د. أشرف محمد كشك *:
مما لاشك فيه أن القمة الـ 35 لدول مجلس التعاون التي عقدت بالدوحة في 9 ديسمبر الجاري قد اكتسبت أهمية بالغة بالنظر إلى الأجواء التي تزامنت معها، والتي يمكن إجمالها في حالة «مثلث الاضطراب الإقليمي» في كل من اليمن والعراق وسوريا، فضلاً عن جهود الدفاع الخليجي المشترك، وهي القضايا التي ألقت بظلالها على البيان الختامي للقمة، وثمة 5 ملاحظات يمكن إبداؤها على ذلك البيان وهي:
أولاً: لايزال لدى دول مجلس التعاون قناعة مؤداها أهمية بلورة أمن ذاتي خليجي كمتطلب أساسي لتحقيق توازن القوى بين ضفتي الخليج، حيث إن الخلل في ذلك التوازن كان ولايزال سبباً في سياسات الأطراف الإقليمية التي تسعى لتعزيز هيمنتها على المنطقة باستغلال حالة الاضطراب المتزامنة في المحيط الإقليمي تارة بالأيديولوجيا وتارة أخرى بالمصالح، وبالتالي فإن الاتفاق على إنشاء قوة بحرية مشتركة لدول المجلس يعد تحولاً نوعياً في السياسات الأمنية لدول الخليج لإدراكها للمخاطر الراهنة والمستقبلية التي تتعرض لها الممرات البحرية التي تعد شرايين مهمة لتجارة دول الخليج مع العالم، حيث إنه مع ازدياد حدة الضربات الجوية الموجهة للجماعات الإرهابية فقد تلجأ للعمل في البحر ويقدم حادث إطلاق نار على قارب يتبع القوات البحرية في مصر من جانب بعض الجماعات الإرهابية في نوفمبر 2014 دليلاً على ذلك والذي أدى إلى إصابة 5 جنود وفقدان 8 آخرين من أفراد القوات البحرية المصرية.
ثانياً: في الوقت الذي صدرت فيه العديد من الدراسات الغربية خلال العام الجاري والتي أجمعت على أن أي اتفاق بين إيران والدول الغربية لن يكتب له النجاح بدون وجود علاقات طبيعية بين إيران ودول الخليج، فإن البيان الختامي قد عكس الرؤية الخليجية لهذا الأمر بوضوح والتي وضعت متطلبات لتلك العلاقات وهي «حسن الجوار، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، احترام سيادة الدول، الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها» وعلى الرغم من أنها مطالب خليجية دائماً ما تتضمنها البيانات الختامية لمجلس التعاون فإنها أمور تحتاج لقرارات كبرى ليس من الجانب الخليجي بل من الجانب الإيراني، وبمعنى أكثر وضوحاً فإن دول مجلس التعاون تريد إيران «الدولة «وترفض» إيران المشروع الإقليمي الساعي للهيمنة»، ومن ثم فإن فض الاشتباك الخليجي - الإيراني في الملفات الإقليمية يتطلب تطابقاً بين الأقوال والأفعال في السياسة الإيرانية، صحيح أنه ربما يكون هناك اختلاف في الأولويات الاستراتيجية بشأن السياسات الخارجية للجانبين إلا أن ذلك لم يكن سوى رد فعل من جانب دول الخليج التي ترفض الإخلال بتوازن القوى القائم، وتستهدف دول الخليج العربية إقامة علاقات طبيعية تؤسس على إجراءات بناء الثقة التي سوف تنعكس على هيكل الأمن الإقليمي الذي يشهد أعلى مراحل الاستقطاب في الوقت الراهن ليس بين الأطراف الإقليمية والدولية فحسب، بل دخول الجماعات دون الدول كلاعب رئيس ضمن تلك التفاعلات.
ثالثاً: لاشك في أن إشارة البيان الختامي لتحدي الإرهاب بشكل أكثر تفصيلاً من حيث الإشارة إلى جهود دول المجلس والجهود الدولية في هذا الشأن يعكس قناعة دول المجلس بأن الإرهاب الآن هو التحدي الرئيس ليس فقط لتهديد حياة المواطنين الأبرياء بل هو معوق لخطوات التحديث التي تقوم بها دول الخليج، بل إن الرؤية الخليجية أكثر شمولاً حيث إن المشكلة لا تكمن في آلية مواجهة تلك الجماعات لمدة قد تطول أو تقصر، وإنما في البيئة الحاضنة لهذه الجماعات والأطراف التي تدعمها ومصادر تمويلها، بل والأهم معايير تصنيفها حيث إن استثناء بعض منها أمر يحد من جهود مواجهتها، نظراً للتداخل الشديد بين هذه الجماعات التي تفرقها الأيديولوجية وتجمعها رفض فكرة الدولة الوطنية الحديثة.
رابعاً: تدرك دول مجلس التعاون أهمية تفعيل دور الدول المحورية كمتطلب رئيس للأمن الإقليمي ومن ثم فإن إشارة البيان الختامي للدعم الخليجي لمصر يعيد التأكيد على حقيقتين، الأولى: الترابط الاستراتيجي بين أمن دول مجلس التعاون والأمن القومي المصري، والثانية: أنه في ظل السيناريوهات المتوقعة للملف النووي الإيراني ومنها إمكانية تسوية ذلك الملف بما يعني وجود دور إيراني جديد في المنطقة فإنه من الأهمية بمكان أن تكون هناك استراتيجية عربية إزاء تلك التحولات وفي بؤرتها دول الخليج ومصر.
خامساً: كان ملف دول الجوار حاضراً، وبقوة في البيان الختامي، حيث تدرك دول الخليج أهمية الحيلولة دون اتجاه مسار في هذه الدول نحو سيناريوهات خطيرة وفي مقدمتها اليمن التي تمثل عمقاً استراتيجياً لدول مجلس التعاون، بل والأهم أن دول الخليج ترى أنه يتعين عليها العمل في مسارات متوازية نظراً لأن الأمن الإقليمي كل لا يتجزأ، كما إن السياسات الاستباقية تجاه الأزمات تكون أقل كلفة مما تركت تلك الأزمات لتتحول إلى كوارث تهدد الأمن الإقليمي والعالمي على السواء.
وأخيراً وليس آخر، فإن انعقاد القمة في موعدها المقرر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك إدراك قادة المجلس لأهمية استمرار مجلس التعاون كتجمع إقليمي مهم في ظل تحولات لم تكتمل ملامحها بعد.
* باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة