بوش شاهد صورة معتقل معلق من السقف وأرغم على التبول على نفسه
الهدف من التهديدات خلق «فيروس عقلي» يزيد الضغوط النفسية على المحتجزين
استنكار عالمي لانتهاكات الـ «سي أي إيه» ودعوات أممية بإطلاق ملاحقات جنائية
الأمم المتحدة: إدارة بوش ارتكبت جرائم منهجية وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان
مفوض حقوق الإنسان: لا ينبغي وجود حصانة لأحد في ملف التعذيب الأمريكي
119 معتقلاً أسروا وسجنوا في «المواقع السوداء» بتايلاند وأفغانستان ورومانيا وبولندا وليتوانيا
المخابرات الأمريكية دفعت لبولندا أموالاً لتكون مرنة بشأن سجن سري
برلين: وسائل التعذيب الأمريكية انتهاك خطير للقيم الديمقراطية
أفغانستان: ممارسات التعذيب أعمال غير إنسانية
عواصم - (وكالات): دعت الأمم المتحدة وجماعات معنية بحقوق الإنسان إلى معاقبة المسؤولين الأمريكيين الذين أقروا وسائل التعذيب والاستجواب الوحشية التي مارستها وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي أي إيه» مع المشتبه فيهم من تنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، بينما أعاد التقرير إحياء الجدل حول التعذيب وأثار موجة استنكار واسعة في العالم وصلت إلى حد المطالبة بإطلاق ملاحقات جنائية.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين إنه «لا ينبغي وجود حصانة لأحد أو إسقاط عقوبات بالتقادم عن التعذيب»، قبل أن يكشف تدريجياً عن المعلومات السرية من التقرير الذي أعدته لجنة الاستخبارات بالكونغرس حول الممارسات غير المشروعة لعناصر الـ»سي أي إيه» خلال التحقيقات مع عناصر يشتبه بتورطها بالإرهاب، وظهر أن بعض المحققين هددوا المحتجزين بعائلاتهم، في حين تعرض موقوف بعينه، يدعى «أبوجعفر العراقي» لتجارب قاسية. وكشف التقرير أن «عناصر الاستخبارات هددوا السجناء بالاعتداء على سلامة عائلاتهم واستغلوا «خوف السجناء على صحة وسلامة ذويهم» وكان الهدف من التهديدات خلق ما وصفه التقرير بـ»فيروس عقلي» يزيد من الضغوطات النفسية على المحتجزين. ووصلت التهديدات إلى حد التلويح بإلحاق الأذى بابن أحد المسجونين، وكذلك الاعتداء جنسياً على والدة مسجون آخر، أو ذبح والدة مسجون ثالث.
وبعد 6 أعوام على رحيل جورج بوش عن البيت الأبيض، نشر أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون من لجنة الاستخبارات أمس تقريراً استثنائياً يفصل البرنامج السري الذي أدارته الاستخبارات الأمريكية لاعتقال واستجواب أشخاص يشتبه في علاقتهم بالقاعدة، خارج إطار القضاء.
واعترضت الـ»سي أي إيه» على الفور على نتائج التقرير الذي أعد بين 2009 و2012 والواقع في 525 صفحة مع 2725 ملاحظة في أدناها رفعت السرية عنها.
واتهمت اللجنة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بين 20 خلاصة توصلت لها، بإخضاع 39 معتقلاً لتقنيات استجواب عنيفة وفي بعض الأحيان لا توافق عليها الإدارة.
ويصف التقرير بالتفاصيل كيف استخدمت الاستخبارات تقنيات استجواب متشددة تكراراً طيلة أيام وأسابيع». وقد ضرب المعتقلون بجدران وتمت تعريتهم ووضعهم في مياه مجمدة، كما منعوا من النوم طيلة فترات تصل إلى 180 ساعة. ومن هؤلاء المعتقل أبوزبيدة الذي تعرض لعمليات إيهام بالغرق وفي أعقابها «خرج الزبد من فمه»، وهو في حالة فقدان الوعي تقريباً. أما خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، فقد تعرض لتقنية الإيهام بالغرق خلال جلسات الاستجواب. ورداً على نشر التقرير قال محاميه إنه من غير المتوقع أن تصدر عقوبة إعدام بحق موكله خلال محاكمته المقبلة. وفي الإجمال، فإن 119 معتقلاً أسروا وسجنوا في إطار البرنامج السري لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في مواقع أطلق عليها اسم المواقع «السوداء» في دول أخرى لم يتم تحديدها، ولكنها تشمل تايلاند وأفغانستان ورومانيا وبولندا وليتوانيا.
والإيهام بالغرق الذي استخدم ضد 3 معتقلين لم يعد يستخدم بعد 2003، وانتهى العمل ببقية التقنيات في ديسمبر 2007. وقد ألغى الرئيس باراك أوباما رسمياً البرنامج لدى وصوله إلى السلطة في 2009.
وجاء في خلاصة التقرير أن «تقنيات الاستجواب المتشددة للاستخبارات لم تسمح بجمع معلومات مرتبطة بتهديدات وشيكة، مثل معلومات تتعلق بـ»قنابل موقوتة» مفترضة اعتبر الكثيرون أنها تبرر هذه التقنيات».
ويتهم التقرير الـ»سي أي إيه» أيضاً بأنها كذبت على الجمهور الواسع وكذلك على الكونغرس والبيت الأبيض، بشأن فعالية البرنامج وخصوصاً عندما أكدت أن هذه التقنيات سمحت بـ»إنقاذ أرواح».
وقد أبلغ جورج بوش الذي كان رئيساً آنذاك، في أبريل 2006 أي بعد 4 أعوام بأن معتقلين يتعرضون للتعذيب في سجون سرية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كما كشف تقرير مجلس الشيوخ.
وأفاد تقرير اللجنة في صفحته الأربعين بأن الرئيس الجمهوري السابق «شعر بالإحراج» عند مشاهدة صورة «لمعتقل معلق من السقف وأرغم على التبول على نفسه».
وجدد باراك أوباما الذي وضع حداً لهذا البرنامج لدى وصوله إلى السلطة في يناير 2009، القول إن هذه الوسائل «شوهت كثيراً من سمعة أمريكا في العالم»، واعداً بالقيام بكل ما هو ممكن لضمان عدم تكرارها. وإعادة فتح هذا الفصل الأسود من «الحرب على الإرهاب» أثارت جدلاً في الولايات المتحدة حول حدود الشفافية في إطار تصاعد المخاطر الإرهابية المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وحول فعالية التعذيب عموماً. ودعا مقرر الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان بن إيمرسون إلى إطلاق ملاحقات قضائية بحق المسؤولين الضالعين في هذه القضية. وقال «لقد تم وضع سياسة على مستوى رفيع في إدارة بوش أتاحت ارتكاب جرائم منهجية وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان العالمية». وطالب إيمرسون بـ»ملاحقة المسؤولين الكبار في إدارة بوش الذين خططوا وأجازوا ارتكاب جرائم وكذلك مسؤولي المخابرات المركزية الأمريكية ومسؤولين آخرين بالحكومة اقترفوا عمليات تعذيب مثل الحرمان من النوم والغمر بالماء». لكن وزارة العدل الأمريكية قالت إن الملف سيبقى مغلقاً بسبب عدم وجود أدلة كافية. ودعت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان البريطانية «كايج» إلى ملاحقات قضائية أيضاً مؤكدة أن «هناك في التقرير أدلة واضحة تبرر فتح ملاحقات قضائية».
من جهته قال الرئيس البولندي السابق الكسندر كواشينسكي الذي استقبلت بلاده سجوناً سرية للاستخبارات، إن عمليات الاستجواب العنيفة بحق مشتبه بهم من قبل الوكالة الأمريكية في بولندا توقفت إثر ضغوطات بولندية عام 2003 وأنه «في البداية لم تكن بولندا تعلم بالتعذيب».
في المقابل، جاء في التقرير أن بولندا هددت بتعطيل نقل مشتبه بهم من تنظيم القاعدة إلى سجن سري تابع لوكالة الاستخبارات داخل الأراضي البولندية قبل 11 عاماً لكنها أصبحت أكثر «مرونة» حين دفعت لها المخابرات أموالاً كثيرة. وفي الولايات المتحدة ندد المدير العالم للاتحاد الأمريكي للدفاع عن الحريات أنتوني روميرو بوقوع «جرائم بشعة» قائلاً «إنه تقرير فاضح ويتعذر قراءته بدون الشعور بالسخط لواقع أن حكومتنا قامت بهذه الجرائم الشنيعة».
وفي الكونغرس عبر الجمهوريون عن أسفهم لموعد نشر التقرير. وعبروا عن مخاوف من أن تعطي هذه الشفافية حجة «لأعداء» أمريكا وأن تثير أعمالاً انتقامية مثلما حصل بعد الكشف عن فضيحة سجن أبو غريب العراقي في 2004. ودافع مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جون برينان عن سلوك أجهزة الاستخبارات قائلاً إن «المعلومات التي تم الحصول عليها من عمليات الاستجواب كانت هامة للتعرف على تنظيم القاعدة وتساعد حتى الآن في جهود مكافحة الإرهاب». وكانت رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ديان فاينسيتاين قد وصفت سلوك الـ»سي أي إيه» بأنه «وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة». وأثار التقرير موجة استنكار عالمية، وصرح وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن أساليب التعذيب تشكل «انتهاكاً خطيراً للقيم الديمقراطية» و»خطأ جسيماً». ودان الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني التعذيب الذي مارسته الاستخبارات الأمريكية مضيفاً «لقد انتهك عدد من موظفي ومتعاقدي الاستخبارات جميع مبادئ حقوق الإنسان المقبولة والقوانين الأمريكية، والحكومة الأفغانية تدين هذه الأعمال غير الإنسانية بأشد العبارات». ودعت الصين الولايات المتحدة إلى «إصلاح أساليبها».