طوال عمره المديد، لم يدخر مجلس التعاون الخليجي جهدا في إظهار دعمه لكل دول منظومة التعاون، وأعلن مراراً وتكراراً وقوفه بجانب أي عضو من أعضائه الستة، خصوصا في أوقات الأزمات التي مرت ببعضها، وها هو الآن يجدد عهده ثانية، ويعلنها صريحة مدوية أن ما يربط دول المجلس أكثر من مجرد رابط تنظيمي ومؤسسي، وأن مصيراً واحداً يجمعهم معاً يستوجب إقصاء الخلافات جانباً، ويحتم التكاتف والتضامن فيما بينهم، والنظر للمستقبل نظرة واحدة حتى يمكن مواجهة التحديات المشتركة التي تجابههم جميعاً.
والمدقق في البيان الختامي للقمة الـ35 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي اختتمت أعمالها أمس الأول بالعاصمة القطرية الدوحة، يستطيع أن يخلص إلى هذه الحقيقة المهمة بدلالاتها المختلفة، والتي تؤكد على معان كثيرة ليس فقط الوشائج العميقة بين دول التعاون، وصلات القربى والتاريخ الوثيقة فيما بينهم، وأن الدول الأعضاء تقف بجانب بعضها البعض وقت الحاجة وعند اشتداد الأمور والملمات، وإنما أيضاً تؤكد على هذا المعنى المتميز لهذه القمة مقارنة بغيرها، وهي أن مواقف البحرين المشهودة والثابتة ناحية دول المجلس منذ قرار إنشائه وحتى اللحظة، والتي قوبلت بكل ثناء وتقدير، كما سيتضح تالياً، لابد أن تقابل بالقدر ذاته من الإجلال والتعظيم.
أكد على هذا الموقف الواضح قادة دول المجلس في بيانهم الختامي لقمة الدوحة، وذلك بعدما أعلنوا وقوفهم إلى جانب المملكة في كل خطواتها الرامية إلى محاربة الإرهاب، وإدانتهم الشديدة للتفجيرات الإرهابية التي راح ضحيتها أرواح بريئة، في إشارة للجريمتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا رجال شرطة ومواطنين ومقيمين أبرياء ما يهدد الأمن والسلم الأهلي، ليس في البحرين فحسب، وإنما في كل دول المنطقة والعالم على اعتبار أن الإرهاب يعد واحداً من أهم تحديات العالم المعاصر.
إشادة بنجاح الانتخابات
كذلك فإن قادة دول التعاون وجهوا التحية للبحرين، قيادة وحكومة وشعباً، لأنها ومع نجاح الانتخابات النيابية والبلدية الرابعة في تاريخها الحديث بجولتيها النزيهتين اللتين شهدتا إقبالاً ومشاركة واسعين، وترحيباً إقليمياً وعالمياً، استطاعت تفويت الفرصة على بعض الموتورين الحاقدين الذين يحاولون تبرير الخروج على الشرعية الدستورية بدعواتهم، وتجاوز المؤسسات التمثيلية القائمة بأعمالهم غير القانونية، والتي لم ولن تجد لها قبولاً على الأرض.
وكان البيان الختامي للقمة قد هنأ بنجاح الانتخابات النيابية والبلدية التي جرت في المملكة في 22 و29 من نوفمبر الماضي باعتبارها إنجازاً تاريخياً شارك فيه أبناء المجتمع البحريني بجميع مكوناته وبنسبة مشاركة عالية تثبت وقوفهم خلف حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، من أجل بناء مستقبل زاهر في ظل المشروع الإصلاحي للعاهل، متمنياً لمملكة البحرين وشعبها التقدم والازدهار.
وواقع الأمر أن هذا الموقف الداعم والمرحب ليس بغريب على دول التعاون، وخصوصاً أن البحرين لم تأل جهداً هو الآخر في إظهار دعمه ومؤازرته لكل ما من شأنه رفعة وتقدم وازدهار دول المجلس، وجاءت مشاركة العاهل وكلماته التي صرح بها لدى وصوله الدوحة وفي افتتاح القمة وعقب فعاليات ختامها، لتؤكد مدى إيمان جلالته بأهمية مجلس التعاون الخليجي وضرورة تطويره للوصول به إلى مرحلة الاتحاد الكامل.
دعم توحيد الخليج
وتعبر كلمات العاهل خلال القمة وعقب وصوله أرض الوطن، في الحقيقة، عن سياسة راسخة انتهجتها مملكة البحرين في دعم كل ما يوحد دول مجلس التعاون إيماناً بوحدة الهدف والمصير والمصلحة المشتركة لشعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تقف دول التعاون وقفتها المشهودة تلك بجانب البحرين في مواجهتها للجرائم الإرهابية التي تحاول النيل من وحدتها واستقرارها، مرحبين في بيانهم الختامي بكل الجهود البحرينية التي تبذل للحد من جرائم الإرهاب ومنع وصوله للمنطقة، سيما بالنظر إلى نتائج المؤتمر الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب الذي عقد في العاصمة المنامة نوفمبر 2014، وإعلان المنامة الصادر عنه، الذي اعتبروه مرجعاً في تحديد السبل والطرق الكفيلة للحد من ظاهرة الإرهاب بشكل كامل وشامل.
ويكشف ذلك في الواقع عن دور بحريني متعاظم في الشأن الخليجي، كما يعبر عن دلالة مهمة بأن المملكة لا تدع فرصة يكون من شأنها تطوير العمل الخليجي المشترك إلا وتساهم فيها قدر إمكانها، ولعل هذا المعنى يعيد إلى الذاكرة الجهود الكبيرة التي قامت بها المملكة أثناء فترة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحتى الآن، وحرصها الدائم على تفعيل دور المجلس وتقويته، والوصول به إلى مرحلة الاتحاد.
ويشهد التاريخ أن الملك كان أول من أعلن موافقة بلاده على مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأعلن جلالته استعداد مملكة البحرين إلى الانضمام إليه فوراً، بل ويتابع جلالته بشكل مستمر هذا الموضوع الحيوي، ويتداول فيه مع قادة دول مجلس التعاون، للانتقال من التنسيق والتكامل الحالي إلى مرحلة الاتحاد الشامل والكامل.