كتب - أحمد الجناحي:
يعود صوت الراحل الكاتب المصري المستشار محمود دياب ليطرق الأسماع للمرة الثالثة منذ الثمانينيات، فبعد أن قدم مسرح الجزيرة «الغرباء لا يشبهون القهوة» بإخراج المرحوم عاطف السلطي، وقدم مسرح أوال مسرحية «أرض لا تنبت الزهور» بإخراج عبدالله يوسف، يأتي مسرح الصواري مساء الثلاثاء الماضي ليقدم عرضاً مبهراً للمسرحية ذاتها لكن برؤية مختلفة تحمل توقيع المخرج خالد الرويعي.
وشكل العرض إطلالة مباشرة على قيم الحب من خلال الابتعاد عن الحقد والكراهية والضغائن والمكائد التي تدفع صانعيها إلى الجحيم وتجعل الأوطان غير مستقرة حيث تدفع الجميع إلى تناحر دائم من خلال الصراع والحروب، وفي هذه المسرحية استحكمت الكراهية والحقد بأبشع صورها ومكائدها.
ومن خلال الجمع بين مختلف أوجه الثقافة في العرض، عبر الأزياء المختارة بعناية والسنوغرافيا التي شكلت عنصراً أساسياً في العرض، قدمت مجموعة من اللوحات المحملة بقيم الحب والإنسانية، بينما جاءت الموسيقى بجانب الرقصات البسيطة لتستكمل هذه الصورة مع تركيزها على الألوان المبهرة على المسرح، لاسيما الملابس التي ارتدتها مؤدية دور الملكة. وبالموازنة وتوزيع اللوحات المسرحية عالجت المسرحية شر النفس، من انتقام بأبشع الأساليب عن طريق الثأر بالغدر، ليعود الطرف الآخر محاولاً الانتقام والثأر مرة أخرى، وكأن العملية سلسلة موت ودم لا تنتهي، ولا يمكن التصدي لها، ليتفشى بعدها الحقد وتنتشر التعاسة في المجتمع.
كان العرض رغم صخب المواقف هادئاً في إيقاعه، شد انتباه الجمهور وأثار إعجابه منذ البداية، فكانت حركات الممثلين مدروسة، أما المأخذ الوحيد على العرض فهو صغر المسرح الذي قدم عليه، الأمر الذي منع الصواري من تقديم عرض أكبر ربما لعدم توفر الصالة الثقافية للمسرح لبعض الأسباب، كما كان واضحاً من خلال العرض الذي قدم أن هناك بعض الزوايا التي لم تنل حقها الكافي من الإضاءة. محمود دياب مؤلف المسرحية، من المؤلفين الذين يلتحم لديهم الشكل والمضمون بتناغم عبر تداخل متوازن، شخصيات تصنع مصيرها أمامنا وأفكار مبثوثة دون تكلف أو مباشرة، في ثنايا النص تخبو حيناً وتتألق أحيانا أخرى، عالم المسرحية منسوج بخيوط بشكل دقيق يمسك بها المؤلف بيده بشكل كامل دون قسراً أو جبر ويحركها بمهارة عالية، لندخل عالم المسرحية فتكشف أمامنا تلك النفوس التي تتآكل في اتجاهها إلى الهاوية، مسلطاً الضوء على دواخل الشخصيات لنرى بوضوح الخراب بداخلها أو داخل البيئة المحيطة بها.