كتب - مهند أبو زيتون:
في الميثولوجيا الإغريقية، أراد كل من إله البحر بوسايدون وآلهة الحكمة أثينا تسمية المدينة باسمه، اتفقا على تقديم هديتين لشعب المدينة، ومن تقبل هديته تسمى المدينة باسمه. ضرب بوسايدون برمحه ثلاثي الشعب الأرض فأخرج نبع ماء قدمه لشعب المدينة. فيما خلقت أثينا شجرة زيتون هدية ترمز للسلام. وكان أن قبل الشعب شجرة الزيتون فأصبحت المدينة أثينا.
في 2014 وبينما كانت أثينا تتهيأ للاحتفال بأعياد ميلاد السيد المسيح الذي أمر الناس بعبادة إله واحد أحد، وتقدم لأشجار زيتونها أجمل ما لديها، كان مئات السوريين يفترشون الأرض قبالة برلمانها العتيق، يعتصمون لمدة 20 يوماً تحت المطر مع أبنائهم طلباً للرحيل من أثينا إلى بلاد الصناعة والتقدم و«حقوق الإنسان» في أوروبا.
كأن سوريا أصبحت الإله اليوناني كرونوس الذي ابتلع أبناءه الخمسة من زوجته ريا خوفاً من أن ينزعوا سلطته، غير أنه في الأسطورة الإغريقية فإن ريا استطاعت إخفاء زيوس في جزيرة كريت وأعطت زوجها حجراً ملفوفاً بملابسه فابتلعه. وحين كبر زيوس صار إله الشتاء والخصب وأخرج إخوته الخمسة من بطن أبيه ومنهم بوسايدون. أما زيوس السوري فأضعف من أن يخرج إخوته النصف مليون قتيل من بطن سوريا لذا قرر أن يصبح لاجئاً.
وقفت طويلاً مع السوريين لحظة وصولنا أثينا، كان العجز يأكل ما حولي رغم هيبة أثينا وعظمة حضارتها، كأن أعمدة الأكروبوليس التي تعتلي قمة هضبة وسط المدينة وقفت شاهداً على تخلفنا كأمة، وددت أن أصرخ: نحن من حفظ لكم علوم أرسطو. ابن رشد ترجمها وأعادها إليكم. أعرف أفلاطون جيداً. أحب أبوقراط. غير أن الحقيقة كانت ماثلة أمام أعيني، نحن الآن مشردون في إحدى أفقر دول أوروبا لكنها دولة تنظر للمستقبل بعد أن أنهكتها اضطرابات طويلة جداً، تعيد ترميم أعمدتها الأثرية قطعة قطعة بعد أن دمرتها حروب كبيرة يعرفها التاريخ. ربما تشبهنا أثينا، غير أنها لن تستمر كذلك.
تمنيت للشباب السوريين توفيقاً إلهياً والتحقت بالمجموعة السياحية إلى عشاء راقٍ في مطعم فاخر، معللاً نفسي بأن الحياة يجب أن تستمر.
بلاد الحكمة
لعلها بداية تراجيدية لرحلة سياحية نظمتها طيران الخليج وهيئة وكالات السياحة في اليونان «HATTA» لهدفين يتقاطعان كثيراً. فطيران الخليج أرادت ترويج وجهتها الجديدة إلى أثينا، واليونانيون أردوا اجتذاب السائح الخليجي إلى بلدهم. فدعوا 5 صحافيين من البحرين والكويت و14 شخصاً من وكالات سفر في الكويت، في رحلة استمرت 4 أيام وأرادوا لها أن تكون مميزة فكانت.
في اليونان، بلد الحكمة، شيء من أوروبا، وشيء من الشرق، كثير من التاريخ، وقليل من الفخامة، سحر من الطبيعة، وود من الإنسان. في أثينا تشم على أعمدة الأكروبوليس ومعبد زيوس ومعبد بوسايدون، وعلى تماثيل المتاحف، ومجسمات الحكماء والأطباء والآلهة، رائحة الفضل الإغريقي على حضارة الإنسان.
وفي الجزر اليونانية الكثيرة، نحو ألفي جزيرة 350 منها سياحية، تقدم الطبيعة أبهى صورها في زواج الخضرة والبحر والجبل والوجه الحسن. إنها فرصة لإقفال الموبايل والعيش مع الطبيعة ببساطتها.
تعتمد اليونان، في اقتصادها كثيراً على قطاع الشحن، ويتزايد اهتمامها بالسياحة الأثرية والطبيعية والعائلية في العامين الأخيرين. وتصل مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20% حسب الأمين العام لمنظمة السياحة اليونانية بانوس ليفاذاس الذي يعتبر العامين 2013 و2014 طفرة سياحية يريد لها اليونانيون أن تتطور.
في 2013 استقبلت اليونان 18 مليون سائح، حسب ليفاذاس، وفي 2014 استقبلت 20 مليوناً 14 مليوناً منهم أوروبيون. وتمنح البلاد 7 آلاف فيزا من روسيا ومثلها من الصين يومياً.
وبعيداً عن الأرقام والمعلومات التي يمكن الحصول عليها بسهولة عن اليونان، فإن ما يلفت الزائر هو روح أثينا، أزقتها المرصوفة بحجر قديم، تعزف عليه كعوب الصبايا الجميلات ألحاناً عشوائية تشبه ضرب المطر الذي يهطل سريعاً وقوياً فيبلل كل شيء، والأهم أنه يبلل الروح.
وسط المدينة ينبض بالحياة، المقاهي والمطاعم والأسواق في كل الأزقة، امتداداً من ساحة سنتيغما الرئيسة المقابلة للبرلمان، إلى منطقة بلاكا التي يجد فيها الزائر معظم ما يرغب بشرائه من منتجات يونانية أو علامات تجارية شهيرة أو حتى بضائع صينية، وأسعار بعضها أرخص من مثيلاتها في البحرين، وكذلك المأكولات.
يعتز اليونانيون كثيراً بأكلاتهم، يأكلون بمزاج، يدخلون الجبن وزيت الزيتون في كل شيء، ما يجعل مطبخهم شهياً. ألم نقل إن أثينا أهدت الأثينيين شجرة زيتون؟!
موسم السياحة في اليونان كان يمتد من نهاية مارس إلى نهاية اكتوبر، والتحدي الأكبر في العامين الأخيرين كما يقول ليفاذاس تمديد الموسم السياحي بحيث امتد من نهاير فبراير إلى بداية نوفمبر، ويطمحون الآن إلى مده حتى 10 أشهر. وفي حين يبدو هذا منطقياً في استثمار مناخ البلد المعتدل هذه الشهور، فإن أشهر الشتاء قد تشكل جذباً سياحاً للخليجيين الذين يرغبون في تجربة أجــواء شتاء رومانسية ودون اختبار برد أوروبا القارس.
يحب اليونانيون بلدهم كثيراً، الأدلاء السياحيون لا يمارسون مهنتهم كوظيفة، بل إنهم يروجون لروح اليونان، ويدافعون عن بلدهم بشراسة، خصوصاً إذا ما وضع في مقارنة جائرة مع البلد الجارة تركيا، رغم احتفائهم الملحوظ بزيارة رئيس وزراء تركيا داوود اوغلو الأخيرة لأثينا.
تركز اليونان كما يبدو على تقديم تجربة سياحية خاصة، ولا تهتم كثيراً بترويج الحداثة والفخامة، يشفع لها في ذلك تاريخها وطبيعتها، وفي حين لا توجد لديها ملاه ضخمة للأطفال، فإن مسؤوليها يفخرون مثلاً بتأمين سياحة آمنة للطفل مستشهدين بقصة زيوس الذي تخفى يوماً ونزل إلى المدينة ليطمئن على صحة الأطفال فيها.
مشاهد الجمال في اليونان كثيرة، تحكيها الصورة أفضل بكثير من الكلمات حتى وإن كانت ملحنة بموسيقى زوربا الشهيرة التي يرقص اليونانيون رقصاً فلكلورياً يشبه الدبكة الشامية واللبنانية على أنغامها.
إنها تجربة تستحق أن تعاش، وحضارة أم ينبغي لكل إنسان أن يمشي بين تفاصيلها الكثيرة.
«إف خارستو» (شكراً) اليونان. «إف خارستو» طيران الخليج.