عواصم - (وكالات): توالت حملة الإدانات الدولية لما تضمنه تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي عن ممارسة وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ«سي اي ايه» عمليات تعذيب وحشية بحق معتقلي «الحرب على الإرهاب»، فيما أكد محللون أنه «رغم عاصفة الاستنكار الدولي الذي أثاره التقرير، فإنه يبقى من المستبعد أن يؤدي ذلك إلى تغيير الأولويات بالنسبة إلى الوكالة»، قبل أن يقر مدير وكالة الاستخبارات جون برينان أن الوكالة استخدمت أساليب استجواب «مثيرة للاشمئزاز»، معترفاً بقلة خبرة في احتجاز المعتقلين، وذلك في مؤتمر صحافي غير مسبوق بعد نشر التقرير. ووصفت تركيا عمليات التعذيب بأنها «غير إنسانية». وصرح وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو في مؤتمر صحافي في أنقرة «الشفافية مهمة، لكنها لا تضفي الشرعية على التعذيب الذي تمت ممارسته».
وقال إن «المعاملة التي تحدث عنها التقرير بالتفصيل غير مقبولة وغير إنسانية». وصفت روسيا التقرير بأنه «صادم» داعية واشنطن إلى الكشف عن باقي البيانات حول انتهاكات حقوق الإنسان. واستغلت روسيا، التي طالما أبدت انزعاجها من انتقادات واشنطن لسجلها في حقوق الإنسان، الفرصة لوصف الولايات المتحدة، بأنها ليست «مثالاً للديمقراطية». وقال مبعوث وزارة الخارجية الروسي لحقوق الإنسان كونستانتين دولغوف «إن محتويات التقرير صادمة». وأضاف «المعلومات المنشورة هي أحدث دليل على انتهاكات السلطات الأمريكية المنهجية الفظة لحقوق الإنسان». وذكر أن ذلك «لا ينسجم مع مزاعم الولايات المتحدة بأنها مثال للديمقراطية».
وأضاف أن معظم أجزاء التقرير لاتزال سرية، داعياً نشطاء حقوق الإنسان في العالم إلى الضغط على الولايات المتحدة للكشف عن جميع المعلومات المتعلقة بالانتهاكات المرتكبة في إطار «الحرب على الإرهاب» التي شنتها واشنطن.
من جانبه، قال نائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليج إنه سيؤيد فتح تحقيق فيما إذا كانت المخابرات البريطانية قد شاركت في وقائع تعذيب للمشتبه في صلاتهم بالإرهاب قامت بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وذلك إذا فشلت تحقيقات أخرى في كشف الحقيقة.
وأضاف كليج أنه رغم تأكده من أن ضباط المخابرات البريطانية لم يشاركوا في التعذيب فإن مزاعم بأن الضباط كانوا على علم بارتكاب السلطات الأمريكية وغيرها انتهاكات ضد المعتقلين يجب أن تفحص بعناية.
من ناحيته، قال بارادورن باتاناتابوتر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي التايلندي ومستشار رئيس الوزراء برايوت تشان اوتشا إن بلاده لم تسمح قط للولايات المتحدة باحتجاز أو تعذيب مشتبه بصلاتهم بالإرهاب على أرضها نافياً تقارير أفادت بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كانت تدير سجناً سرياً في تايلاند.
وأكد مسؤول أمريكي أن الولايات المتحدة سلمت إدارة جميع السجون في أفغانستان إلى سلطات كابول ولم تعد تعتقل أي شخص هناك، فيما تستعد قوات الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة للانسحاب من البلد المضطرب.
وقال المسؤول إنه بعد مراجعة دقيقة من قبل وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين فإن آخر السجناء «ممن يحملون جنسية دولة ثالثة»، أي ليسوا أمريكيين ولا أفغاناً، تم نقلهم ولم تعد القوات الأمريكية تشرف على أي مراكز اعتقال في أفغانستان. من جهته، صرح نظيف الله سالرزاي المتحدث باسم غني أن «عدداً محدوداً» من المعتقلين الأجانب تم تسليمهم إلى السلطات الأفغانية.
وفي مارس 2013، نقلت الولايات المتحدة مسؤولية سجن باغرام المعروف بـ «غوانتنامو الشرق» إلى عهدة الحكومة الأفغانية، ولكنها احتفظت بالمسؤولية عن 50 معتقلاً أجنبياً محتجزين فيه، بينهم الكثير من الباكستانيين.
ويصف تقرير مجلس الشيوخ كيف كان يتم تقييد المعتقلين لمدة أيام في غرف مظلمة وإغراقهم في مياه مثلجة وحرمانهم من النوم لمدة أسبوع مع تعرضهم للضرب والتعذيب النفسي في موقع خارج قاعدة باغرام يدعى «حفرة الملح». واتهمت هيئات للدفاع عن حقوق الإنسان السلطات الأمريكية بانتهاك حقوق المعتقلين في السجن وكشف تقرير للجيش الأمريكي أن اثنين من الموقوفين تعرضا للضرب حتى الموت في 2002.
وقال محللون إنه «رغم عاصفة الاستنكار الدولي الذي أثاره التقرير، يبقى من المستبعد أن يؤدي ذلك إلى تغيير الأولويات بالنسبة إلى الوكالة. وأضافوا أن الـ«سي أي إيه» تعرضت في العقود الماضية لانتقادات متكررة حول عملياتها المثيرة للجدل غالباً والتي انتهى بعضها إلى فشل ذريع. ومن الإنزال الفاشل في خليج الخنازير في كوبا مطلع ستينات القرن الماضي وفضيحة بيع الأسلحة إلى إيران إبان الثمانينات والتقارير المزيفة حول أسلحة الدمار الشامل في العراق مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، كلها شكلت مناسبات لانتقاد الوكالة. ورغم أن سمعة الوكالة تلقت ضربة قوية مع التفاصيل المقلقة التي تضمنها التقرير حول معاملة المعتقلين وتضليل البيت الأبيض والكونغرس، إلا أن الـ«سي أي إيه» ستظل قوة أساسية على صعيد التجسس وجمع المعلومات في العالم.