الدوحة - مهند سليمان:
تمثل الدورة الخامسة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تستضيفها العاصمة القطرية -الدوحة- في التاسع والعاشر من ديسمبر الجاري، قمة خليجية في لحظة فارقة تنتظر منها جميع الشعوب الخليجية أن تخطو بالعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي خطوات كبيرة إلى الأمام، خصوصاً في ظل التحديات الراهنة وأيضاً في ظل موجة التفاؤل التي تسود الآن بعد اكتمال المصالحة الخليجية خلال قمة الرياض الشهر الماضي. وفي ظل حقيقة أثبتتها الأحداث وهي أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعد أنجح صيغة إقليمية حدثت خلال العقدين الماضيين وتتوافر له كل الإمكانات ليكون اتحاداً قوياً متى ما توافرت الإرادة السياسية لذلك.
ويمثل انعقاد مؤتمرات القمة الخليجية بشكل سنوي منتظم وبدون تقطع مؤشر مهم على رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في تقوية وتدعيم أواصر التعاون بينها، وهو مؤشر أيضاً على قوة العلاقات بين الدول الخليجية وكيف لا وكل عوامل الوحدة توافرت لديها وزادت من ترابطها، كالتاريخ والجغرافيا ووحدة اللغة والدين والثقافة والترابط الاجتماعي..إلخ.
وتسعى مملكة البحرين منذ تأسس مجلس التعاون الخليجي العام 1981 -والذي كان لها دور كبير في تأسيسه خلده التاريخ- وحتى الآن إلى النهوض بالعمل الخليجي المشترك، حيث قدمت العديد من المشروعات الوحدوية وكانت من أوائل الدول في المجلس التي توافق على كل مشروع يساهم في المزيد من التكامل والوحدة بين دوله ومن أبرز هذه المشروعات مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتحويل مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى اتحاد، وكانت المملكة أول دولة وافقت على المقترح السعودي.
وأعرب حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، عن تطلعه بأن تكون قمة الدوحة المقبلة فرصة طيبة لتعزيز المنظومة الخليجية والخروج بقرارات وتوصيات تلبي آمال وتطلعات مواطني دول المجلس نحو مزيد من التعاون والترابط والتكامل، مؤكداً جلالته ثقته بأن هذه القمة المباركة ستشكل منعطفاً مهماً ونقطة تحول في مسيرة المجلس نحو المستقبل لخدمة المصالح المشتركة للدول والشعوب الخليجية.
وهناك أجواء تفاؤلية سبقت قمة الدوحة تمهد الطريق أمامها للنجاح، فبعد المصالحة الخليجية في قمة الرياض اكتملت عودة سفراء الدول الخليجية الثلاث مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقام ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة إلى قطر، وأصبحت الأجواء مهيأة لتنقية الأجواء الخليجية والعربية معاً. فقمة الرياض لم تقتصر على تنقية الأجواء الخليجية، بل تعدتها إلى الأجواء العربية كافة من خلال الحث على وقف الحملات الإعلامية ومطالبة الإعلاميين والصحافيين بالكف عن إثارة النعرات ووقف الشتائم والسعي إلى جمع الشمل والبعد عن الخوض في المواضيع الخلافية.
ولعل ما يزيد التفاؤل تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية د.نبيل العربي في حوار صحافي، حين أكد أن دعوته لأول مرة لحضور القمة الخليجية في الدوحة يجعله يتصور أن «هناك مشهداً سيكون حاضراً بقوة في هذه القمة، وهو ترسيخ سياسة تنقية الأجواء، ومن ثم لابد من وجود شاهد على ذلك من خارج دول مجلس التعاون الخليجي».
وبجانب أجواء المصالحة، فإن القمة الخليجية في الدوحة ذات طابع خاص ومفصلي، وتأتي في وقت تزايدت فيه وتيرة الإرهاب في المنطقة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وتقودها منظمات إرهابية تمتلك أسلحة نوعية وجيشاً وهو أمر خطير لم يحدث من قبل، ويزيد من خطورته أن العالم العربي مازال يعيش أحداثاً وتحديات كبيرة نتيجة الاضطرابات المتوالية في العديد من دوله وما تواجهه شعوبه من معاناة في الحياة وغياب الأمن والاستقرار، وتضاعف أعداد النازحين واللاجئين.
وكانت هذه المخاطر ماثلة في الأذهان لدى قادة دول المجلس فأقرت القمة الخليجية السابقة في الكويت إنشاء القيادة العسكرية الخليجية الموحدة، وهناك أمنيات أن تشهد القمة الخليجية التي ستستضيفها الدوحة إعلان إنشاء هذه القيادة. خصوصاً وأن هذه القيادة العسكرية الخليجية الجديدة سيكون لها دور كبير في مواجهة المخاطر الأمنية والعسكرية التي تحيق بالخليج وستكون قادرة على التحرك السريع إزاء أي مخاطر أمنية، كما ينتظر الإعلان عن إنشاء قوة بحرية مشتركة لمواجهة التحديات الجديدة في ظل الظروف والأحداث التي تشهدها المنطقة، وكان مجلس الدفاع المشترك لدول المجلس أوصى في دورته الثالثة عشرة، التي انعقدت في نوفمبر الماضي، بإنشاء هذه القوة، وهاتان الخطوتان الكبيرتان ستمثلان بلاشك دفعة كبيرة للتقارب والتعاون العسكري بين دول المجلس.
ومن المرتقب أن تجدد القمة موقف دول مجلس التعاون الرافض للأعمال الإرهابية التي يقوم بها تنظيم «داعش» والتي تشكل تهديداً وخطراً كبيراً على أمن واستقرار المنطقة.
وتناقش القمة كما هو منتظر مشروع الشرطة الخليجية المشتركة، الذي رفعه وزراء الداخلية الخليجيون خلال اجتماعهم في نوفمبر الماضي وهو مشروع طموح وهو بمثابة إنتربول خليجي، وبالتالي هو جهاز مهم في المنظومة الخليجية لتعزيز الأمن الداخلي.
وفي الملفات الاقتصادية سيكون هناك ملف العملة الخليجية الموحدة على جدول أعمال القمة وكذلك التعاون في مجالات الشؤون الاقتصادية والأسواق المالية بدول مجلس التعاون والربط المائي والأمن المائي، فضلاً عن تقارير المتابعة بشأن السوق المشتركة والاتحاد النقدي والسكك الحديدية والاتحاد الجمركي والمفاوضات والحوارات الاستراتيجية مع المجموعات الاقتصادية وغيرها.
ويعالج مشروع الربط المائي أزمات شح المياه التي يمكن أن تعاني بسببها المنظومة الخليجية مستقبلاً، ويستهدف المشروع تحسين وضع الصناعة المائية في دول الخليج.
ومن المؤكد أن قمة الدوحة ستخصص حيزاً من المباحثات للشأن اليمني، فتطورات الأحداث في اليمن كانت متسارعة جداً وترتبت عليها نتائج خطيرة على الأرض.
وكذلك فإن من المنتظر أن تبحث القمة العديد من القضايا العربية الأخرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية في ظل التطورات الأخيرة وفي ظل سعي السلطة الفلسطينية للاعتراف بدولة فلسطين، وكذلك بحث الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا وبحث ملفات الشراكة الاستراتيجية مع مملكتي المغرب والأردن.
أما البند الأهم للشعوب الخليجية والذي سيكون موجوداً على جدول الأعمال هو بند الاتحاد الخليجي، ولعل الفرصة الآن سانحة بعد الانفراج في العلاقات الخليجية وما أتبع ذلك من خطوات تعطي الدافع وتوجد الفرصة المناسبة لقيام الاتحاد، الذي ينبغي أن يكون هو الموضوع الرئيس لمؤتمرات القمة الخليجية المقبلة حتى يتحقق.
وتتمنى جميع الشعوب الخليجية أن يكون ذلك في أقرب وقت حتى تنصهر دول مجلس التعاون في كيان دولي واحد يواجه التكتلات الدولية والإقليمية التي أصبحت طابع العصر.
إن الشعوب الخليجية تتطلع إلى أن تدعم قمة الدوحة مسيرة المجلس وتعزز المنظومة الخليجية، وتخرج بقرارات وتوصيات تلبي آمال وتطلعات مواطني دول المجلس نحو مزيد من التعاون والترابط والتكامل وتحقيق الأهداف والتطلعات المنشودة التي قام المجلس على أساسها.
القائم بأعمال مدير عام وكالة أنباء البحرين