كتب – جعفر الديري:
إن الحكاية التراثية البحرينية ينبوع متدفق من الرؤى والأفكار والأحاسيس، ينهل منه الجميع سواء المبدعين من كتاب ومؤلفين وفنانين ورسامين، أو مواطنين عاديين.
وبحكم كون تراثنا البحريني «مجموعة من العلوم والمعارف والعادات والتقاليد والصور»، فإنه من غير المقبول أبداً أن نتنكر لماضينا وحكايات الأبطال، حتى لو أضاف لها الخيال الشعبي، ما يمثل آماله وتصوراته للإنسان النموذجي، فإن الأمم التي لا تهتم بتراثها تعجل بموتها.
لقد عاشت الحكاية التراثية، في أذهان أهل البحرين والخليج زمناً طويلاً، تتناقلها الألسن جيلاً بعد جيل، لذلك من الصعب إن لم يكن من المستحيل التعرف على مصدرها، من أين خرجت وفي أية مكان تطوّرت، فالمضمون واحد، بل إن سمات الأبطال هي نفسها، فلا فرق هنا بين قرية في شمال المحرق مثلاً، وأخرى في شمال القطيف بالمملكة العربية السعودية، سوى في الأسماء واللهجة المحكية المحلية.
هناك طبعاً باحثون نادرون، تمكنوا من النبش طويلاً، وخرجوا بأطروحات لا تؤكد، بل ترجح مصدراً ما، لحكاية ماتزال حتى يوم الناس هذا، تحتفظ ببريقها في عالم يحوي جملة من المؤثرات مثل التلفزيون والألعاب الإلكترونية، بل إن الحكاية تمكنت من استغلال هذه المؤثرات، بحيث باتت شديدة الارتباط بها، ولا تجد بديلاً عنها.
لماذا تحظى الحكاية التراثية بكل هذا الاهتمام؟! إن ذلك يعود لاعتبارها جزءاً من التراث، ناتج للتراكم الثقافي والفكري المستمر، جسد فيه الإنسان طموحاته وأحلامه ومعاناته، وتكون نتيجة التفاعل الحيوي، مع البيئة والناس، ويخطئ من يتصور أن الحكاية التراثية سجل مكتوب فقط، تتداوله الكتب أو الأعمال الفنية والسينمائية!، أبداً، فهي تعيش مع الناس حتى في سلوكياتهم اليومية، وأنهم ليتحدثون بكلمات أبطالها دون أن يشعروا، ويستفيدون من تجاربهم ومواقفهم.
من الحكايات التراثية المتداولة، «القاضي تها»، «حمامة نودي»، «العندروسة»، «سرور»، «خنيفسة»، «نصيف نصيفان»، تتميز ببناءً فني عال، وتتكون من استهلال وصلب وذروة وخاتمة، إضافة لعبارات كثيرة تستهل بها منها «كان ما كان»، إلا أن مضامينها التي ترد في صلبها تختلف باختلاف نوعها. أما بالسنية للمشكلات التي تواجه بطل الحكاية، فهي غالباً عائلية ومعاشية.
وإذا جاز لنا أن نطوّع بعضاً مما جاء في كتاب «معالم مضيئة من التراث الشعبي»، لمؤلفه كاظم سعد الدين، نقول إن من أنواع الحكايات التراثية في البحرين، أساطير، هي تأريخ واقع مقدس اعتقد به أهالي دلمون، فسروا بها نشأة الكون أو تعليل الظواهر الكونية أو الطبيعية، حكاية دينية كقصص الأنبياء وغيرهم، حكايات الجان، وتحفــل الحكاية الشعبية من هذا النوع بالكثير بالجن وهم في المعتقد الشعبي أمم وقبائل، وملل ونحل، مؤمنون وكفرة، مدنيون وقرويون، منهم الصالح ومنهم الشرير، ومنهم من يعين الناس في أعمالهم.