العام 1936، وتعيين الدكتور لاكرا مسؤولاً عنه.
وفي العام 1937 افتتحت البلدية عيادة في جنوب المنامة وقامت بتأجير منزل مجاور لحالات الحمل والولادة إلى جانب عيادة جديدة في جنوب النعيم ولرعاية الأطفال في القلعة وعيادة في الحد تحت إدارة بهزاد، وفي نهاية هذا العام وصل عدد العيادات في البحرين إلى 6 موزعة بين المنامة والمحرق والخميس والحد.
في العام 1937، ولحاجة البحرين لخدمات طبية شاملة بدأت الحكومة في اتخاذ الإجراءات الخاصة ببناء مستشفى للنساء والرجال يتسع إلى 120 سريراً، وتم اختيار الموقع في منطقة النعيم وتم شراء الأرض وردمها من عبدالعزيز القصيبي، واستعداداً لهذا المستشفى القادم تم تعيين الدكتور دافنبورت جونز مشرفاً للدولة على الخدمات الصحية لقد تم اختيار موقع المستشفى في منطقة بحر النعيم برغم علم المسؤولين بأنها منطقة موبوءة بالملاريا إلى جانب تفشي المرض في المنامة ومنطقة قلعة البحرين وسند وسترة وكان 15% من المصابين في المنامة يعانون من تضخم الطحال و5% من المصابين في المحرق، ويزداد هذا الرقم في القرى إلى 70% لقلة الخدمات آنذاك.
مما تتطلب دعوة الماجور أفريدي خبير الملاريا من معهد دلهي لدراسة الوضع في البحرين، بعد تعيين الدكتور دافنبورت لقسم الرجال تم تعيين الدكتورة ماكداول استشارية النساء والولادة للإشراف على قسم النساء والولادة العام 1939، ومع هذه التعيينات كان لابد من إعداد كادر مؤهل من الممرضين والممرضات وقد وصلت إلى البحرين هاربوتل لتكون رئيسة للممرضات، ووصل عدد الموظفين في الجزء الأول من مستشفى النعيم إلى 30 موظفاً إلى جانب أربعة من الأطباء، وبافتتاح هذا الجزء من مشروع المستشفى أصبح من الممكن تحويل المرضى إليه من عيادات البديع، كرزكان، سترة والرفاع وعيادة الشرطة ومن ثم تشكيل لجنة مكافحة الملاريا من البلدية والمعتمد السياسي البريطاني ومستشار في أمور الملاريا.
فاطمة الزياني
مساعدة لرئيسة الممرضات
في مايو 1940 افتتحت الشيخة عائشة حرم المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة قسم النساء، وتم تعيين الدكتور»سنو» خلفاً للدكتور دافنبورت، وفي شهر يونيو من نفس العام افتتح قسمان من مستشفى الرجال في النعيم، ومع وصول 3 من الممرضات الهنود أصبح عدد العاملين في المستشفى 62، وأصبح من الممكن إجراء العمليات الجراحية الكبرى ونظراً لحاجة المستشفى لسيارة إسعاف تم تصنيع واحدة محلياً، وتم تحويل عيادة الشرطة إلى مركز لعلاج السل والعزل الصحي للأمراض الجنسية.
مع هذا التطور في الخدمات الصحية أصبح من الممكن إجراء عمليات التطعيم هذا الجدري والذي كانت آثاره واضحة آنذاك على 22% من طلاب المدارس في المنامة و50% من طلاب مدارس القرى. وبعد عمليات الإحصاء والرصد للأمراض جاءت الملاريا والتراخوما في المقدمة والدوسنتاريا وفقر الدم والأمراض الجنسية والسل الرئوي والتهابات الأذن لدى الغاصة وكانت جزيرة سترة أكثر المناطق إصابة بأمراض الملاريا والتراخوما والأنيميا والسل.
العام 1941 تم توظيف 17 ممرضة من الهند وافتتح المختبر الجديد، وثم الأشعة في مستشفى النعيم، وعينت فاطمة الزياني مساعدة لرئيسة الممرضات في المستشفى. تم استلام المستشفى بكامل أقسامه العام 1942 وبلغت الكلفة الإجمالية آنذاك ما يقارب 70.000 دينار.
أجواء الحرب العالمية الثانية
العام 1942 خيمت أجواء الحرب العالمية الثانية على البحرين وجاءت بريطانيا بالجنود الإنجليز والهنود إلى البحرين، تم تخصيص 25 سريراً احتياطياً لهم في مستشفى النعيم وتم إدخال 120 حالة الغالبية منها تعاني من الإجهاد الحراري الصفراء والملاريا، ويبدو أنه وبرغم تحذير القوات البريطانية، وتعيين 200 من العمال لمكافحة الملاريا في كل أرجاء البحرين برغم ذلك شيد الجيش البريطاني منصات ومعسكرات المضادات للطائرات حول مصنع التكرير في أسوأ الأماكن المصابة بالملاريا ما أدى إلى إصابة 14% «من أصل 350 المجندين»، بالملاريا الدماغية مع حالة وفاة واحدة مما استدعى نقل المعسكرات إلى مناطق جنوبية والاستعانة بالمركز الطبي للقوات الجوية في الحبانية في العراق وإرسال طبيب وأربعة ممرضات للمساعدة في المستشفى.
في العام نفسه غادرت د.ماكداول البحرين، وتم تعيين د.دويج رئيسة لقسم النساء في المستشفى، ومع وصولها تم استحداث قسم رعاية الأمومة والطفولة.
وبعد عدة سنوات من الخدمة تركت رئيسة الممرضات الأولى الآنسة هاربوتل العمل، وتم تعيين الآنسة ماجواير كمسؤولة عن تدريب الممرضات والآنسة اليسون قائم بأعمال رئيسة الممرضات، ومع التركيز على علاج الأوبئة والأمراض المستوطنة انحدرت نسبة الإصابة بالجدري ولأول مرة العام 1945 إلى 14 إصابة فقط بينما ازدادت الأمراض الجنسية إلى 1194 حالة وتمت معالجة 1330 حالة في المستشفى الذي أصبح يتقبل أعداداً كبيرة من المرضى في العيادات والأقسام، وبلغت ميزانية 1941 ما يقارب 24000 دينار وعام 1945 وصلت إلى 54000 دينار.
تشكيل مجلس الصحة والرعاية
العام 1946 عينت الآنسة ادامسون رئيسة للممرضات وأعلن عن مجلس الصحة والرعاية والذي تشكل من عضوية كل من رؤساء المستشفيات والتعلم والبلديات، وكانت المواضيع المطروحة للبحث رعاية الأمومة والطفولة والنظافة العامة ونظافة المدن التراخوما والأمراض الجنسية والسل والجذام، وكان المفروض إيجاد الحلول لهذه المعضلات الصحية، وفي نفس الوقت تم تأسيس جمعية الأطباء البحرينية، والتي كانت العضوية فيها لمستشفى النعيم والعوالي والإرسالية الأمريكية. زار البحرين بدعوة من الحكومة جراح العيون المشهور السير هنري هولاند، وأجرى عمليات جراحية في العين خلال عشرة أيام من زيارته، ولأول مرة استخدم في البحرين عقار البنسلين في 1945، وتم إحضار مادة «د.د.ت» لرش المستنقعات ومكافحة البعوض، والعام 1946 تم افتتاح اثنين من الأقسام الخاصة للرجال، وفي 1947 تم تعيين الآنسة ميلسون مسؤولة عن غرف العمليات والآنسة السوب مسؤولة عن مستشفى النساء، والتحقت أول طبيبة هندية بالمستشفى الدكتورة ميري أبراهام، وتحول بيت الشيخة عائشة في المحرق إلى مستشفى للولادة بسعة 16 سريراً وعيادة يومية، وتم افتتاح عيادة للنساء في الرفاع – وبينت الإحصاءات تراجع الملاريا بنسبة قدرها 7% عن الفترات السابقة، وانشغل مجلس الصحة بتدريب القابلات غير المؤهلات وأدخلن إلى برامج تعليم وتدريب من أجل الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة.