كتب - وليد صبري:
تشارك مملكة البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، دولة قطر الشقيقة احتفالاتها بعيدها الوطني الـ «43»، تجسيداً للعلاقات الأخوية بين البلدين منذ استقلالهما عام 1971، وسط اهتمام مشترك بمواصلة مسيرة عقود من البناء والتنمية ومد جسور المحبة والتعاون على جميع الأصعدة. وتعد العلاقات البحرينية القطرية نموذجاً يحتذى به في التكامل ووحدة المصير بين الدول الخليجية والعربية من حيث متانتها وقوتها والروابط التاريخية والعلاقات الأخوية ووشائج القربى والمصاهرة التي تربط البلدين. وبفضل السياسات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، وأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، يحرص البلدان على توسيع آفاق العلاقات الثنائية، والارتقاء بها في شتى الميادين الاقتصادية والتجارية بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين.
وتتميز العلاقات بين البلدين على الصعيد السياسي بالتوافق تجاه القضايا الإقليمية والدولية وتطابق الرؤى في العديد من القضايا التي تهم منطقة الخليج والأمتين العربية والإسلامية اعتماداً على منهج العقلانية والحكمة، فهما شريكان استراتيجيان وسياسيان في مجلس التعاون الخليجي، وفي الجامعة العربية.
تعاون مثمر
على الصعيد الاقتصادي تشهد العلاقات بين البلدين تعاوناً مثمراً، خاصة على مستوى الزيارات المتبادلة من قبل كبار المسؤولين والاتفاقات الاقتصادية والتجارية، كذلك فإن رجال الأعمال في البلدين لديهم الحافز وتتوافر لديهم الإمكانات لتوطيد وتعزيز العلاقات الاقتصادية. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بنهاية عام 2011، نحو 827 مليون دولار، بينهم 740 مليون دولار صادرات من البحرين إلى قطر، و87.5 مليون دولار واردات البحرين من قطر.
وتعتبر اللجنة البحرينية القطرية المشتركة التي أنشئت عام 2000 مؤشراً قوياً يعكس الرغبة الصادقة في تحقيق الوحدة والترابط الوثيق لما فيه خير ومصلحة الشعبين، وتحقيق طموحاتهما في المزيد من الاستقرار والرفاهية. ويعد الاتفاق البحريني القطري بشأن قيام قطر بتزويد البحرين بالغاز الطبيعي ثمرة لمسيرة العلاقات الاقتصادية. ونظراً لأن البحرين مركزاً مالياً دولياً هاماً في المنطقة فإن هناك فرصاً على جانب كبير من الأهمية للقطاع الخاص القطري في الاستثمار في القطاع المصرفي في البحرين، خاصة الوحدات المصرفية الخارجية للمساهمة في توفير جانب من التمويل اللازم لمشروعات التنمية الاقتصادية في قطر، وفقاً لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية القائمة.
جسر المحبة
يشكل جسر المحبة بين البحرين وقطر جسراً لمزيد من التواصل والمحبة والتلاحم والتآزر والتعاضد، ورمزاً لكل معاني الأخوة والتعاون وتكريس مفاهيم القربى والجوار، ويأتي تجسيداً للمعاني والقيم الحضارية للإنسان القطري والبحريني، كما سيكون له دوره في تنمية وتطور التبادل التجاري، وإقرار المزيد من المشروعات المشتركة بين البلدين والمساهمة في سرعة الانتقال وتبادل الزيارات بين الشعبين. وقد عاد مشروع «جسر المحبة» إلى الواجهة من جديد بعد أن أرجئ لسنوات، حيث قرر البلدان إنشاء جسر يربطهما في عام 2009. وجسر المحبة، بالإضافة إلى أنه سيكون أطول جسر في العالم، أيضاً يحتوي على سكة للقطارات، وسيختصر مسافات لطالما كان يراها بعض المواطنين الخليجيين طويلة. الجدير بالذكر أن بعض التصاميم تم تعديلها عما كانت عليه سابقاً عندما طرح المشروع للمرة الأولى، والتعديل الجديد سيضم بناء ممرين إضافيين للسكك الحديدية على جانب طريق الجسر. ويعتبر الجسر، الأطول في العالم، إذ سيبلغ طوله 40 كيلومتراً، وبكلفة 4 مليارات دولار، وسيربط جزيرة البحرين بساحل شبه الجزيرة القطرية الشمالي الغربي، وسيكون نصف الجسر فوق مستوى البحر، والباقي سيمتد فوق أراضٍ مستصلحة، ويستغرق إنشاؤه نحو 4 سنوات. يذكر أن شركة «كوي» الدنمركية وضعت التصاميم الأولية للجسر، وكانت دراسة سابقة توقعت أن يصل عدد السيارات التي تمر على الجسر بعد إنشائه إلى 4000 سيارة يومياً، لتبلغ 5000 في العام الذي يليه، و12 ألف مركبة مع حلول عام 2050.
إنجازات فريدة
في ظل احتفالات قطر بذكرى اليوم الوطني، فقد حققت الدولة العديد من الإنجازات في مختلف المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي، فيما تنتظر البلاد مستقبلاً زاهراً تحت قيادة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد توليه مقاليد الحكم في البلاد في يونيو الماضي. وتولى الشيخ تميم مقاليد الحكم في قطر في 25 يونيو 2013، بعد تنازل والده الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم. والشيخ تميم المولود في 3 يونيو 1980 يعد أصغر حاكم عربي يتولى الحكم وهو في الـ33 من عمره، ورأت مجلة «التايم» الأمريكية أن «تولي الشيخ تميم سيضخ دماً جديداً شاباً في قطر.
وعلى الصعيد الخارجي تضطلع قطر بدور بارز ضمن عضويتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي فقد اختطت قطر لمسيرة إنجازاتها سياسة واعية اعتمدت على الخطط الطموحة المرتكزة على دعم وتطوير التنمية الصناعية وبناء الإنسان القطري. وتتمثل أهم الأهداف الاستراتيجية الصناعية لدولة قطر في استغلال الثروات والموارد الطبيعية إلى أقصى درجة ممكنة إلى جانب تنويع مصادر الدخل خاصة التنمية الصناعية بوصفها الشريان الثاني للاقتصاد القطري. وتشجع الدولة استغلال المدخرات والفوائض المالية للقطاع الخاص للاستثمار في التنمية الصناعية عن طريق الاكتتاب في المشاريع الصناعية الجديدة وخصخصة جزء من الصناعات الوطنية الأساسية القائمة. كما تسعى إلى تطوير الإنتاج في الصناعات الاستخراجية ليصل إنتاج النفط إلى مليون برميل يومياً وإنتاج الغاز الطبيعي الخام إلى أكثر من 12 مليار قدم مكعب يومياً إضافة إلى نصف مليون برميل يومياً من المكثفات المصاحبة لإنتاج الغاز. وسجلت قطر نمواً ملحوظاً في الناتج المحلي الإجمالي كان لقطاع النفط والغاز جانب كبير في هذا النمو السريع، كما أدى نجاح قطر في استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022 إلى تعزيز مكانتها بين دول العالم وبالتالي عزز ثقة المستثمرين ورجال الأعمال للاستثمار فيها مما يشكل دعماً كبيراً للتوقعات الاقتصادية المستقبلية للدولة.
الجسور والأنفاق
تستثمر قطر أكثر من 20 مليار دولار على مشاريع الجسور والأنفاق لربط السكك الحديدية ومشاريع الطرق داخل المدينة وباقي دول الخليج. وأقامت الدولة عدداً من المدن الصناعية ومنها مدينة رأس لفان الصناعية وهي أحدث المدن الصناعية في قطر، وتقع المدينة شمال شرق العاصمة الدوحة وتبلغ مساحتها 106 كيلومترات مربعة ويعمل فيها نحو 6500 موظف وعامل. وتضم المدينة مصانع إنتاج الغاز الطبيعي المسال، كما تضم مرفأ صناعياً وتجارياً، ومنشآت صناعية متعددة. ويعد الميناء أكبر مرفأ لتصدير الغاز الطبيعي في العالم، وتبلغ مساحته الإجمالية 5.8 كيلومتر مربع.
الأغنى عالمياً
هيمنت قطر على ترتيب الدول الأكثر ثراء في العالم في التصنيف الذي نشره معهد التمويل الدولي IIF، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. وحسب التصنيف، فقد حلت قطر في المرتبة الأولى بمعدل ناتج محلي إجمالي بلغ 106 آلاف دولار للفرد، لتتفوق بذلك على العديد من الدول في المنطقة وأوروبا وأمريكا الشمالية. يشار إلى أن قطر برزت كأغنى بلد في العالم العربي سنة 2012، كما صنفت أغنى بلد في العالم سنة 2011، بعد أن قفز ناتجها المحلي الإجمالي قفزة تاريخية ليبلغ 182 مليار دولار في آخر إحصائيات بفضل ارتفاع صادرات الغاز. وفي المجال العقاري في قطر يشهد القطاع ازدهاراً كبيراً، إذ من المتوقع أن يجلب هذا القطاع لقطر استثمارات تزيد على 22 مليار دولار من خلال العقود ومشاريع التطوير الجديدة.
كما أولت قطر اهتماماً كبيراً للقطاع الزراعي بوصفه أحد القطاعات الحيوية في تحقيق النمو الاقتصادي. وحقق القطاع الصحي خطوات عملاقة سواء من جهة توفير أحدث الأجهزة الطبية والمعدات أو من جهة استقطاب أفضل الكوادر الطبية والفنية وتوسيع رقعة الخدمات الصحية من خلال افتتاح عدة مراكز ومستشفيات في أنحاء متفرقة من البلاد. كما حققت الدولة إنجازات كبيرة في مجال التربية والتعليم والثقافة من حيث زيادة عدد المدارس الرسمية والخاصة والأهلية وارتفاع عدد الطلاب المسجلين في مؤسسات التعليم الجامعي. وشهدت البلاد تطوراً هائلاً في جميع المجالات الإعلامية والكهرباء والماء والشباب والرياضة لتشكل قفزة حضارية في حياة الشعب القطري.
علاقات دولية
تتميز قطر بعلاقتها المتطورة مع المجتمع الدولي، واستطاعت طيلة الـ 40 عاماً المنصرمة من تحقيق إنجازات جعلت منها دولة فاعلة في تحقيق السلم والأمن الدوليين، علاوة على دورها المتميز والرائد في تحقيق التنمية الدولية والشراكة العالمية فيها. وتساهم قطر في حل النزاعات المسلحة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى المشاركة في قوات حفظ السلام التي شكلتها الأمم المتحدة في العديد من مناطق العالم، مثل لبنان، وإريتريا، والبوسنة، إضافة إلى حل النزاعات والمشكلات التي حصلت في بعض الدول العربية، كمشكلة دارفور، والأوضاع في اليمن ولبنان وفلسطين.
وتتبنى قطر مبادرة «هوب فور» الهادفة لتعزيز فعالية وتنسيق استخدام أصول الدفاع العسكري والمدني لمواجهة الكوارث الطبيعية، وذلك من خلال إنشاء مركز دولي بالدوحة معني بإقليم الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا في سبيل تنسيق الجهود والاستخدام الأمثل للأصول العسكرية والمدنية في مجال الإغاثة.
وحرصت قطر على إنشاء مؤسسة «صلتك» برأسمال 100 مليون دولار وذلك للتصدي للأزمة المتفاقمة للبطالة بين جيل الشباب في العالم وذلك من خلال توفير فرص العمل للشباب خاصة النساء والمحرومين، وقد قامت المؤسسة بتنفيذ العديد من المبادرات والمشاريع في بعض الدول العربية لمعالجة مشكلة البطالة المتفشية في أواسط الشباب العربي. كما أنشأت مؤسسة التعليم فوق الجميع بهدف حماية ودعم الحق في التعليم بالمناطق الواقعة أو المهددة بالأزمات والصراعات والحروب، وقامت هذه المؤسسة بتنفيذ العديد من المشاريع في بعض الدول العربية مثل العراق وفلسطين.
تطور اقتصادي
شهدت قطر خلال العام الجاري سلسلة منجزات اقتصادية وطنية كبرى بفضل جهود المسؤولين القطريين، حيث نجحت الاستراتيجية التي تنتهجها الدوحة في تحقيق المزيد من الإنجازات، والسير بنجاح نحو تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.
ومن أبرز الإنجازات التي حققتها قطر على مدار العام الجاري، افتتاح مطار حمد الدولي الجديد، والذي يمثل باكورة المشاريع الضخمة التي تنوي قطر إنجازها قبل مونديال 2022، بالإضافة إلى ترقية بورصة قطر إلى سوق ناشئة من طرف «مؤشر موجان ستانلي»، مما وضعها من بين أفضل الأسواق في المنطقة، وكذلك التوسع في إنشاء مناطق اقتصادية لخدمة التنوع في موارد البلاد.
وشهد الاقتصاد القطري تنوعاً وعدم الاعتماد على النفط والغاز كمصدر دخل بطريقة كاملة، بل تم توظيف هذا المصدر في العديد من المشاريع الاقتصادية والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والدخول في شركات ومشاريع كبرى ذات أصول عالية، وتبني الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
وفي هذا الصدد، تسير مشاريع البنية التحتية على قدم وساق، من خلال إنشاء الاستادات الرياضية المجهزة لاستضافة مونديال اليد 2015، إضافة إلى افتتاح مطار حمد الدولي الجديد، منتصف العام الجاري، والذي يعتبر باكورة مشاريع البنية التحتية الضخمة في البلاد، يليه إنشاء المنطقة الاقتصادية في راس أبو فنطاس، والتي تهدف إلى خلق فرص اقتصادية متنوعة، بالإضافة إلى عدد من المشاريع التنموية الضخمة التي بدأ العمل فيها، مثل ميناء الدوحة الجديد والمترو. ويضاف إلى تلك الإنجازات ترقية بورصة قطر إلى سوق ناشئة من طرف مؤشر موجان ستانلي، إلى جانب الاستثمارات التي يقوم بها جهاز قطر للاستثمار خارج البلاد، وجميعها تصب في صالح التنمية الاقتصادية إلى تشهدها قطر في المرحلة الحالية. وتسعى قطر من خلال عمل دؤوب وجهد واضح لأن تكون بين مصاف الدول الكبرى، كما إن قطر تعتبر حالياً وجهة السياح، خاصة أنها يطلق عليها حالياً «عاصمة المؤتمرات». وينوه إلى أن قطر تحتفل بيومها الوطني وهي في أوج ازدهارها الاقتصادي في كافة الجوانب، كما تضع قطر مواطنيها ضمن أولوياتها، فاهتمت بتطوير الموارد البشرية القطرية واستقطبت أفضل الجامعات العالمية وأنشأت فروعاً لها في قطر.
الطاقة والصناعة
حقق قطاع الطاقة والصناعة في قطر إنجازات معتبرة سواء على مستوى المشاريع والأنشطة المرتبطة بالنفط والغاز أو البنية التحتية للصناعة، فقد أنهت وزارة الطاقة والصناعة جميع أعمال البنية التحتية لمنطقة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وقامت بتشغيل جميع الخدمات اللازمة للمنطقة، وخصصت أراضي صناعية لأكثر من 576 مشروعاً حتى الآن. وبلغ إجمالي رأس المال المستثمر في مشروعات الإقامة والتوسعة وتعديل الوضع نحو 17.3 مليار ريال، من شأنها أن توفر 12 ألفاً و177 فرصة عمل جديدة.
وفيما يتعلق بقطاع النفط ومشاريعه المختلفة شكلت الإنجازات التي حققتها «قطر للبترول» وشركاتها التابعة إضافة جديدة لقطاع الطاقة بالدولة، حيث تم خلال الآونة الأخيرة افتتاح مشروع «الهيليوم 2» الذي بلغت كلفته 1.53 مليار ريال وجعل قطر واحدة من أكبر منتجي الهيليوم على مستوى العالم.
الموانئ البحرية
تتميز الموانئ البحرية بقطر بالتطور والحداثة حيث تحتوي على كافة المستلزمات والخدمات والمعدات الضرورية للقيام بمهامها على أفضل وجه. ومن أهم الموانئ البحرية بقطر ميناء الدوحة التجاري وميناء مسيعيد التجاري والصناعي وميناء رأس لفان الصناعي.