واشنطــــن - (وكالات): اعتقلــت الشرطة الأمريكية العشرات خلال تظاهرات تندد بعنف الشرطة الأمريكية حيث شهدت البلاد مؤخراً مقتل مواطنين سود عزل مثل مايكل براون وتامير رايس واريك غارنر على يد شرطيين بيض تم التخلي عن ملاحقات قضائية محلية ضدهم ما يثير علامات استفهام بشأن الخطوات المفترض اتخاذها على المستوى الفيدرالي، وبينما جرت التظاهرات، وردت معلومات عن قضية جديدة في أريزونا حيث قتل شرطي أبيض رجلاً أسود أعزل عمره 34 عاماً أثناء توقيفه للاشتباه في إتجاره بالمخدرات، فيما دعت الأمم المتحدة أمريكا لمحاسبة شرطتها على قمع المحتجين، كما دعا خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إلى وقف التصنيف العرقي الذي يقوم به ضباط إنفاذ القانون الأمريكيون ومراجعة القوانين التي تسمح للشرطة باستخدام القوة القاتلة.
وعبر الخبراء المستقلون عن الأسف لعدم قيام هيئتي محلفين كبريين في الولايات المتحدة بتوجيه تهم إلى ضابطي شرطة لقتلهما رجلين أسودين أعزلين في حادثتين منفصلتين تسببتا في احتجاجات حاشدة.
وقالوا في بيان إنه لو أحيل الضابطان في قضيتي مايكل براون في فرغسون بولاية ميزوري وإيريك غارنر في نيويورك إلى المحاكمة لكان ذلك كفيلاً بكشف جميع الأدلة والسماح للعدالة بأن تأخذ مجراها.
وحرصاً منه على طمأنة السود وإظهار أن الأمور تتقدم، أقر وزير العدل الأسود إريك هولدر بـ«استخدام مفرط للقوة» لدى شرطة كليفلاند بولاية أوهايو، حيث قتل طفل أسود على يد ضابط شرطة. وعشية ذلك وعلى إثر إغلاق التحقيقات المحلية أعلن الوزير نفسه فتح تحقيق وطني على الفور حول احتمال أن يكون هناك دوافع عنصرية وراء مقتل رب أسرة أسود في يوليو الماضي في نيويورك. ووعد بإجراء «تحقيق مستقل معمق عادل وسريع» في مسعى جاد لتهدئة غضب الأمريكيين السود الذين انتقدوا بغضب أثناء تظاهرات آخذة في الازدياد ما أسموه العدالة بمكيالين. لكن أستاذ القانون بول كاسل تساءل عن مدى السرعة خاصة أن «سوابق الوزارة في القضايا الأخيرة التي أحيطت بتغطية إعلامية واسعة لا توحي مع الأسف بالثقة».
ففي عهد أول رئيس أسود في التاريخ الأمريكي لم تصدر وزارة العدل أي قرار في تحقيقها حول مقتل الشاب الأسود تريفون مارتن قبل سنتين في إحدى ضواحي ميامي على يد جار من أصل أمريكي لاتيني أفرج عنه بحجة الدفاع المشروع عن النفس. وقد فتح الوزير في إدارة الرئيس باراك أوباما تحقيقات مماثلة حول انتهاكات محتملة للحقوق المدنية في مقتل تلميذ أسود في الثانية عشر من العمر أواخر نوفمبر الماضي في كليفلاند بولاية أوهايو.
وفي هذه الحالة أيضاً عندما تم التخلي عن الملاحقات المحلية في فرغسون أسرع هولدر في التذكير بأن التحقيق الفيدرالي مستمر بصورة «دقيقة» و«مستقلة». لكن الخبير في جامعة أوتاه قال في مقال لصحيفة «واشنطن بوست»: «بعد كثير من الهياج في الأشهر الأخيرة لم نتلق مطلقاً معلومات حول التحقيقات الفيدرالية».
وتشير معلومات تسربت إلى وسائل الإعلام إلى أن الوزارة تفتقر للأدلة من أجل الشروع بملاحقات بتهمة العنصرية في فرغسون وميامي. ونبه الوزير نفسه إلى «أن القانون الفيدرالي في مجال الحقوق المدنية وضع السقف عالياً في هذا النوع من القضايا»، فيما وعد الرئيس أوباما قائلاً «لن نتراجع قبل رؤية تعزيز الثقة» بين قوات الأمن والملونين.
وفي كل أرجاء البلاد يجد الأمريكيون من أصول أفريقية أنفسهم في وجه صور عنيفة لأقران لهم قتلوا على يد شرطيين بيض مثل الشريط المصور لعملية التوقيف العنيفة في نيويورك لاريك غارنر الذي توفي أثناء نقله إلى المستشفى وجثة مايكل براون الغارقة بالدماء متروكة خلال 4 ساعات تحت وهج الشمس في فرغسون أو شريط المراقبة الذي يظهر اللحظات الأخيرة لتامير رايس الذي قتل فيما كان يحمل لعبة على شكل مسدس في كليفلاند. واقر الوزير اريك هولدر في الكنيسة المعمدانية في اتلانتا بجورجيا حيث توجه مارتن لوثر كينغ إلى السود قبل أكثر من 50 سنة «نواجه في الحقيقة مشاكل ذات بعد وطني وتهدد البلاد بأسرها». لكنه أضاف «كما ذكرنا الدكتور كينغ في خطابه الأخير قبل اغتياله، بأنه عندما يكون الظلام حالكاً فقط يمكن رؤية النجوم».
وشدد الوزير الأمريكي قبل بضعة أسابيع من رحيله من الحكومة على أنه «يجب إعادة علاقات مقطوعة ويجب نسج علاقات لم تكن موجودة على الإطلاق». ويعد من يريد ترك صورة بطل للحقوق المدنية بإصلاح الشرطة في كل مكان على غرار كليفلاند حيث التحقيقات تشير إلى ضرورتها. ويجري حالياً أكثر من 20 تحقيقاً كما أبرم 15 اتفاقاً لتصحيح انتهاكات دستورية لبعض أجهزة الشرطة. ويعلن اريك هولدر «تعزيزا للنظام القضائي» ليكون أكثر عدلاً. وتعمل حكومة أوباما من خلال مبادرات وطنية على تعزيز العلاقات بين عناصر الشرطة والناس الملونين وستعلن قريباً «ضوابط صارمة» بشأن عمليات التفتيش على أساس الشكل. وتابع هولدر محذراً «لكن النضال مستمر. وعواصف أخرى ستأتي»، مضيفاً أن «الطريق أمامنا لن تكون سهلة ومستقيمة».
وجاب آلاف المتظاهرين الشوارع في نيويورك ومدن أمريكية كبرى لليلة الثانية على التوالي للتنديد بإفلات عناصر شرطة قتلوا مشتبهاً بهم من السود من المحاسبة، ما أعاد تأجيج التوتر العرقي في البلاد. وجرت التظاهرات فيما وردت معلومات عن قضية جديدة في أريزونا حيث قتل شرطي أبيض رجلاً أسود أعزل عمره 34 عاماً أثناء توقيفه للاشتباه في إتجاره بالمخدرات. ولليلة الثانية على التوالي تظاهر سكان نيويورك كبرى المدن الأمريكية مع 8.4 ملايين نسمة للتعبير عن غضبهم بعد قرار لجنة محلفين كبرى عدم توجيه تهمة إلى شرطي أبيض في مقتل رب عائلة أسود أعزل بعد تثبيته من عنقه أثناء توقيفه.
وقام المحتجون بقطع الطرقات والأنفاق والجسور فيما هتف بعضهم «لا أستطيع التنفس»، وهي العبارة التي رددها إريك غارنر «34 عاماً» فيما كان عناصر الشرطة يحاولون تثبيته أرضاً أثناء توقيفه في 17 يوليو الماضي بتهمة بيع السجائر بطريقة غير شرعية. وخلص الطبيب الشرعي إلى أنه قضى قتلاً.
ولم يسجل أي حادث خطير لكن الشرطة أوقفت عشرات الأشخاص، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية نقلاً عن الشرطة.
كما جرت تظاهرات في شيكاغو وبوسطن وفيلادلفيا وبالتيمور وواشنطن العاصمة حيث عرقل المحتجون السير قرب البيت الأبيض فيما كان الرئيس باراك أوباما يضيء شجرة الميلاد التقليدية.
وبعد أسابيع على مقتل غارنر قتل شاب أسود أعزل في فرغسون في ولاية ميزوري برصاص شرطي أبيض برأته لجنة محلفين كبرى في 24 نوفمبر الماضي، ما أثار أعمال عنف طوال أسابيع في هذه الضاحية لمدينة سانت لويس. وأطلق دارن ويلسون 12 رصاصة على مايكل براون «18 عاماً». ونشر وزير العدل خلاصات تحقيق أدانت الشرطة في قضية أخرى في كليفلاند في ولاية أوهايو حيث قتل فتى أسود يبلغ 12 عاماً بيد شرطي في 22 نوفمبر الماضي. وأكد هولدر أن شرطة كليفلاند تعتمد «القوة المفرطة» بشكل متكرر، بعد أن زار المدينة في إطار جولة على أجهزة الشرطة في أعقاب هذه الأحداث المتتالية. وقتل تامير رايس «12 عاماً» فيما كان يلعب بلعبة على شكل مسدس في حديقة. ويبدو الشرطي في تسجيل فيديو وهو يطلق النار عليه بعد ثوان من خروجه من السيارة. ووردت معلومات عن حادثة جديدة في أريزونا حيث قتل شرطي أبيض برصاصتين الرجل الأسود روماين بريسبون «36 عاماً» المشتبه في قيامه بالإتجار بالمخدرات، وحاول الإفلات من التوقيف بحسب رواية الشرطة التي اعترضت عليها محامية عائلته. وفي وقت سابق دعا رئيس بلدية نيويورك الديمقراطي بيل دي بلازيو إلى الهدوء، وهو متزوج من امرأة سوداء ولديهما أبناء مختلطي العرق. وقال «يمكن تفهم الاستياء. فخلفنا قرون من العنصرية، لكن بالعمل معاً يمكننا أن نبتعد عن هذا التاريخ». وكذلك دعت الديمقراطية هيلاري كلينتون التي يرجح أن تترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2016 إلى إصلاح نظام العقوبات ووسائل الشرطة منددة بأن يكون «أكثر ترجيحاً أن يتعرض السود إلى التوقيف والتفتيش من طرف الشرطة والاتهام والإدانة مع أحكام أطول» من البيض. كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الولايات المتحدة إلى ضمان محاسبة شرطتها على أفعالها.
غير أن شرطيي فرغسون ونيويورك ليسوا بمنأى عن ملاحقات إضافية. فقد فتح هولدر تحقيقين فدراليين لتحديد أن كانت الحقوق المدنية للضحايا انتهكت أم لا.
واقترح أوباما تجهيز مزيد من الشرطيين بكاميرات محمولة. غير أن هذه المقترحات لم تهدئ من غضب والدة غارنر. وصرحت غوين كار «كيف يمكننا أن نثق بنظامنا القضائي عندما يخيبون أملنا إلى هذا الحد؟» فيما ندد عدد من النواب المحليين السود بـ«خطأ قضائي».